شهد قطاع الطاقة الشمسية في السنوات القليلة الماضية تطورا هائلا، من حيث إمكانية الاستفادة بقدر أكبر من الأشعة وتخزينها، وإن ظلت التحديات الأكبر متمثلة بشكل أساس في كيفية تخزين الكهرباء المولدة من الشمس، وفيما يسعى الخبراء في مجال الطاقة الشمسية والباحثون إلى تطوير الألواح الشمسية لتصبح عملية تصنيعها أقل تكلفة، وتكون الألواح اكثر فاعلىه لتجميع أكبر قدر ممكن من أشعة الشمس الساقطة علىها، نجد أن ثمة اهتماما موازيا لجهة تطوير طرق تخزين هذه الطاقة.
ونستعرض في ما يلي أبرز وأهم التقنيات المستخدمة في مجال تخزين الطاقة، وهي تعتبر من بين أهم التحديات التي يعوّل علىها من أجل التحول نحو الطاقة المتجددة، التزاما بالتعهدات الدولية لجهة التخلي تدريجيا عن الطاقة الأحفورية.
ورغم التطور الكبير في مجال تخزين الطاقة، ما تزال البطاريات المعدنية المعرفة بـ flow batteries والمستخدمة منذ بداية الثمانينيات من القرن الماضي منتشرة على نطاق واسع، وهذه البطاريات تستخدم فيها “ايونات الفناديوم” Vanadium ions لتخزين الطاقة الكهربائية، ثم إعادة شحنها واستخدامها، وتم تطوير بطاريات الـflow حتى أن بعضها بات يتمتع بقدرات عالية جدا، وهي عبارة عن “خزانات” تُملأ بـ “أيونات الفناديوم”، ومن أجل زيادة قدرتها التخزينية يفترض زيادة كمية “الفناديوم”، ولكن تبقى المشكلة الأساس متمثلة في أن عنصر الفناديوم ليس رخيص الثمن، ما حث الباحثين على تبني فكرة مستوحاة من “خلايا الوقود” fuel Cells، فخلايا الوقود التي أصبحت تستخدم في الكبسولات والمكوكات الفضائية لمدها بالطاقة والتي تقوم على فكرة الاستفادة من التفاعلات التي تحدث في المركبات العضوية مثل الميثانول وتحول الطاقة الكيميائية الكامنة بها إلى كهرباء، ومن المعروف ان مكونات خلايا الوقود هي مكونات عضوية ليست مرتفعة الثمن، وبذلك يمكن نحصل على قدرة تخزين عالية وبتكلفة أقل.
كما أن هذه الفكرة بدأت تشهد تطورا مهما منذ العام 2013 وحتى الآن، وقد حققت نجاحا مهما، حيث ان تكلفة الكيلووات ساعة أصبح اقل من 1/4 سنتا (من دولار أميركي)، فضلا عن ان هذا النوع من البطاريات يستطيع ان يقوم باكثر من 5000 دورة تفريغ عميقة، وفي عام 2015 تم استخدام مواد غير سامة بها.
Hydrogen
وفي سياق متصل أعلن البروفسور توم مايلر من جامعة “نورث كارولينا” North Carolina عام 2014، عن طريقة جديدة لتخزين الطاقة الشمسية في شكل هيدروجين بدلا من الكهرباء، وتقوم الفكرة على استخدام الماء وتفكيك الروابط بين عناصره للحصول على الهيدروجين، ثم وضع الهيدروجين في خزانات خاصة وحرقه للحصول على الطاقة.
إلا أن فكرة مايلر لا تتوقف عند هذا الحد، فهو يعمل من أجل أن إ يجد طريقة يقلل بها الانبعاثات الكربونية في الهواء، وذلك من خلال استخدام ثاني أوكسيد الكربون لتخزين الطاقة به عن طريق تحويله إلى ميثانول، ثم حرق الميثانول كوقود للحصول على الطاقة منه، ثم إعادة استخدام ثاني أوكسيد الكربون الناتج من عملية الاحتراق مرة أخرى، لتخزين الطاقة به عن طريق تحويله إلى ميثانول مرة ثانية في عملية مغلقة، على ان تكون عملية تحويل ثاني أوكسيد الكربون إلى ميثاونل باستخدام الطاقة الشمسية.
تجدر الإشارة إلى أن هذه الفكرة ما تزال في مرحلة البحث وإجراء التجارب، ويعول عليها العلماء في مجال تخزين الطاقة الشمسية قريبا، في وقت ليس ببعيد بحسب التوقعات.
Salt
لكن ثمة طريقة مهمة وتقنية واعدة، وذلك عن طريق تخزين الطاقة الشمسية في محطات الطاقة الشمسية الحرارية، من خلال تخزين الطاقة الحرارية في خزانات حرارية تستخدم الأملاح المنصهرة، وهي قادرة على تخزين كميات كبيرة من الطاقة الحرارية، ومن دون أن يحدث تغيير في حالتها، وهذه الطريقة أصبحت منتشرة الآن، وتم تنفيذها بالفعل في عدد من محطات الطاقة الشمسية الحرارية.
ولا بد من التنويه هنا، إلى أن شركة “سولار ريزيرف” Solar Reserve في كاليفورنيا تستخدم الملح المذاب كوسيلة لتخزين الطاقة على المدى الطويل، فضلا عن أن محطة الطاقة الشمسية “كريسنت دونز” Crescent Dunes المملوكة للشركة في تونوباه بولاية نيفادا، وتمّ بناؤها في العام 2015، هي أول محطة كهرباء تجارية في الولايات المتحدة تستخدم هذه التكنولوجيا المتطورة لتخزين الطاقة، وتستطيع المحطة التي تبلغ طاقة إنتاجها 110 ميغاوات تأمين الكهرباء لـ 75 ألف منزل، وأن تعمل لمدة 10 ساعات من بطاريات التخزين. وهذا يعني طوال ليلة واحدة.
ويؤكد الرئيس التنفيذي لشركة “سولار ريزرف” كيفين سميث أن “اتفاقية المناخ التي تم التوصل إليها في باريس يمكنها تفعيل حدوث تحوّل عالمي في مجال الطاقة. وهي ستُعجل باستخدام مصادر الطاقة المتجددة حول العالم، بما في ذلك في الأسواق الناشئة مثل أفريقيا، وأميركا اللاتينية وآسيا”.
قابلة للتجديد بنسبة 100 بالمئة
وفي هذا السياق، وللتعرف أكثر على هذه التقنية، فلا بد من الإشارة إلى أن المرايا العاكسة التي تتبع الشمس، تعكس الأشعة على جهاز استقبال مركب على سطح برج ارتفاعه 195 مترا. ثم يُضخ الملح السائل عبر جهاز الاستقبال الساخن، فيما يتدفق الملح الذائب إلى داخل خزان حراري معزول. عند الحاجة للكهرباء، ينتقل الملح الذائب عبر نظام توليد يعمل بالبخار، حيث تُسخّن المياه لإنتاج بخار عالي الضغط. ويقوم البخار بدفع توربين لتوليد الكهرباء، ويعمل التوربين سواء كانت الشمس مشرقة أم لا.
تجدر الإشارة إلى أن عملية توليد البخار مماثلة لتلك المستخدمة في إنتاج الكهرباء من محطات الكهرباء العاملة بالغاز أو الفحم أو الطاقة النووية، غير أنها قابلة للتجديد بنسبة 100 بالمئة، دون انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الضارة.