لحظات من الخوف والقلق عاشها أهالي بلدة السكسكية في قضاء الزهراني (جنوب لبنان)، وامتدت إلى القرى والبلدات المجاورة، بعد العثور صباحا على براميل حديدية تحتوي موادا كيميائية لم يعرف نوعها وطبيعتها ومدى سميتها ومخاطرها، لكنها كانت كفيلة باستحضار الأسئلة والهواجس، إذ أعادت إلى الذاكرة فضيحة البراميل التي تحوي موادا خطيرة في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي.

وفي المعلومات الأولية، فقد عثر في “حي الشميس” في “منطقة المرج” في بلدة السكسكية على حوالي عشرة براميل حديدية مرمية داخل بورة تعود للمواطن حسن هاشم، وتبين من خلال اللاصق الموجود على البراميل انها تحتوي على مواد كيميائية منتهية الصلاحية دون معرفة طبيعة هذه المواد ووجهة استخدامها.

ومن جهة ثانية، لا نعرف إلى ماذا استندت بلدية السكسكية حين أصدرت بيانا أشارت فيه إلى أن “لا مواد كيمائية في البراميل الموجودة في خراج البلدة”، أو أنها أرادت عدم

إشاعة الخوف لدى المواطنين، علما أن ما توافر لموقعنا greenarea.info من معلومات جميعها تؤكد أن البراميل تحتوي موادا سامة وخطيرة وسريعة الاشتعال، وهذا ما كان يقتضي مواجهة واقع الحال بخطوات علمية للتخلص منها وفق معايير تراعي السلامة العامة والبيئية.

فتح تحقيق

وتبين من خلال احد البراميل الذي سالت منه المواد على الارض، ان رائحتها كريهة جدا، وان بلد المنشأ يعود الى الجمهورية العربية المصرية فضلا عن أن براميل أخرى مصدرها ايطاليا.

وأفاد صاحب الارض ان عناصر من مخابرات الجيش اللبناني حضرت الى المكان فور شيوع الخبر، وعاينت البراميل، وفتحت تحقيقا لمعرفة من قام بإلقائها والغاية منها.

وبانتظار خبير مختص للكشف على هذه المواد ونقلها، قامت بلدية السكسكية لحظة تبلغها بالامر بإرسال عناصر من شرطتها ووفدا من اعضائها لمعاينة المكان وتسطير محضر بالحادث.

هذا الخبر الذي تناولته وسائل الاعلام لتعود وتنفيه بخبر ثان عن لسان رئيس بلدية السكسية علي عباس مفاده بأن البراميل وبعد الكشف عليها تبين انها تحتوي على مواد لاصقة، ولفت عباس إلى ان “هذه البراميل تعود لمواطن جمعها بهدف الاستفادة من خردة حديد البراميل بعد افراغها من المحتوى، وانه لا توجد اي مواد سامة او كيمائية مثلما استنتج بعض وسائل الاعلام قبل صدور النتيجة ما أثار بلبلة في البلدة”.

البراميل تعود لمعمل أحذية قديم

بعد محاولات عدة للاتصال برئيس البلدية كانت تؤجل لاجتماعه بالقوى الامنية على اثر هذه الحادثة، تمكنا من الحديث مع رئيس البلدية، أوضح لـ greenarea.info بأنه “على اثر الابلاغ عن هذه البراميل تحركنا كبلدية ولجنة بيئة مع القوى الامنية وقسم الاستقصاء، وتم استدعاء خبير كيميائي من عائلة “رحيل” كشف على محتوى البراميل، فتبين ان اربعة منها فارغة والباقية تحتوي مادة Patex اللاصقة، وبعد التحقيقات علمنا ان هذه البراميل تم وضعها من قبل متعهد ورش بناء للاستفادة منها كخردة او لملئها بالماء خلال ورشة البناء”.

وأشار عباس إلى أن “البراميل تعود لمعمل أحذية قديم كان في البلدة وتم اغلاقه قبل اثني عشر عاما، ونفى ان “يكون محتواها موادا كيميائية”، واضاف ان “التحقيق اغلق بناء على هذه المعطيات وسنصدر بيانا بعد قليل”.

جمعية شعاع البيئة في الصرفند

وتواصلنا مع “جمعية شعاع البيئة” في الصرفند المجاورة، خصوصا وأنها تعنى بملف النفايات الصلبة، وتوجه بعض أعضائها الى مكان وجود البراميل، وقاموا بمعاينتها والتقاط صور للبراميل ومحتوياتها، وزودنا أجد أعضائها بتسجيل صوتي مع أحد العمال وبرقم هاتف متعهد البناء، وكذلك توجهت نحو معمل الاحذية المذكور، وأمنت لنا التواصل مع صاحب المعمل المقفل.

متعهد البناء حسين سلمان أوضح لـ greenarea.info انه “منذ حوالي يومين لاحظنا وجود هذه البراميل في مكان الورشة وظنا منا انها لصاحب العقار لم نشغل بالنا

بالامر، الى ان حضر صاحب العقار واستفسر مني اذا كانت هذه البراميل تعود لي، فتبين حينها الالتباس الحاصل وقد صودف وجود تحرٍ من قوى الامن الداخلي، ويدعى ع. ع. قام بتصويرها والاتصال بالجهات الامنية، وقد علمنا بعد التحقيقات ان الشخص الذي قام برميها أحضرها من معمل الاحذية وتبين انها تحتوي موادا لاصقة”.

صاحب المعمل خليل عواضة اوضح لـ greenarea.info ان هذه البراميل تعود له ومحتواها هو مادة الـ “بولي ريتان” Polyurethane من فصيلة الاسفنج، وقد تم اتلافهما بسبب انتهاء مدة صلاحيتهم ونحن نقوم بعملية تفريغ للمعمل المغلق، اوضح عواضة انه يأسف “للاستهتار والاهمال الذي قام به احد العمال برمي هذه البراميل في منطقة سكنية، عوضا عن ايصالها الى المكان المخصص لرمي النفايات”.

د. قديح: مادة خطيرة وسامة

أما الخبير البيئي في مجال علوم الكيمياء والسموم الدكتور ناجي قديح، فقال بالاستناد إلى الصور التي زودناه بها عن البراميل وبعض محتوياتها: “حسب الصور، فإن اللاصق الموجود على احد البراميل ويمكن قراءته كتبت عليه عبارة (تتراكلور إيتيلين) Tetrachloroethylene 1997، وهو مذيب عضوي Solvent يدخل في العديد من الصناعات الكيميائية، وضمنا صناعة الـ (بوليريتان) Polyurethanes، والـ tetrachloroethylene هو مادة خطيرة وسامة (وهناك معطيات تدل على نشاطها المسرطن المحتمل)، وهي سريعة الإشتعال وسريعة التبخر أيضا”.

وأشار قديح إلى أن “المذيب العضوي الـ (كلور ايتيلين) هو مادة سائلة، وإذا ما تعرض للحرق يطلق في الفضاء غازات عالية السمية ومنها الديوكسين…”.

وقال: “أما البودرة والمادة الصلبة الظاهرة في إحدى الصور، وهي بأصلها بلورية وقد أتلفت بمرور الزمن، يمكن أن تكون المادة الأولية لصناعة البولي اوريتان أي الأوريتان Urethane، حيث يصنع منها مادة الـ (بوليريتان) polyurethane التي يصنّع منها الإسفنج أو “الفوم” ومواد أخرى واسعة الاستعمال في الصناعة وكذلك في صناعة الاحذية”.

وأردف قديح: “يصنع البولي أوريتان من مواد أولية الأوريثان urethane، ويستعمل رباعي كلور الإيثان Tetrachloroethan كمذيب عضوي، ويضاف الى بعض المضافات الأخرى، ويتم ضخ الهواء أو ثاني أوكسيد الكربون لنفخ المنتج للحصول على اسفنج البولياوريثان، وكذلك “الفوم”.

وأضاف: “ان موضوعا من هذا النوع وبهذه الأهمية يتطلب اختصاصا دقيقا جدا جدا، أي أنه لا يمكن لأي كان ان يتناوله، ولا يمكن لأي كان شاهد أو عاين البراميل ومحتوياتها أن يقيِّم خطورتها، إلا إذا كان صاحب اختصاص وخبرة. إن موضوعا بهذه الأهمية يجب أن يحظى باهتمام المسؤولين على كل المستويات.

وعن خطورة رمي مثل هذه المواد في الطبيعة، قال قديح: “هذا المواد لا ترمى بهذه الطريقة، ورميها بشكل عشوائي يؤدي إلى مخاطر حقيقية على البيئة والصحة العامة والسلامة العامة. وهذه المواد إن تعرضت للنار يمكن أن تؤدي لحدوث انفجار وحريق كبير، وتطلق في الفضاء لائحة طويلة من الغازات الملوثة عالية السمية. وهذه مواد كلورية عضوية، أي تحتوي على الكلور، وجميع الغازات المنبعثة عن احتراقها تؤثر على البيئة والصحة”.

وختم قديح: “هناك أيضا بعض المواد التي تستعمل كمضيفات مستوردة من مصر، ولكنها منتهية الصلاحية منذ زمن طويل، ولم نتمكن من قراءة إسمها لمعرفتها بدقة والتعليق على مكوناتها وما تشكله من خطر سمي على البيئة والصحة”.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This