بعد أن تجاهلت الجهات المعنية مطالبهم وحقهم في بيئة سليمة بعيدا من أسباب التلوث، وما ينجم عنها من أضرار، وبعد العديد من المناشدات، أعلن أهالي بلدة القرعون في البقاع الغربي خطوات تصعيدية، تمثلت في ردم القناة التي تزود المزارعين بمياه الري بسبب تلوثها وانتشار الروائح الكريهة المسببة للامراض. ‎وقام المئات من أبناء البلدة بمؤازرة إحدى الجرافات بردم جزء من القناة بالأتربة والصخور والاسمنت، مطالبين الدولة بضرورة التحرك السريع لمعالجة هذه المشكلة التي اجبرت اهالي البلدة في المدة الاخيرة على ملازمة بيوتهم وسببت انتشار الاوبئة والامراض الجرثومية، خصوصا عند الاطفال، كما لوحظ ارتفاع معدل الاصابة بالامراض السرطانية.

ونجح الأهالي في منع تدفق المياه الملوثة بين بيوتهم وأراضيهم، إلا أن المشكلة ستظل قائمة في هذه المنطقة، مع ما يترتب على سد مجرى المياه أو القناة من نتائج، الأمر الذي من شأنه أن يطرح على نطاق أوسع كارثة تلوث الليطاني أبعد من منطقة بعينها، أي أن مشكلة النهر الآن قائمة من المنبع إلى المصب.

لجنة متابعة

 

وقد شكل الأهالي لجنة متابعة، وتحدث باسمها الشيخ منير رقية وتضم فاعليات القرعون، بدايةً، استأذن رقية greenarea.info طالبا وضع الهاتف على وضعية الصوت العالي، إذ كان في اجتماع للجنة المتابعة، ليكون حوارنا جزءا من النقاش حيال هذه الأزمة، وقال بداية “المياه عندنا ملوثة، وما يظهر تلوثها بالنسبة إلينا حسيا لونها الأسود ورائحتها القاتلة”، وأشار إلى أن “هذه المياه تمر لمسافة أربعة كيلومترات بين البيوت، وهذه المنطقة لا توجد فيها أراض صالحة للزراعة، وهي بمثابة معبر فقط لهذه المياه، وبعد الكيلومترات الأربعة تبدأ المياه المروية، هذه المياه، ومن خلال التحليلات المخبرية المختلفة يتفاوت الحكم عليها لجهة نسب تلوثها ونوع التلوث بين كيميائي وبكتيري، لكن التلوث البكتيري ثابت، البعض يقول أن المياه تصلح للزراعة، ولكن هذا الموضوع لا نريد مناقشته”.

عندها تدخل أحد المهندسين قائلا “انها تصلح لبعض الزراعات”.

وأضاف: “هذه المياه غير صالحة لتمر بين البيوت، لان المواطنين بدأوا يواجهون أمراضا جديدة لم تكن موجودة من قبل، وهناك زيادة في أمراض السرطان عندنا في القرعون، وهي الأعلى في لبنان، لذلك نحن في خطر يتهدد صحة أولادنا ويؤثر على حياتهم، وقلنا لمصلحة الليطاني بأنه لا يحق لك تمرير مياه ملوثة مؤذية لصحتنا بين بيوتنا، فلتمررها من مكان آخر، أو بناء سقف فوق المجرى بما يبعد الأذى عنا، أو تمريرها عبر قساطل خاصة، أو وضع فلتر لتنقية المياه، وقدمنا هذه المقترحات وأعطينا أكثر من مهلة لمصلحة الليطاني والمهلة الثانية كانت لعشرة أيام، والآن أعطيناها مهلة ثالثة، وحتى الآن لم تظهر أي حل، أو فكرة حل حتى الآن، لذلك لم يعد أمام الأهالي أطفالا ونساء الا التحرك كما شاهدتم وتابعتم وإقفال المجرى بالطوب والحجارة”.

متنفس للناس ومنتزه

 

وردا على سؤال حول ما إذا كان إقفال المجرى يحل المشكلة، قال رقية: “الآن بعد أربع وعشرين ساعة على إقفال المجرى اختفت الروائح، وأهالي الأحياة القريبة قالوا أنهم تمكنوا من النوم ليلة أمس، وتمكنا من فتح الشبابيك، لا بل تمكن الأهالي من السير قرب المجرى، لأن هذه المنطقة تعتبر متنفسا للناس ومنتزها، ومئات المواطنين كانوا يتنزهون هناك لأن هذه المنطقة تعتبر سياحية، والآن عادت الحياة إلى طبيعتها تقريبا، ومن ثم سنقوم بتنظيف الترسبات الموجودة داخل القناة كي لا يبقى ثمة أي أثر للمياه الملوثة”.

وعند بحيرة القرعون، قال: “نحن نتأذى منها، لكن ضررها بعيد نسبيا إذ تبعد عنا نحو خمسة كيلومترات، لكن القناة تمر وسط البلدة التي تضم إلى المنازل مؤسسات تربوية وصحية ودينية ورياضية وشبابية وكشفية وأسواق، وهناك حوالي 300 عائلة تعيش قرب مجرى هذه القناة”.

وعن خطوات التصعيد اللاحقة، قال رقية: “طالما أن المياه متوقفة الآن نعتبر أن قطار الحل انطلق، والآن على مصلحة الليطاني أن تقدم لنا إجابات حيال البدائل الموجودة لديها”.

الدكتور محمد الحموي أشار إلى أن “الدراسات التي أنجزت والتي قامت بها بلدية القرعون مشكورة، تثبت ومن أي شك أن المياه ملوثة بشكل كبير جدا جراء الصرف الصحي”، وقال انه “بدلا من تزويد المزارعين بمياه لري مزروعاتهم، فإنه يتم تزويدهم بمياه ملوثة”، وعرض لبعض حالات التسمم الغذائي الناجمة عن تناول الخضار”.

دراسة طبية احصائية

 

تجدر الإشارة إلى أن ثمة ترابطا كبيرا بين التلوث المائي والزراعي، وبين الارتفاع في الاصابات بالامراض السرطانية في البقاع، وهذا ما أظهرته دراسة طبية احصائية جديدة اعلن عنها في وقت سابق رئيس “الهيئة الصحية الوطنية” الدكتور اسماعيل سكرية، الذي اكد وجود علاقة قوية تجمع مناطق حوض الليطاني مع الاصابة بالامراض السرطانية التي وجدت ارقامها مرتفعة بشكل مضاعف مرات ومرات وخصوصا في المناطق الاقرب الى هذا الحوض.

وقد اتت نتائج الدراسة، بحسب “السفير” اللبنانية في ختام استطلاع ميداني قام به متطوعو الهيئة بالتعاون مع الهندسة البيئية وقسم الامراض السرطانية في الجامعة الاميركية وكلية الصحة في الجامعة اللبنانية، فرع البقاع.

الدراسة اختارت بلدتي القرعون التي تقع في نهاية مصب نهر الليطاني الملوث، كحالة استطلاع، وحوش الرافقة في البقاع الشمالي التي تقع على منتصف طريق هذا النهر باتجاه مصبه، مع اجراء مقارنة اخرى قياسا الى الارقام في السنوات الماضية حول عدد المصابين بالامراض السرطانية.

واظهرت النتائج وجود ارقام مرتفعة ومضاعفة في عدد الاصابات بالامراض السرطانية مقارنة مع نسب وارقام احصائية صادرة في العام 2012 دلت آنذاك على وجود 9059 حالة مصابة بالامراض السرطانية وما نسبته 2,25 بالالف، أما اليوم فقد وجدت 20723 حالة تعد قيد المتابعة والعلاج وبما نسبته 5,18 بالالف.

في القرعون، جرى استطلاع 3056 حالة تبين وجود 92 حالة سرطانية خلال السنوات الاربع الماضية، 20 حالة منهم قضت ولا تزال 72 حالة قيد العلاج والمتابعة، ما نسبته 23,5 بالالف، اي ما يزيد 4,5 اضعاف عن الدراسة السابقة.

في حوش الرافقة، جرى استطلاع 2413 حالة تبين وجود 44 اصابة سرطانية فيها، قضى منهم 15 حالة في حين لا تزال 29 حالة تتلقى المتابعة والعلاج بما نسبته 12 بالالف اي بزيادة تصل الى 2,5 اضعاف.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This