على ما يبدو أنّ «سعر» الأرض التي اشترتها بلدية بيروت في مدينة الشويفات لإنشاء «المسلخ الحديث» لن تكون وحدها المفاجئة، فالخمسون مليون دولار التي حُسمت من صندوق «الناس» لأجل تسييل أملاك بعض الزعماء ومؤسسات الطوائف، ستتبعها عشرات الملايين الأخرى لاستكمال عمليّة «التنفيعات»، وإن كانت هذه المرّة تحمل عنواناً جدّياً، يتعلّق بإعداد الدراسات لإنشاء مسلخ حديث، إضافة إلى تكاليف هذا الإنشاء والإشراف على التنفيذ.
ففي الثالث والعشرين من نيسان الماضي، أودعت بلدية بيروت وزير الداخلية والبلديات، نهاد المشنوق، «القرار رقم 273 القاضي بالموافقة على مشروع عقد الاتفاق بالتراضي مع مكتب المهندس خالد شهاب لوضع الدراسات الهندسية اللازمة لإنشاء مسلخ حديث (…) ووضع دفتر الشروط والموافقات الفنية والإشراف على تنفيذ الأعمال لقاء مبلغ إجمالي قدره مليونان و950 ألفاً ومئتا دولار أميركي، بما فيه الضريبة على القيمة المضافة». وقد أرفق الطلب في حينها مع «تفصيل» بالأرقام لما قدّرته شركة خالد شهاب.
بعد يومين من الإيداع، عاد الطلب من الداخلية مع الموافقة، ليسلك طريقه إلى ديوان المحاسبة لإبداء رأيه، وإلى الآن ما يزال هناك، ويخمّن البعض أن خروجه سيكون «كما كان خروجه من الداخلية مع الموافقة»، وإن كان هؤلاء يبدون بعض التحفّظات حول الكلفة.
ففي ما يخصّ كلفة الدراسات، تقسّم شركة خالد شهاب (وهو للمناسبة نقيب المهندسين أيضاً) الكلفة على 3 عناصر «المصاريف البالغة 402,000 دولار، وتضمّ تكاليف ورسوم النقابة لملف الرخصة، وكلفة الدراسات المقسّمة إلى أربع مراحل والبالغة مليون و140 ألف دولار وكلفة الإشراف والبالغة أيضاً مليون و140 ألف دولار، ويضاف إلى هذه التكاليف مبلغ 268 ألفاً و200 دولار لتسديد الضريبة على القيمة المضافة». وقد جرى تقدير الكلفتين الأخيرتين بناء على «احتساب الكلفة التقديرية لإنشاء المسلخ الحديث»، التي على أساسها «يجري احتساب نسبة 3%».
مليونان و950 ألف دولار هي قيمة الدراسات. أما كيف جرى تقدير ذلك؟ فهنا «المفاجأة»، يقول أحد المتابعين للملف. وهذه المفاجأة تتأتى من تقدير شركة شهاب كلفة إنشاء المسلخ بـ38 مليوناً و87 ألفاً و500 دولار أميركي.
وبحسب جدول «الأسعار» الذي وضعته الشركة، تضع «كلفة ترميم وإعادة تأهيل مبنى الإدارة والبالغة مساحته 675 م2، 337 ألفاً و500 دولار، يضاف إليها 10 ملايين و800 ألف كلفة إنشاء طابق أرضي للهنغار (…) و20 مليوناً و250 ألف دولار كلفة الطابق العلوي (…)، إضافة إلى 3 ملايين و250 ألفاً كلفة استحداث طابق سفلي لمواقف السيارات ومليونين و750 ألفاً كلفة استحداث طابق أرضي حظائر للحيوانات وتوابعها و700 ألف دولار مناظر طبيعية».
38 مليون دولار هي الكلفة التقديرية. والكلمة الأخيرة تعني «أن الأمور ستشطح ولن ينتهي الأمر قبل الوصول إلى خمسين مليوناً»، يقول المتابع. ينتقد هذا الأخير كيف يمكن أن «تصل التقديرات إلى هنا». مع ذلك، يجد الرجل مبرّراً لهذه الكلفة وهو استكمال «التنفيعات التي بدأت مع شراء الأراضي وانسحبت إلى هنا». أما كيف؟ يفند الأخير هذا الأمر خطوة خطوة، فيبدأ بالخطوة الأولى التي تتعلق بعقد «الاتفاق بالتراضي من دون إجراء مناقصة شفافة». هنا، بيت القصيد، فهذه المناقصة بالذات «تخالف القانون كونها لا تستوفي شروط الاتفاق بالتراضي الذي ينص على أن يكون صاحب عقد الاتفاق بالتراضي هو وحده من يملك الاختصاص للقيام بهذا الأمر». باختصار «ما في غيرو بيقدر يعمل هيدا الشي». في حالة المسلخ «فثمة شركات كثيرة تملك القدرة والإمكانية لعمل هذه الدراسات وليست شركة خالد شهاب هي حبل الخلاص، ولكن يتعلق بالأمر بخط سياسي». هذا أولاً، أما ثانياً، فقد باتت عقود الاتفاقات بالتراضي تسري في بلدية بيروت عن «بو طرف وجنب، وهناك حوالى 5 اتفاقات بالتراضي مخالفة للقانون ولكنها لزمت على طريقة جهاد العرب ستايل». ويسأل المتابع «ماذا يعني مثلاً أن نعقد اتفاقاً بالتراضي من أجل غاردن حرش بيروت التي تكلف دراستها لوحدها 700 ألف دولار كانت 900 ألف دولار قبل اعتراض بعض الأعضاء؟ وماذا يعني أن تكلف دراسة أخرى 900 ألف هي في الأساس لا تكلف أكثر من 100 ألف بحسب الخبراء؟».
هذا في المقام الأول من المخالفات. أما الأمر الثاني، فيتعلق بكلفة إنشاء المسلخ، فماذا يعني أن يكون صاحب المصلحة هو الاستشاري وهو الذي يقدّر الكلفة؟ في المبدأ، وبحسب المتابع «هذا الأمر يعد مخالفاً، إذ يفترض بإدارة البلدية تقدير هذه الكلفة»، ولكنها «للأسف ليست كفوءة، خصوصاً أن كل ما تستطيع تقديره هو كلفة إنشاء باركينغ». أما المخالفة الثالثة فهي في الإشراف على عمل الدراسات من قبل شركات مستقلة تراجع وتراقب الاستشاريين «وهو ما لم يحدث في هذه الدراسات وأصلاً ما بدهن ياه».