وبالتالي يُصبح من الخطر كبّ النفايات أو طمرها في أماكن سكّانية لأنها تكون سبباً في إنتشار الميكروبات والطفيليات. أضف إلى ذلك أنّ التعفّن يخلق الروائح الكريهة والأبخرة التي تُهيّج الحساسية والإلتهاب الرئوي كما وإصدار غازات سامّة مثل كبريتيد الهيدروجين والميثان وثاني أكسيد الكربون.
هناك أيضاً نتائج أخرى لتراكم النفايات وعلى رأسها ظهور عدد من الحيوانات التي تلعب دوراً أساساً في نقل الأمراض كالسالمونيلا، الذباب، البعوض، الجرذان والفئران.
لكنّ الأخطر يبقى في بعض الدراسات التي قامت منظمة الصحّة العالمية والتي أظهرت أنّ مكبات النفايات تخلق عيوباً وراثية بين الأطفال الذين ولدوا من أب وأم يعيشان على بعد ٣ كم من موقع المكبّ. ووفقاً للمُنظمة، فإنّ ٣ ملايين طفل في العالم يقضون سنوياً نتيجة مكبات النفايات.
بدأت الحكومة اللبنانية تنفيذ خطتها لمكبَّي برج حمّود والكوستا برافا، وتُظهر الوقائع أنّ الشركة المُشغّلة تعمد إلى طمر ما يزيد عن ٩٢٪ من مُجمل النفايات بعد أن تتمّ عملية الفرز الأوّلي التي تطال النفايات المعدنية والبلاستكية الظاهرة. وتقوم الشركة بكبّ النفايات ثمّ تعمد إلى طمرها بالتراب لتعاود الكرّة لينتج عن ذلك جبل من النفايات والتراب على شاطئ البحر.
خطة برج حمّود تنصّ على خلق منطقة في البحر قريبة من مكان جبل النفايات القديم وذلك من خلال خلق حاجز حجري في البحر لتعمد الشركة بعدها إلى إستخدام المنطقة لطمر النفايات والتراب بشكل يسمح بإستيعاب أكثر من عشرة ملايين طن من النفايات.
بالطبع التداعيات لن تتأخر بالظهور وعلى رأسها الروائح الكريهة التي تطال المنطقة على إمتداد كيلومترات (خط نار) من المكبّ. وبما أنّ إتجاه الرياح هو بالمُجمل جنوبي غربي، فإنّ مُحاكاة حسابية مبنية على نموذج حسابي (analytical Model) تُظهر أنّ الروائح والبكتيريا المُنتشرة في الهواء ستمّتد لتطال برج حمّود، الدورة، الدكوانة، جلّ الديب، الزلقا، وصولاً إلى رومية وبصاليم وحتى بيت مري (سيناريو تفاؤلي)!
هذا الأمر بالطبع ستكون له تداعيات صحّية وبيئية جمّة تمّ ذكرها أعلاه.
وبما أنّ التلوّث لن يقتصر على الإنتقال بالهواء، فإنّ الإحتكاك الجسدي الناتج عن النشاط الإقتصادي سيلعب دوراً في إنتقال البكتيريا والأمراض إلى مناطق لحدود الكيلومترات حول المكبّ: الدورة، المرفأ، الأشرفية، الباشورة، بدارو، سن الفيل، المكلس، وصولاً إلى الزلقا وجلّ الديب (سيناريو تفاؤلي)! وللتوصّل إلى هذا الإستنتاج، قمنا بمحاكاة حسابية تعتمد على نموذج Gaussian تخفُ قوته مع إزدياد المسافة.
التداعيات الإقتصادية…
التداعيات الإقتصادية لمكبّ برج حمّود (بإعتبار لا فرز) تطال الأشغال لتأهيل المكب، الطبابة للسكان الذين ستطالهم الأمراض، التعويضات الصحّية التي ستطال الأمراض المُستعصية والتشويه الخلقي، التعويضات للضرر لأصحاب العقارات المُحيطة بالمكب (على أساس ٤ كم)، التلوّث المائي، وغياب الفرص الإقتصادية.
تبلغ كلفة تأهيل مكب برج حمّود بحسب خطة الحكومة، ١٢٠ مليون دولار أميركي وتطال طمر منطقة في البحر ٥٧٠ الف متر مربع مُمتدّ من المرفأ إلى الـ City Mall. وهذه الأشغال تشمل خلق حاجز بحري وإفراغ المنطقة من المياه الموجودة بهدف طمر النفايات مكانها.
على صعيد تكاليف الطبابة، ونظراً إلى البيانات التاريخية لبعض المكبّات في العالم، فإنها تُقدّر بقيمة ٢٠٠ مليون دولار أميركي، وتشمل حساسية العيون، التهاب المسالك التنفسية، السعال، وضيق التنفس والربو والالتهاب الرئوي وذلك لأكثر من ٢٥٠ ألف شخص مُعرَّضين للمطمر بشكل مباشر. أما على المدى البعيد، فستكون هناك كلفة على الدولة وعلى شركات التأمين لتغطية أمراض القلب والأوعية الدموية، والسرطان، والعقم، والأمراض العصبية.
ويُعتبر الأطفال والمُسنّون الشريحة التي ستطالها الأمراض بالدرجة الأولى. وعلى صعيد التلوّث المائي، فإنّ النفايات ستخلق نوعاً من الإسهال الحاد وتفشّي البكتيريا والفيروسات في هذه المياه ما يعني أنّ المُشكلة أصبحت مُشكلة صحّة عامة.
لكنّ الأصعب في الأمر يبقى التشويه الخلقي (ضعف في القلب، ضعف في نموّ الأعضاء) إذ من المُتوقع أن تظهر في الأجيال القادمة مشكلات صحّية ناتجة عن النفايات وخصوصاً في منطقة قطرها ٣ كم من المكب! وتُقدّر كلفة الطبابة لهذه الأمراض إذا ما إعتبرنا نسبة الإصابة بـ ٥٠٪، ١٠٠ مليون دولار أميركي ناهيك عن التداعيات الاجتماعية على الأطفال.
أما في يخصّ التداعيات على الماكينة الإقتصادية، فيُقدر حجم غياب الفرص الإقتصادية بـ ٥٠٠ مليون دولار أميركي سنوياً ناتج بالدرجة الأولى عن إستحالة خلق مشاريع سياحية في منطقة المكب أو على مقربة منه.
وهذا يعني أنّ هذه المنطقة ستتحوّل إلى نوع من المناطق المنكوبة بكلّ ما للكلمة من معنى، إذ يكفي النظر إلى المكب لملاحظة غياب الطيور والأشجار نتيجة التلوّث وهذا أكبر دليل على فقدانها لقيمتها السياحية التي من المُفترض أن تتواجد لمنطقة على شاطئ البحر.
على الصعيد البيئي هناك كلفة التأهيل في المُستقبل بعد الإنتهاء من المكبّ، إذ إنّ التربة التي ستمتصّ السائل الآتي من النفايات ستسمح بتمرير هذا السائل إلى الطبقة الجوفية خصوصاً مع تساقط المطر وبالتالي فإنّ الكلفة المادية لمحو التلوّث ستكون عالية جداً.
في النهاية لا يسعنا القول إلّا أنّ الفرز يبقى الأساس في معالجة النفايات ومن دونه هناك مُشكلة كبيرة ستواجه لبنان خصوصاً مع ١.٧ مليون نازح سوري. أيضاً من المنطقي القول إنه يتوجّب على السلطات إختيار أماكن للطمر بعيدة من الأحياء السكانية نظراً للضرر الصحّي والبيئي كما والكلفة المالية العالية لتداعيات خيار طمر النفايات في أماكن مُكتظّة بالسكان.