يهدد التلوث البيئي الخطِر نهري الوزاني والحاصباني منذ عشرات السنين، فيما تأثيراته السلبية على الحياة العامة والنبات والثروة السمكية مستمرة، وهي تتجاوز المنطقة الحدودية من جنوب لبنان إلى شمال فلسطين المحتلة، كون الحاصباني يلتقي بنهر الوزاني، ليصبا معا في بحيرة طبريا التي يستغلها الكيان الصهيوني في مشاريعه السياحية والزراعية والصناعية.

من هنا، استحوذ الوضع البيئي في حوض الحاصباني على اهتمام كبير من بعض المؤسسات الدولية الممولة، وخصوصا وكالة التنمية الأميركية التي عملت منذ اكثر من ربع قرن وعبر مؤسساتميرسي كوروجمعية الشبان المسيحيةوجمعيات اجنبية اخرى متعددة الأسماء والأهداف، على إنجاز مشاريع بيئية، بينها محطات تكرير عند المسارب الطبيعية التي تنقل المياه المبتذلة وزيبار الزيتون من القرى القريبة والمحاذية لضفتي النهر إلى مجراه، هدفت لحماية مياه الوزاني والحاصباني وروافدهما من التلوث عبر بناء محطات تكرير، تجاوز عددها الـ 23 محطة، موزعة على جانبي النهرين وروافدهما، وبطول حوالي الـ 32 كلم، انطلاقا من بلدة مرج الزهور شمالا وحتى الوزاني جنوبا.

بدأ التوجه لرفع التلوث عن نهري الوزاني والحاصباني في السبعينيات من القرن الماضي، وتحديدا خلال فترة الإحتلال الإسرائيلي لما كان يسمى بـالشريط الحدودي، وذلك من قبل الإحتلال الإسرائيلي الذي كلف في تلك الفترة، وحسب تقارير جهات متابعة للوضع الحدودي، فريقا متخصصا أجرى دراسة مفصلة حول الوضع البيئي في حوض الحاصباني، شملت فحوصات مخبرية، وتحديد كميات المياه المبتذلة التي تصب في النهرين، وتأثيراتها السلبية على شمالي فلسطين، ان لجهة المياه الجوفية في خزان المياه الكبير عند الأقدام الغربية لجبل الشيخ، وإن لناحية البرك، واهمها بركة طبريا التي تتجمع مياهها من الأنهر والجداول اللبنانية، وبخاصة الحاصباني والوزاني وسريد.

وتشير هذه التقارير إلى ان دراسة الفريق الفني البيئي الإسرائيلي في تلك الفترة، حددت كميات المياه التي تصب في شمالي فلسطين، والمجاري التي تنقل المياه المبتذلة وزيبار الزيتون إلى مجرى الحاصباني انطلاقا من القرى المحيطة، وتبين ان حوالي 85 بالمئة من الزيبار والمياه المبتذلة تصب في شمالي فلسطين خصوصا مع طوفان النهر، ووضع التقرير جملة حلول واقتراحات للتخلص من هذه المشكلة، ومنها معالجة الزيبار والمياه المبتذلة في مصادرها وقبل وصولها إلى مجرى النهر، من خلال استحداث سدود وبرك لتجميعها وتجفيفها عبر اشعة الشمس، اضافة إلى اقامة محطات تكرير بتقنيات عالية تبقي المواد الفاسدة في اماكنها فيما تنساب المياه صافية إلى المجرى.

بعد ذلك بدأت الخطوة التالية، وهي تحريك هذا الموضوع عبر نشر تفاصيله في قرى حوض الحاصباني، تحت شعار حماية النهر من التلوث والحفاظ على الثروة السمكية والبساتين والمزروعات، فكانت حملة دعائية واسعة، سهلت التسويق لهذا المشروع الإيجابي، ليتبناه وبشكل سريع رؤساء البلديات والجهات المحلية المسؤولة في تلك الفترة.

أولى محطات تكرير المياه المبتذلة أنجزت عام 1999 في بلدة الوزاني الصغيرة، والأقرب إلى حدود الدولة العبرية، والتي لا يفصلها عن حدود فلسطين المحتلة سوى كيلومتر واحد، وذلك بتوجيه من جيش العدو، وبتنفيذ ما كان يسمى في تلك الفترة بالإدارة المحلية المتعاملة مع العدو، فكانت محطة بدائية اعتمدت فقط على حصر المياه المبتذلة في 3 خزانات متقاربة، لتركيد المياه قبل ان تتسرب إلى مجرى الوزاني، لتتوسع بعدها عملية استحداث المحطات بمحاذاة الحاصباني، وصولا حتى بلدة مرج الزهور، مرورا بالماري وراشيا الفخار وكوكبا وحاصبيا وعين قنيا وميمس والكفير والخلوات وابل السقي، تجاوز عددها 23 محطة، لكن هذه المحطات، وبالرغم من كلفتها العالية والتي تحاوزت المليوني دولارا اميركيا، عجزت عن رفع التلوث عن النهرين، بسبب، وكما اشار العديد من الناشطين البيئين ورؤساء البلديات، عشوائية بناء بعضها وعدم إدخال التقنية العالية في معداتها، كلفة تشغيلها المرتفعة التي تعجز عن تغطيتها صناديق البلديات، افتقارها لتيار كهربائي على مدار الساعة وغياب الكادر المتخصص لتشغيلها وصيانتها.

امكانيات المحطات هذه وحسب الجهات البيئية المعنية والبلديات، تقدر سنويا بتكرير حوالي 980000 م3 من المياه المبتذلة و 47000 م3 من زيبار الزيتون، هذا في حال تم تشغيلها بشكل متواصل، لكن ما هو حاصل أن أكثر هذه المحطات تعطلت بعد فترة قصيرة من تشغيلها وتوقفت عن العمل، بحيث تحولت عن مسارها، لتصبح مصدر تلوث بيئي كبير في نقاط اقامتها المحاذية للقرى، ليطاول الضرر البيئي لكل منها دائرة يصل قطرها إلى حوالي 1,5 كلم في النقطة حيث توجد، وذلك لعدة اسباب، ومنها:

وقف الصيانة الدورية لهذه المحطات، والتي انيطت حسب اتفاق بين الـميرسي كوروالجهات المحلية، في القرى بالبلديات بشكل خاص، علما بأنميرسي كوركانت قد اجرت دورات تدريبية، عبر فنيين تابعين لها، لموظفين في البلديات، على ان يتابع هؤلاء اعمال الصيانة اليومية، لكن هذه الصيانة توقفت خلال فترة قصيرة، والحجة العجز في ميزانيات البلديات وعدم التمكن من دفع اجرة العمال والمصاريف.

توجه المؤسسة إلى النوع الميكانيكي المعقد في إقامة المحطات الجديدة، وهذا النوع كلفة تشغيله مرتفعة، وهو بحاجة لتيار كهربائي دائم غير متوفر في لبنان كما هو معروف، والبلديات تعجز حتما عن توفير الميزانية المرتفعة للتشغيل بهذه الطريقة.

دراسة بيئية أعدها الدكتور نبيل عماشة تحت عنوانالواقع البيئي لقضاء حاصبيا وسبل حمايته، جاء فيها ان كمية زيبار الزيتون التي تصب في مجرى الحاصباني سنويا وخصوصا في بداية الخريف تقدر بـ 13727743 ليترا، وهي ناتجة عن 33 معصرة موزعة على مسافة قريبة من ضفتي النهر، في حين قدرت الدراسة كمية المياه المبتذلة التي تصل إلى مجرى النهر عبر عدة جداول انطلاقا من القرى المحيطة بـ 800000 ليتر يوميا، وذكرت الدراسة ان كافة محطات التكرير المقامة منذ اكثر من 20 عاما معطلة بسبب افتقارها لأعمال الصيانة، وعدم قدرة البلديات على تشغيلها لارتفاع الكلفة في ظل غياب الكادر المتخصص والتمويل.

واضاف عماشة في دراسته بأن هذه المحطات باتت علة واضحة لأمكنة اقامتها وبؤر للتلوث الكبير والخطر، مشيرا إلى امكانية حل هذه المشكلة عبر مشروع جديد باشرمجلس الإنماء والإعمارإعداد الدراسة له بتمويل من البروتوكول الإيطالي، ويقضي بإقامة محطة تكرير كبيرة وبتقنيات حديثة، لكافة القرى في حوض الحاصباني عند الطرف الغربي لبلدة حاصبيا، بكلفة 5 ملايين دولار اميركي دون تحديد مباشرة العمل بعد.

الناشط البيئي الدكتور أمين شميس الحمرا دعا إلى ضرورة ايلاء الوضع البيئي في حوض الحاصباني كل اهتمام، ووضعه في سلم أولويات كافة الجهات المعنية، خصوصا وان هذا النهر الدولي تستفيد منه عدة دول، ومنها اضافة إلى لبنان، فلسطين والأردن، علما انه ليس للبيئة حدود جغرافية محددة.

الدكتور الحمرا كشف ان مكتب النائب انور الخليل أجرى دراسة بيئية شاملة ومفصلة للوضع البيئي في حوض الحاصباني عبر خبراء مختصين، وذلك بهدف تحديد السبل الناجعة لبيئة نظيفة في هذا الحوض، وقد خلصت الدراسة إلى حصر التلوث بالتالي:

1-زيبار الزيتون.

2-مياه الصرف الصحي.

3-المياه المبتذلة الناتجة عن المنتزهات والمنازل المحيطة بالنهر.

4-فضلات المتنزهين وبعض الأسمدة والأدوية الزراعية التي يرميها المزارعون.

من جهتها، بلدية حاصبيا بدأت خطة لإبعاد التلوث عن الحاصباني، تتضمن:

1-بالنسبة لزيبار الزيتون، الزام اصحاب المعاصر نقله عبر صهاريج بعيدا عن مجرى النهر، اي إلى مجمع يقام فوق ارض لها مواصفات جيولوجية محددة، وحسب مواصفات فنية عالمية تمنع تلوث المياه الجوفية.

2-الصرف الصحي، المطلوب اقامة محطة تكرير مركزية لحاصبيا وقرى الحوض في ادنى مستوى ممكن اسفل القرى، تصب فيها المياه المبتذلة العائدة لكافة قرى الحوض، على ان يشمل المشروع انجاز شبكات للصرف الصحي في القرى حيث لا توجد شبكات صرف، شرط وضع هذه المحطة تحت اشراف الدولة مباشرة، وتناط بها مهمة تشغيلها وصيانتها ومراقبة كل ما يتعلق بحسن سير عملها.

3-المياه المبتذلة الناتجة عن المنتزهات عند النهر، تدعو الدراسة الزام اصحابها بحصرها ونقلها إلى المحطة المركزية، على ان تقوم البلديات والجهات الأخرى المختصة بالمراقبة المشددة وعدم التساهل في اتخاذ الإجراءات الرادعة.

4-فضلات المتنزهين والمزارعين، فالمطلوب هنا، وضع براميل ومستوعبات لجمع النفايات في نقاط عدة على طول مجرى النهر، رفع لافتات تدعو إلى الحفاظ على بيئة نظيفة، القيام بحملات توعية بيئية واسعة والطلب إلى المزارعين واصحاب المصالح عدم رمي النفايات والأدوية وفضلات الطعام والزجاجات وما شابه في مجرى النهر، على ان تتولى البلديات والمراقبين العائدين لوزارة الزراعة مراقبة تطبيق ذلك والتشدد في العقاب.

محطة تكرير متوقفة في حوض الحاصباني-باسل ابو حمدان
مجارير باتجاه الوزني-باسل ابو حمدان

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This