تزداد مخاطر التغير المناخي والاحتباس الحراري، وتصل الى مرحلة تهدد يوماً بعد يوم الحياة على الكوكب الأزرق، فبالإضافة الى ارتفاع درجات الحرارة بشكل غير مسبوق في دول عدة، استنزف البشر موارد الارض بشكل بات مصير الإنسان مجهولا وكذلك كل مظاهر الحياة.
فقد أكد “الصندوق العالمي للطبيعة” World Wildlife Fund أن البشر استنزفوا مع بداية العام الحالي 2016 نسبة 100 بالمئة من الموارد المتجددة التي توفّرها الأرض لمدة عام”، في حين أشارت توقعات العلماء مؤخرا الى ان “خطورة الاحتباس الحراري اقتربت من كوكبنا أكثر فأكثر، مع تسجيل زيادة قياسية في درجات الحرارة قدرها 2.3 درجة فهرنهايت عن المعدلات الوسطية للسنين الماضية”.
في هذا السياق، شدد غافين شميت، عالم المناخ ومدير “معهد جودارد لدراسات الفضاء” Goddard Institute for Space Studies التابع لوكالة الفضاء الأميركية ناسا NASA على انه “لا يمكن إيقاف ظاهرة الاحتباس الحراري حتى لو انخفضت انبعاثات الكربون إلى الصفر”، مشيراً الى ان “علامات تغير المناخ يمكن أن تدوم لقرون عدة حتى لو توقفت انبعاثات الكربون، الأمر الذي لن يحصل، وكل ما يمكن فعله في الوقت الحالي هو محاولة إبطاء هذا التغير”.
وذكر الباحثون في دراسة نشرت مؤخراً أن “انبعاثات الكربون هي أوخم ما خلّفته البشرية من آثار على الطبيعة، وهي تمثل أكثر من نصف البصمة البيئية السلبية للبشرية. وتكاليف هذا الإسراف في الاستهلاك والإنفاق البيئي تصبح أكثر وضوحاً يوماً بعد يو،م وفي أشكال عدة كإزالة الغابات والجفاف وندرة المياه وتآكل التربة، وفقدان التنوع البيولوجي وتراكم ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي”.
كما أشار الباحثون إلى أن مجموعة من الدول تجاوزت فيها انبعاثات الغازات المؤشر المتوسط للبصمة البيئية.
تجدر الإشارة إلى أن “البصمة البيئية” Global Footprint Network المعرفة اختصارا بـ GFN، هي مساحة الأرض والماء التي يحتاجها السكان لتوليد الموارد المتجددة التي يستهلكونها، واستيعاب النفايات التي يتم إنتاجها بالمقابل، أي أن هذا المصطلح يقيس “كمية الطبيعة” التي نستخدمها بالمقارنة مع “كمية الطبيعة” الموجودة في الواقع.
استنزاف الموارد
في سياق متصل، استغلت الإنسانية، حسب بعض المختصين في البيئة “الخدمات الطبيعية لبناء المدن والطرق، وتوفير الغذاء وصناعة المنتجات، وامتصاص ثاني أوكسيد الكربون الناتج عن أنشطتها بمعدل يقع ضمن حدود قدرة الطبيعة على تجديد مواردها”.
وفي بداية السبعينيات من القرن الماضي تجاوزت البشرية لأول مرة العتبة الحرجة، وبدأ طلبها على الموارد يفوق قدرة الطبيعة على تجديدها، وهو ما يعرف باسم “تجاوز الحد” أو “الدَين البيئي” أو “عجز الأرض”. وذكر الخبراء أن “البشر – إذا ما سارت الأمور على هذه الوتيرة – سيحتاجون مع حلول عام 2030 إلى كوكبين اثنين للتزود بالموارد الطبيعية التي يحتاجونها”.
نتيجة لهذه العوامل الآنف ذكرها، تساءل العلماء: “فضلاً عن القفزات الهائلة في مجال الطاقة المتجددة وتكنولوجيا احتجاز الكربون، ماذا يمكن ان يحدث لكوكب الارض خلال المئة سنة المقبلة؟”.
ذوبان للجليد وتدمير للشعاب المرجانية
الجواب الاول، بحسب الخبراء كان “أن متوسط درجة حرارة سطح الأرض لا يعبّر وحده بالكامل عن تغير المناخ، حيث يمكن أن تتأرجح أو تتغير درجة حرارة منطقة معينة وترتفع فوق الحدود الطبيعية ارتفاعا كبيرا”.
وعلى سبيل المثال، ذكر العلماء ارتفاع درجات الحرارة في دائرة القطب الشمالي فوق حدود التجمّد لمدة يوم كامل في الشتاء الماضي، الامر الذي جعل المنطقة القطبية الشمالية في حر شديد، وأكدوا ان هذا الامر سيتكرر مراراً في أحيان عديدة.
استطراداً، اشار العلماء الى انه خلال سنوات من الآن “سيكون تشكل الجليد في أدنى معدلاته على الإطلاق، ما يعني أن الصيف في منطقة غرينلاند قد يصبح خاليا من الجليد بحلول عام 2050”.
وفي حين اعتبروا انه لا يمكن المقارنة بين عامي 2015 و 2012 عندما ذاب 97 بالمئة من الغطاء الجليدي في غرينلاند خلال الصيف، اكدوا ان هذا الامر عادة ما يحصل مرة واحدة في القرن، الا انهم توقعوا ان نشهد مثل هذا النوع من التغيرات كل 6 سنوات بحلول نهاية هذا القرن!
ومن ناحية أخرى، سيبقى الجليد مستقرا نسبيا في القطب الجنوبي الأمر الذي يسهم في الإبقاء على حد أدنى لارتفاع مستوى سطح البحر.
من الجليد الى المحيطات، التي توقع العلماء ارتفاع مستوى سطحها بحوالي 2 إلى 3 أقدام في عام 2100.
كما اشاروا الى انه “ستكون في المحيطات في كلا القطبين نسبة قليلة من الجليد، ولكن مياهها ستستمر بالتحمض في المناطق المدارية حيث تمتص المحيطات نحو ثلث ثاني أوكسيد الكربون الموجود في الغلاف الجوي، ما يجعلها أكثر دفئا، وبحيث تصبح أكثر حمضية بفعل اغتنائها بحمض الكربونيك H2CO3”.
وإن استمر التغير المناخي دون هوادة فيمكن أن تدمر الشعاب المرجانية، حيث يعتبر نصف هذه الشعاب في المناطق الاستوائية مهددا منذ الآن.
موجات الحر الى ازدياد
في حين ذكر شميت ان درجات الحرارة الى ارتفاع حتى لو قمنا بالحد من انبعاثات الكربون، اشارت الدراسة الى ان فصل الصيف يمكن أن يزيد من أيام الحر الشديد في المناطق المدارية بعد عام 2050، وستبقى درجات الحرارة في المناطق الاستوائية في حدودها الطبيعية طوال فصل الصيف، كما يمكن أن ترتفع الحرارة بنسبة 30 بالمئة في المناطق المعتدلة.
وتشير موجات الحر الشديد والجفاف بين عامي 2015-2016 إلى أن الكوارث الطبيعية يمكن أن تمتد على نطاق واسع، كما ستشتد العواصف وتزداد حرائق الغابات وموجات الحر ابتداء من عام 2070.
في دراسة أخرى، حذر خبراء المناخ من أن ارتفاع درجات الحرارة في منطقة الشرق الأوسط هذا الصيف يشير إلى ما هو أسوأ من ذلك في المستقبل. وتوقع مسؤولو الأمم المتحدة وعلماء المناخ أن سكان المنطقة الآخذين في الازدياد سيواجهون خطر ارتفاع درجات الحرارة لدرجة تهدد حياة الإنسان، وكذلك ندرة المياه وغيرها من عواقب الاحتباس الحراري.
وقال عادل عبد اللطيف، أحد كبار المستشارين في المكتب الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية، والذي يعمل على دراسة تأثير التغييرات المناخية على الشرق الأوسط: “إذا حدث ذلك، فإن الصراعات وأزمات اللاجئين ستكون أكبر بكثير من الوضع الحالي. ويعد تغير المناخ واحدا من أكبر التحديات التي تواجه المنطقة في الوقت الراهن”.
وتوقع باحثون في “معهد ماكس بلانك للكيمياء” Max Planck Institute for Chemistry ومعهد قبرص في نيقوسيا، مصيرا مظلما يهدد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتعتبر هذه المنطقة شاسعة وموطنا لنحو نصف مليار شخص.
في سياق آخر، قالت المختصة بقضايا المياه في الشرق الأوسط الخبيرة فرانشيسكا دو شاتيل أن “الحكومات في المنطقة غير قادرة على التعامل مع النمو السكاني الكبير والتغيرات المناخية، حيث فشلوا في معالجة هذه المشاكل لسنوات على الرغم من تحذير خبراء المناخ ووكالات الأمم المتحدة”.
وتتوقع الأمم المتحدة أن عدد سكان 22 دولة عربية مجتمعة سيرتفع من 400 مليون إلى ما يقارب 600 مليون نسمة بحلول عام 2050، وهذا الأمر سيكلف البلدان خسائر كبيرة في ظل توقع علماء المناخ أن معدل الأمطار سينخفض، وكذلك ملوحة المياه الجوفية جراء ارتفاع منسوب مياه البحر.
وأشار العلماء إلى أن الممارسات البشرية أثرت في تغير المناخ، ومن المتوقع حلول فصول صيف حارة وخطيرة في الأماكن القريبة من المياه الدافئة في الخليج، بحيث يمكن للحرارة أن تطغى على قدرة الجسم البشري في التغلب عليها من خلال التعرق والتهوئة.
ومع استمرار ارتفاع درجة الحرارة والرطوبة في آن واحد لأوقات طويلة، فإن ذلك سيسبب ظروفا غير قابلة للحياة، وتحديدا لدى الأطفال والمرضى وكبار السن والعجزة، فيما يخشى بأن تصبح درجات الحرارة العالية لا تطاق حتى لدى البشر الذين يتمتعون بأفضل الحالات الصحية.