فيما يواجه الكوكب محدودية الموارد مع ازدياد عدد السكان بنسبٍ تفوق ما تختزنه الطبيعة من ثروات، وسط توقعات بأن يصل عدد سكان العالم إلى عشرة مليارات نسمة في العام 2050، تتجه الأنظار نحو “عقلنة” الإنتاج وتبني نظريات حديثة تُوائِمَ بين الاقتصاد والاستدامة، فإلى “الاقتصاد الأخضر” كنموذج جديد من نماذج التنمية الاقتصادية، إلى “الاقتصاد الأزرق” بعناوينه الهادفة إلى الحد من الفقر والإدارة المستدامة للموارد المائية، بدأ يترسخ “الإقتصاد الدائري” كنهج حياة صديق للبيئة.
يمثل “الإقتصاد الدائري” Circular Economy نظاما بيئيا متسماً بعناصر تساعد في تكريس وتعزيز “الابتكارات الخضراء” Green innovations، والأهم أن هذا النمط الإقتصادي يقوم على أساس واضح لجهة تعريف المخلفات على أنها موارد، أي أنه يعتمد على مبدأ الاستعادة وإعادة الاستخدام، وقد يظن كثيرون أن هذا المفهوم الحداثوي نشأ وتطور في غضون السنوات القليلة الماضية، لكنه ظهر في سبعينيات القرن الماضي، في سعي نحو إعادة بناء رأس المال، إن كان ماليا، تصنيعيا، بشريا، اجتماعيا أو طبيعيا، لتعزيز عوائد الموارد عبر تدوير المنتجات والمكونات والخامات المستخدمة، بما يضمن تعزيز التدفق المستمر للمواد التقنية والبيولوجية (السلع) والخدمات.
ويدنو “الإقتصاد الأخضر” من فلسفة تطرح الكثير من الأسئلة حيال ما تواجه البشرية من مخاطر وجودية، تضع مستقبل الحياة على الأرض أمام مجهولات كثيرة، والمسألة بهذا المعنى تتخطى إعادة الاستخدام وإعادة التدوير والحد من الإفراط في استخدام الموارد، وليس من قبيل الصدفة أن يعتبر الفيلسوف الأميركي رالف والدو إيميرسون Ralph Waldo Emerson، إبان الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر أن “الأشياء المادية تسود… وتقود البشرية”.
ويمثل “الإقتصاد الأخضر” نهجا واضحا حيال عملية الإنتاج يتبنى تغيير الغَرَض من استخدام المخلفات، وتالياً، تقليل الأثر البيئي الناجم عن استخدام المادة الخام، إلى أن تصبح النظم الدائرية هي السائدة، ودمجها في اقتصاديات دائرية، ويتطلع هذا النموذج إلى إطالة عمر المنتجات في مرحلة الاستخدام، من خلال الحفاظ على قيمتها، وإزالة المنتجات الثانوية الضارة، مثل المواد السامة، بهدف إيجاد حاضنة مثالية لشركات تتسم دائما بالابتكار في مجال العلوم والقوانين البيئية.
قد يبدو مفهوم “الإقتصاد الأخضر” غريبا على مجتمعاتنا، وإن بدأ يترسخ في حدود معينة دون الإيغال في مفاهيمه العميقة، من خلال تبني الاستدامة في بعض القطاعات، خصوصا وأن الضغط المتزايد على الموارد وزيادة النمو السكاني، والطلب المتزايد على الطاقة سيقودان حتما إلى قبول التحدي، وإن كان هذا الأمر يفترض تشريعات جديدة تلحظ تطوير الاستثمار في “الاقتصاد الدائري” وتوجيه نمط الاستهلاك إلى المنتجات المعاد تدويرها.