ثمة نباتات وأشجار لا نعرف عنها الكثير في منطقتنا العربية، ولا سيما تلك التي تآلفت مع الطبيعة الصحراوية، وتمكنت عبر ملايين السنين من التأقلم مع الرمال والحر الشديد والظروف المناخية الصعبة، لتضفي على البيئة الصحراية بعضا من خضرة وجمال.
وتعتبر شجيرات الغضا واحدة من أشهر وأهم هذه النباتات الصحراوية، وقد استخدمها الإنسان قديما وحديثا في دول الخليج العربي وبلاد الشام والعراق وغيرها، في عمليات الطهي والتدفئة.
تواجه أشجار الغضا (الاسم العلمي Haloxylon ammodendron) العديد من المخاطر التي تهدد وجودها، وبدأت السلطات المعنية في دول الخليج التشدد في حماية هذه الأشجار من التعديات بعد أن تراجعت أعدادها بفعل التوسع العمراني، خصوصا وأن ثمة إفراطا في استثمارها، إذ يعتبر خشب الغضا المصدر الرئيس للحطب والوقود في البيئات التي ينتشر فيها، نظرا لصلابته، حيث ينتج حرارة عالية ومدة احتراق طويلة.
بيئة محافظة ذي قار تحذر
ولا نستغرب أن يدعو مدير بيئة محافظة ذي قار في العراق محسن عزيز يوم أمس الأحد الجهات الأمنية للحد من عمليات القطع الجائر التي يتعرض لها نبات الغضا في مناطق البادية الجنوبية، وبيعه إلى أصحاب المقاهي الشعبية.
وقال عزيز إن “ما يتعرض له نبات الغضا من تجاوزات مستمرة ينذر بتهديد زيادة الرقعة الصحراوية وتدهور أراضي البادية الجنوبية”، محذرا من أن “استخدام هذا النبات في عملية التدخين بواسطة النارجيلة يسبب تلوث الهواء والإضرار بالصحة العامة”.
واوضح عزيز ان “جهود دائرة بيئة المحافظة بالتنسيق مع مركز الشرطة البيئية غير كافية للحد من هذه الظاهرة، الأمر الذي يتطلب تدخل الأجهزة الأمنية في هذا الشأن ومحاسبة المخالفين”.
نبات مقاوم
ينتشر الغضا بكثرة في مناطق الكثبان الرملية، وهو عبارة عن شجرة صغيرة معمرة يتراوح ارتفاعها بين متر واحد وأربعة أمتار، وتتسم بخاصية فريدة، فهي قادرة على العيش في الكثبان الرملية الثابتة والمتحركة في الصحاري الجافة، بما فيها تلك التي يقل معدل الأمطار فيها عن 50 ملم سنويا، إذ يفضل هذا النبات التربة الرملية عادة.
كما يتميز الغضا بتحملة لدرجات حموضة التربة المختلفة، وهو قادر أيضا على تحمل الملوحة والجفاف، كما يمتاز بجذوره الطويلة والقوية والتي تمتد الى عشرات الأمتار بما يمكنه من الوصول الى الماء، وتستخدم شجيرات الغضا في كثير من الدول لأغراض إعادة تأهيل المراعي وتشجير جوانب الطرق الصحراوية، وتدخل في صناعة الأثاث والورق والأصباغ، أما أوراقها فهي تشكل غذاء جيدا للكثير من الحيوانات الصحراوية البرية وغير البرية، كالجمال والماعز والمها العربي وغيرها.
مهدد بالانقراض
وتلعب أشجار وشجيرات الغضا دوراً مهماً في بيئتها الطبيعية، فهي قادرة على تثبيت الكثبان الرملية ومنع انجراف التربة، وتعمل كمصد للرياح وتتحمل اصطدام ذرات الرمل وتراكمها على الأغصان، ويعتبر الانسان واستخدامه السلبي والجشع تجاه المقدرات البيئية من أهم العوامل التي أدت الى تدمير الغضا والبيئات الرهيفة في معظم الدول العربية.
وسط كل ذلك، أصبحت هذه الأشجار من النباتات مهددة بانحسار مساحات انتشارها وانقراضها، نتيجة الرعي الجائر والاحتطاب بالإضافة الى مغامرات مرتادي الصحراء وسباق الراليات، والذين يدوسون نباتات الغضا الصغيرة وغيرها من النباتات الصحراوية بأقدامهم ومركباتهم ذات الدفع العالي، فضلا عن استخدام جمر الغضا طوال الليل والنهار للطهي والترفيه.