ما تزال مشكلة “تبيّض” bleaching الشعاب المرجانية تؤرق العلماء، وتطرح الكثير من الأسئلة حيال تغير المناخ وظاهرة الاحترار العالمي، وتتوالى الدراسات تباعا في محاولة لفهم آلية التبيض ومعرفة السبل الآيلة للحفاظ على ما بقي من هذه الشعاب في العالم، وسيما منها بشكل خاص “الحيد المرجاني العظيم في أستراليا” Great Barrier Reef in Australia، ويقع بالقرب من ولاية كوينزلاند بشمال أستراليا ويمتد لمسافة 2300 كيلومتر، وقد اكتشفه جيمس كوك عام 1770.
وتبدو المخاطر أكبر مما توقع العلماء، ففي العام 2012 كشفت الـ “بي بي سي” في تقرير مصور عن أن أكثر من نصف الحاجز المرجاني العظيم في استراليا قد اختفى خلال ربع القرن الماضي، ويقول العلماء إن هذا التلف يرجع لعدة عوامل منها الأعاصير المتتالية وارتفاع نسبة الحموضة في مياه البحر، فضلا عن أسباب وعوامل عدة، يبقى أهمها ارتفاع درجة حرارة المياه.
مجهر خاص وكاميرا رقمية
أما الجديد في هذا المجال، ما أعلنت عنه “جامعة كوينزلاند للتكنولوجيا” Queensland University of Technology في أستراليا، بعد أن التقط باحثون أستراليون شريط فيديو يرصد – وبدقة عاليه – للمرة الأولى ظاهرة تبيض الشعاب المرجانية، ويُظهر الفيديو كيف تنفض الشعاب عنها الطحالب وتحولها إلى اللون الأبيض. وتطورت الشعاب المرجانية والطحالب التي تعيش عليها لتشكل علاقة مفيدة للشعاب والطحالب في آن، وإذا لم تعد الطحالب لتستعمر الشعاب سريعا بعد تطور هذه الظاهرة (التبيض) والتي حدثت غالبا نتيجة ارتفاع درجة حرارة البحر، يمكن للشعاب أن تموت.
ونجح باحثون من “جامعة كوينزلاند للتكنولوجيا” في الحصول على لقطات دقيقة باستخدام مجهر خاص وكاميرا رقمية و”تابلت”، ووضع الباحثون الشعاب المرجانية من نوع Heliofungia actiniformis داخل حوض سعة عشرة ليترات، ومن ثم قاموا بتسخين المياه، وتبين أن الشعاب تستخدم نوعا من التضخم النابض لإزالة الطحالب وطردها.
وفي هذا المجال، تقول بريت لويس Brett Lewis من كلية العلوم والهندسة جامعة “كوينزلاند” إن “المثير للاهتمام حقا هو قدرة الشعاب على التخلص بسرعة وعنف من الطحالب التي تعيش عليها”، وأضافت “بدأت الشعاب طرد الطحالب خلال أول ساعتين من رفع درجة حرارة الماء”.
وأظهرت دراسات سابقة أن هذا النوع من الشعاب المرجانية يمثل حاجزا مرجانيا عظيما مقاوما نسبيا للتبييض، وذلك في مقارنة مع أنواع أخرى من الشعاب، لتضيف لويس “تشير ملاحظتنا إلى الطرد السريع للطحالب عند الإجهاد الحراري، وهو ما يتيح الفرصة للشعاب للبقاء عند ارتفاع درجة حرارة الماء بشكل غير طبيعي”.
صحة النظم الإيكولوجية للشعاب
ورفع الباحثون حرارة حوض المياة من 78.8 درجة فهرنهايت (26 درجة مئوية) إلى ما يقرب من 90 درجة فهرنهايت (32.22) خلال 12 ساعة، وتركت لمدة ثمانية أيام متتالية، وكشفت هذه الدراسة معلومات جديدة حول عملية تبييض الشعاب المرجانية. وأوضحت الدكتورة نوثدورفت Nothdurft من فريق العمل “استخدمت شعاب H. actiniformis التضخيم النابض لطرد الطحالب على مر الزمن، حيث تقوم بتضخيم أجسادها لما يصل إلى 340 بالمئة عن حجمها الطبيعي فجأة وبقوة، لإخراج الطحالب من فتحاتها في فترة تتراوح من 4 إلى 8 أيام من التجارب.
وتجدر الاشارة إلى أن السكريات الزائدة المتولدة من الطحالب تزيد معظم الاحتياجات الغذائية اليومية للشعاب المرجانية، ومع طرد الطحالب، فإنها تفقد الصبغة وتتحول إلى اللون الأبيض أو الشفاف، وبإمكان بعضها العودة إلى وضعها الطبيعي واستعادة الطحالب ولونها في الظروف الطبيعية.
وتابعت نوثدورفت “إذا أزيلت الطحالب من الشعاب المضيفة ولم يتم استعمارها بسرعة يمكن للشعب أن تموت، ويعد تبيض الشعاب المرجانية مصدرا للقلق للعلماء على مستوى العالم، مع أحداث التبيض الأخيرة على الحاجز المرجاني العظيم والتي سلطت الضوء على تهديد درجات حرارة المياة المرتفعة لصحة النظم الإيكولوجية للشعاب”.