محمود الاحمدية – البلد
تعتبر صناعة الإسمنت من الصناعات الستراتيجية والأساسية بالبعد التنموي في مسيرة اقتصاد الدول… وتأتي اهميتها في سياق وجودها كمادة مفصلية في حركة البناء لأنها تشكل الجزء الأهم الذي تقوم عليه حركة العمران ومن هنا نشأت معامل الإسمنت في مناطق قريبة من المواد الأولية لتخفيف الأعباء الإقتصادية والتكاليف في حركة نقلها شرط أن تحترم هذه المواقع “دراسة الأثر البيئي” ومواءمة مواقعها لاحترام كل الشروط البيئية والصحية على المنطقة وجوارها, لذلك تعتبر صناعة الاسمنت من الصناعات الثقيلة والخطرة وترفضها بشكل قطعي المنظمات الأهلية البيئية إذا لم تستوفِ شروط (تقييم الأثر البيئي)….
آخر هذه المظاهر بانت للعيان عندما رفض الناس بشكل عام وبعض القوى السياسية والمتطلبات الأهلية قيام مصنع للاسمنت في مدينة زحلة فحطت رحال هذا المشروع أخيراً في مشاعات عين دارة التي كانت ولا تزال شهيدة المشاريع المدمرة للبيئة في لبنان…
ومراحل صناعة الاسمنت تمر بعدة مراحل تقنية ومن خلالها نستشف مدى خطورتها:
1- تستخرج المواد الأولية من المقالع وتنقل إلى مصنع الاسمنت بواسطة السيارات أو الأقشطة الناقلة وهي مواد تحتوي على السيليكات والحجر الكلسي الجيري وأوكسيد الصوديوم والبوتاسيوم.
2- تطحن المواد الأولية بطريقة مدروسة.
3- تحرق هذه المواد في أفران دوارة وتتحول إلى كلنكر وذلك بواسطة مشتقات النفط والوقود الكربوني.
4- يصبح الإسمنت جاهزاً ويوضع اتوماتيكياً في أكياس تذهب إلى مواقع البناء
ومن هذا التسلسل في تراتبية صناعة الاسمنت (التفجير، النقل، التكسير، الطحن، الحرق، التبريد، التعبئة) يتراءى لنا الكم الهائل من التلوث في الهواء، حيث أن كل هذه العمليات تنتج غباراً ينبعث منها ومن مداخن مصنع الاسمنت وخصوصاً عند ارتفاع نسبة أول اوكسيد الكربون في الفرن ما يؤدي الى انطلاق الغبار والغازات إلى المنطقة بأكملها وتنقلها الرياح إلى أماكن بعيدة مُلَوِّثةً الهواء والماء والتربة… وهناك نوعان من الغبار المتطاير منه ما يتكون من ذرات يتجاوز قطرها 10 ميكرون وأخرى أقل من 10 ميكرون وهي خفيفة وتبقى معلقة في الهواء لمدة طويلة وتترسب ببطء شديد وتسبب للانسان امراضاً خطيرة متعددة مثل الربو والتهاب الشعب الهوائية والحساسية نتيجة ملامسة ذرات الغبار للجلد والعيون والجهاز التنفسي وتنتج هذه المعامل نتيجة الحرق غاز ثاني اوكسيد الكربون الذي يشكل العامل الاخطر من ناحية الاحتباس الحراري وغاز ثاني أوكسيد الكبريت من أخطر ملوثات الهواء وذات تأثير خطير على الجهاز التنفسي…وأوكسيد النيتروجين الذي يسبب الحساسية والرؤية والجهاز التنفسي أيضاً وأيضاً وغاز أول أوكسيد الكربون وهو شديد السمية يؤثر على كل المخلوقات وخاصة الانسان ويبدأ بوجع في الرأس مع ضيق في الصدر ويسبب في بعض الحالات بالاختناق وعندما يبلغ مستوى 5 ملغ في الليتر من حيث التركيز في الهواء لمدة ساعة فالتعرض له لمدة خمس دقائق يصبح مميتاً.
لن نغوص كثيراً في مسألة الضجيج عند تفجير الصخور في المواقع الأولية وأثره على كل سكان منطقة المحاجر وضجيج المعدات والآليات ونقل كل هذه المواد لمسافات طويلة أو قصيرة إلى الانتاج او من المصنع إلى المواقع هي حركة نقل دائمة تدمر ما تبقى من طرقاتنا وتؤثر على حركة السير في الاتجاهين مع سائقين يعملون على النقلة والسرعة هي الفيصل في بعض الحالات… وفي البعد البيئي يعتبر مصنع الاسمنت وباعتراف جميع الدول من أخطر المشاريع الضارة للبيئة المحبطة اذا لم يحترم “تقييم الأثر البيئي” ولن أغوص اكثر في التفاصيل التقنية والأضرار على الصحة والبيئة ولكن وبالنسبة لمصنع الاسمنت المزمع اقامته في منطقة عين دارة وبناء على ما تقدم يعتبر جريمة بيئية بكل المقاييس لان المنطقة نالت من نالته من مصائب الكسارات والمرامل ولم تبق شجرة في المنطقة إلا وقتلها الغبار والتلوث ولم يبق انسان الا ودفع الثمن من صحته وعافيته ولم يبق نبع الا والغبار أكل سطحه ولوثه ولم تبق تربة الا وفقدت خصائصها فرحمة بالمنطقة وبأهل المنطقة وبكل المنطقة ابعدوا هذا المارد القاتل ابعدوا هذه الجريمة عن ساحة دمرتها الجرائم البيئية.
أقولها بمسؤولية وتاريخنا يشهد على مصداقيتنا في معارك النضال البيئي وجمعيتنا (طبيعة بلا حدود) وعلى مدار عشرين عاماً ولا تزال قاربت وتصدت لأكثر التعديات على بيئة ظهر البيدر وعين دارة ورأينا الأهوال والمصائب والضمائر الميتة في سبيل حفنة من الدولارات