حذر خبراء المناخ من أن موجات الحرارة الحارقة التي امتدت لتشمل المنطقة بين المغرب والسعودية وبلدانا عدة، وبصورة غير مسبوقة، قد تكون نذيرا لما هو أسوأ.
ورأى مسؤولون في الامم المتحدة وعلماء في المناخ، أنه في العقود المقبلة، ومع زيادة أعداد السكان في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومناطق أخرى من العالم بشكل كبير، من المتوقع أن يرتفع عدد السكان في 22 دولة عربية مجتمعة من 400 مليون إلى ما يقارب 600 مليون نسمة بحلول عام 2050، وهذا الأمر سيكلف البلدان خسائر كبيرة، في ظل توقع علماء المناخ انخفاضا في معدل الأمطار وزيادة في ملوحة المياه الجوفية جراء ارتفاع منسوب مياه البحر، وقد تواجه هذه المنطقة نتيجة الحروب واللجوء السكاني خصوصا ندرة مياه شديدة، فضلا عن درجات حرارة عالية للغاية قد تؤثر على الإنسان وتجعل حياته صعبة ومستحيلة، فضلا عن تداعيات أخرى نتيجة الاحتباس الحراري.
وكنا قد تناولنا في موقعنا greenarea.info، تحذير الدكتور في علم الإنسان Anthropology جيسون هيكل Jason Hickel في مقالة في صحيفة الغارديان أن متابعة الإنسان في نشاطاته الإقتصادية المحمومة بذات الوتيرة، ستساهم في ارتفاع درجات الحرارة وتغير المناخ ولو تم تحويل كل مصادر الطاقة إلى المتجددة، وذكر هيكل أمثلة على التغير المناخي ومنها الفيضانات والجفاف وغيرها ولا سيما الحرارة الحارقة في منطقة الشرق الأوسط والتي وصلت في الكويت إلى درجة غير مسبوقة وهي 54،4 درجة مئوية.
وقال أحد كبار مستشاري المكتب الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية للدول العربية، وهو يعمل على دراسة تأثير التغييرات المناخية في منطقة الشرق الأوسط عادل عبد اللطيف: “يعد تغير المناخ أحد أكبر التحديات التي تواجه المنطقة في الوقت الحالي، وإذا استمرت هذه التغيرات، فإن الصراعات وأزمات اللاجئين ستكون أكبر بكثير من الوضع الراهن”، وأضاف أن “تغير المناخ بدأ يظهر أثره على المنطقة”.
كما شهدت الحرارة في جنوب المغرب درجات عالية على الرغم من كون المنطقة باردة نسبيا، ووصلت إلى مستويات قياسية تتراوح بين 109 و116 درجة فهرنهايت (42،7 و46،6 درجة مئوية) خلال شهر تموز (يوليو)، أما في مدينة البصرة جنوب العراق فوصلت إلى 129 درجة فهرنهايت (53،88 درجة مئوية) يوم 22 تموز (يوليو).
الرطوبة ومؤشر الحرارة
وسجلت في مناطق عدة من الشرق الأوسط، نسبة رطوبة عالية للغاية، لدرجة أن التبريد نتيجة للتبخر لم يعد يجدي نفعا، وعلى الرغم أن الحرارة لم ترتفع أكثر من 38 درجة مئوية، إلا أن ارتفاع نسب الرطوبة ساهم بجعل الوضع أسوأ، لأنها تعمل على منع العرق من التبخر، وأدى ارتفاع مستوى الرطوبة في الإمارات العربية المتحدة إلى مؤشر حرارة heat index أكثر من 140 درجة فهرنهايت (60 درجة مئوية)، كما أن الحرارة في إيران سجلت مؤشرا يوم الخميس في 28 تموز (يوليو) بلغ 72 درجة مئوية.
انخفاض الناتج الإجمالي المحلي في العراق
وقال الخبير الاقتصادي العراقي باسم أنطوان Bassem Antoine أن “أضرارا جسيمة أصابت اقتصاد البلاد خصوصا خلال هذا الصيف، بالإضافة إلى انخفاض إنتاجية القوى العاملة الحكومية”، وقدر أن “الناتج المحلي الاجمالي للعراق الذي يزيد عن 230 مليار دولار سنويا انخفض بنسبة بين 10 و20 بالمئة خلال فترة الصيف”.
ونظرا للوضع غير المستقر في العراق، فإن التعامل مع تأثير درجات الحرارة هذه على السكان أمر صعب للغاية، خصوصا في الفلوجة وغيرها من المناطق التي مزقتها الحرب في البلاد، ويعيش كثير من اللاجئين دون إمكانية الحصول على المياه أو الطاقة، فضلا عن تكييف الهواء. وذكرت المتحدثة باسم الامم المتحدة كارولين غلوك Caroline Gluck أن العديد من هؤلاء اللاجئين تعرضوا للإصابة بالأمراض، بسبب ارتفاع درجات الحرارة وعدم توفر النظافة الشخصية نتيجة ندرة المياه والمياه النظيفة للشرب.
كما أن انقطاع التيار الكهربائي لفترة تزيد عن 12 ساعة، جعل الوضع أسوأ من ذلك في العديد من المجالات أواخر الشهر الماضي، وفي الواقع، فإنه في مواجهة الحرارة الجائرة، قرر مسؤولون عراقيون يوم الاربعاء والخميس في 27 و28 تموز (يوليو) إغلاق جميع المكاتب والمباني الحكومية، وبقيت هذه المكاتب مغلقة لمدة أربعة أيام بعد أن بلغت الحرارة درجة يصعب معها العمل، وكذلك كان الأمر بالنسبة للجزء الأكبر من السكان، فالحياة اليومية في بغداد وغيرها من المدن الرئيسية في العراق توقفت تقريبا، ومعظم الأعمال والنشاطات تتم في ساعات الصباح حيث تكون درجات الحرارة منخفضة قليلا.
وتبقى شوارع بغداد فارغة، إلا أن بعض العراقيين لا يملكون القدرة على البقاء في البيوت دون عمل، وتبقى بعض الأعمال مستمرة، وقال عيسى محسن ويملك محلا لبيع الفواكه في الكرادة في وسط بغداد “إما أن نعمل أو نموت جوعا، ولكن أنظروا هناك، انها بيوت مكيفة، ولكن لا نملك المال لنبتاع التيار الكهربائي من المولدات الخاصة”.
وكان قد احتشد عدد كبير من مواطني بغداد في مظاهرات عدة خلال العام الماضي بسبب عجز الحكومة عن توفير ما يكفي من الكهرباء خلال موجة الحر في الصيف، ووفقا للتقديرات فإن عدد سكان العراق (البالغ 33 مليون نسمة) سيتضاعف تقريبا بحلول عام 2050.
على الرغم من حقيقة أن المناخات الصحراوية معروفة بأنها تبرد بشكل سريع خلال الليل، إلا أنه خلال موجة الحر هذه لم يتمتع السكان بالراحة بعد غروب الشمس، ويقول كثير منهم أنهم لا يستطيعون النوم إلا بضع ساعات كل ليلة بسبب الحرارة الشديدة، ويعمد الكثير إلى نقع ملابسهم بالماء بحيث تساعد الحرارة الشديدة في أن يتبخر الماء ليشعرون بالبرودة وخصوصا في الهواء الجاف.
وقال المهندس في شركة نفط في البصرة أيمن كريم “أشعر بأني مسجون، وأن الموظفين أمروا بالبقاء في المنزل لعدة أيام خلال الشهر الماضي”، وأضاف “لا نستطيع الخروج قبل السابعة مساء”.
وشهدت المستشفيات ارتفاعا في عدد الأشخاص الذين يعانون من الجفاف والإجهاد الحراري، كما يعاني عشرات الآلاف من العراقيين النازحين من الحرارة المرتفعة في الخيام وغيرها من الملاجئ المؤقتة، ولا تستطيع المنظمات الإنسانية الوصول إلى جميع النازحين بسبب القيود المفروضة من قبل الحكومة العراقية ومسلحي الدولة الإسلامية، ولا سيما نتيجة المخاطر المرتبطة بالعمليات الحربية.
وقال مسؤول في منظمة إغاثة دون الكشف عن هويته، كونه لم يكن مخولا مناقشة هذه المسألة والتحدث علنا “هناك الكثير من هؤلاء الأشخاص ربما يموتون، ولكن من الصعب أن نعرف”.
الأرصاد والأبحاث المناخية
وقال المتحدث باسم هيئة الارصاد الجوية في العراق محمود عبد اللطيف أن “السبب المباشر في كل هذا البؤس هو نظام الضغط العالي المستمر منذ فترة، ويبدو أنه تحول جوهري في أنماط الطقس في البلاد، وفي بغداد، فإن عدد الأيام مع درجات حرارة تصل الى 118 درجة مئوية أو أعلى (حوالي 48 درجة مئوية) تضاعفت في السنوات الأخيرة”، وأضاف أنه “إذا نظرنا إلى أنماط الطقس ما قبل 40 عاما، فإن درجات الحرارة هذه كانت تستمر لمدة أربعة أو خمسة أيام، ولكن بعد ذلك فإن الرياح مع الغبار كانت تعمل على تبريد سطح الأرض، وهذا لا يحدث الآن”.
وكنا قد نشرنا في موقعنا greenarea.info ما توقعه باحثون في معهد ماكس بلانك للكيمياء the Max Planck Institute for Chemistry ومعهد قبرص في نيقوسيا the Cyprus Institute in Nicosia، حول مصير مجهول للمنطقة نتيجة الاحترار المناخي، يهدد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الشاسعة والموطن لنحو نصف مليار شخص.
وقالت الخبيرة المختصة بقضايا المياه في الشرق الأوسط، والمقيمة في أمستردام فرانشيسكا دو شاتيل Francesca de Châtel أن “حكومات المنطقة غير قادرة على التعامل مع النمو السكاني الكبير والتغيرات المناخية، حيث فشلت هذه الحكومات في معالجة هذه المشاكل لسنوات على الرغم من تحذير خبراء المناخ ووكالات الأمم المتحدة، وربما يكون الوقت قد تأخر لذلك الآن”.
من جهة ثانية، أشار محللون إلى أن عدم كفاءة معالجة الحكومة السورية لجفاف لم يسبق له مثيل، ساهم في إشعال نار الحرب الأهلية المدمرة في البلاد، والذي أنتج تدفق اللاجئين بصورة غير عادية إلى أوروبا.