تستأثر البيئة – بما تفرض من تحديات – باهتمام دول العالم، وثمة خطوات تهدف إلى حماية الارض، مع توالي التحذيرات من خسارة الطبيعة لمواردها من جهة، وضرورة حماية المخلوقات المختلفة من الانقراض من جهة أخرى، وفي حين لا يولي البعض الاهمية اللازمة أو لا يهتمّ بالجدية المطلوبة لأثر أعمال البشر على الارض والطبيعة، صدرت إنذارات من مختلف الجهات المعنية بالبيئة والمناخ للحفاظ على كوكبنا الازرق!
مشاكل بالجملة!
يعد الازدياد الكبير في اعداد البشر الخطر الأبرز على البيئة، نظراً لاستنفاد الانسان للموارد الطبيعية، فضلاً عن طبقة الأوزون، تدهور الغابات بسبب قطع الأشجار، الحرائق المتكررة، الأمطار الحمضية والاحتباس الحراري وغيرها من العوامل.
في هذا السياق نشرت صحيفة Earth First في العام 2010، تحذيراً مفاده ان الواقع يشير إلى أن المشاكل البيئية المختلفة، التي يعاني منها كوكبنا تحتاج لمزيد من الجهد من أجل تجنب أضرارها البالغة”.
وقد فنّدت الصحيفة اهم تلك المشاكل، أولها انقراض الثدييات، مستندة الى الدراسات التي تشير إلى أن ما نسبته 25 بالمئة من الثدييات معرضة لخطر الانقراض، الأمر الذي سيحدث اختلالا واضحا في السلسلة الغذائية. وأكدت في هذا السياق على ان الناس لا يعون حقيقة الترابط الوثيق بين المخلوقات جميعها داخل النظام البيئي.
المشكلة الثانية تكمن في ارتفاع اعداد ما يسمى “مناطق الموت” في المحيطات بفعل الاحتباس الحراري الحاصل، وهي المناطق التي تكاد تخلو من مظاهر الحياة. وقد تبيّن أنه منذ العام 1960، لوحظ أن عدد مناطق الموت داخل المحيطات يتضاعف كل عشر سنوات. فضلاً عن ذلك، فإن انهيار الثروة السمكية باتت من المشكلات الاساسية، نظراً لاعتماد الملايين من الناس حول العالم على السمك كغذاء اساسي. وبالتالي، فإن كثرة الاصطياد وبطرق مشروعة أو حتى محرّمة، قد تعرّض الثروة السمكية للانهيار بحلول العام 2048.
ولا يخفى على أحد ان ذوبان الجليد القطبي يتواصل بمعدلات سريعة، دون ان يكون هناك اي مؤشر على الابطاء، ويعتبر هذا الامر من الادلة الواضحة لظاهرة الاحتباس الحراري.
وطرح تقرير برنامج الامم المتحدة للبيئة “حدود يونيب 2016” مجموعة من القضايا البيئية الناشئة في العالم، وعرض الدور الرئيسي الذي يمكن أن يؤديه القطاع المالي العالمي في الوصول إلى مستقبل منخفض الكربون ومقتصد بالموارد.
أولى القضايا تتعلّق بسميّة المحاصيل، ذلك أن لتغير المناخ تأثيرا كبيرا على سلامة الغذاء، ويوضح التقرير كيف يتسبب ارتفاع درجات الحرارة في تراكم مركبات كيميائية في المحاصيل هي سامة للحيوانات والبشر. القمح والشعير والذرة والدخن هي من المحاصيل الأكثر عرضة لتراكم النيترات مثلاً، نتيجة جفاف يستمر فترة طويلة. وتسمم المواشي الحاد بالنيترات يمكن أن يؤدي إلى إجهاضها واختناقها ونفوقها، ما يقوض حياة صغار المزارعين والرعاة.
والأمطار الغزيرة التي تقطع موجة جفاف طويلة يمكن أن تتسبب في تراكم خطير لمادة سامة أخرى تدعى سيانيد الهيدروجين أو الحمض البروسي، في محاصيل مثل الكتان والذرة والسرغوم والكرز والتفاح.
أما الأفلاتوكسينات، فهي سموم فطرية يمكن أن تسبب السرطان أو تعيق نمو الأجنّة. ويزداد خطر تلوث المحاصيل بها، خصوصاً الذرة، في الأماكن المرتفعة نتيجة ارتفاع درجات الحرارة. وهذه مشكلة زراعية ناشئة. وتتوقع دراسة حديثة أن يصبح هذا السم قضية من قضايا سلامة الغذاء في أوروبا، خصوصاً في السيناريو الأكثر احتمالاً وهو ارتفاع معدل درجات الحرارة العالمية درجتين مئويتين.
القضية الثانية التي تطرق اليها التقرير، هي الامراض الحيوانية المنشأ، لذ تزداد الأمراض التي تنتقل من الحيوانات إلى البشر. ويرتبط هذا الارتفاع ارتباطاً وثيقاً بصحة النظم الايكولوجية. فالنشاطات البشرية التي تعتدي على الموائل الطبيعية تتيح لمسببات الأمراض في الأحياء البرية فرصة الانتشار بسهولة أكبر إلى الماشية والبشر.
وقد شهدت السنوات الأخيرة ظهور أمراض عدة حيوانية المنشأ احتلت العناوين الرئيسية في وسائل الإعلام، ومنها إيبولا وزيكا وإنفلونزا الطيور وفيروس كورونا المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية. ولمسببات هذه الأمراض “خزّانات” في الأحياء البرية التي تستضيفها على المدى الطويل. وخلال العقدين الأخيرين، بلغت التكاليف المباشرة للأمراض الحيوانية الناشئة أكثر من 100 بليون دولار. ولو تفشت هذه الأمراض كأوبئة بشرية، لارتفعت الخسائر إلى تريليونات الدولارات، وفق التقرير.
قضية ثالثة واساسية تتعلق بتكدّس الميكروبلاستيك الذي يغزو البحر، فاشار التقرير الى أن هذه القطع البلاستيكية الدقيقة، موجودة في النظم المائية حول العالم وفي بطن كل حي، من العوالق الحيوانية إلى الحيتان. وقدّرت دراسة علمية أن كل كيلومتر مربع من محيطات العالم يحوي في المعدل نحو 63 ألف قطعة ميكروبلاستيك عائمة. وهي تدخل إلى أجسام الكائنات البحرية، من العوالق الحيوانية واللافقاريات إلى الأسماك والطيور البحرية والحيتان، إما مباشرة من خلال الابتلاع المباشر للمياه، وإما في شكل غير مباشر كمفترسات للحيوانات التي ابتلعتها. ومن التأثيرات المحتملة تسمم الجهاز المناعي واختلال عمل الغدد الصماء والاضطرابات التناسلية وتشوه الأجنة.
دور الاقتصاد في دعم التنمية المستدامة
في الشق الاقتصادي، ركّز التقرير على الدور الحاسم الذي يمكن ان يؤديه القطاع المالي في دعم الاستدامة والاستثمار في اصول جديدة منخفضة الكربون، ومقتصدة بالموارد وسليمة بيئياً. فضلاً عن دوره في نقل رؤوس الاموال بعيداً من الاصول التقليدية التي تضر البيئة.
ويقدم تقرير “يونيب” عدداً من المبادرات المالية والصناعية الناشئة التي توفر حلولاً مبتكرة يمكنها أن تُحدث تغييراً مستداماً. من ذلك على سبيل المثال “خطة العيش المستدام” لشركة “يونيليفر” العالمية العملاقة، التي تعهدت بخفض تأثير الشركة المضر بالبيئة إلى النصف بحلول عام 2020، مع التعهد أيضاً بتحسين صحة بليون شخص. ومع نهاية 2014، كانت “يونيليفر” خفضت كمية انبعاثات غازات الدفيئة التي تنتجها مصانعها بنسبة 37 بالمئة مقارنة بمستويات 2008، ما يؤكد قدرة القطاع المالي والصناعي على تحقيق تغيير بيئي إيجابي.
تغير المناخ… بين الخسارة والضرر
في موضوع تغيّر المناخ، يسلط التقرير الضوء على قضيتين حاسمتين ترتبطان بتغير المناخ، هما الخسارة والضرر. وبالنظر إلى تأخر دول العالم في العمل الفعلي للحد من مسببات تغير المناخ والتخفيف من تأثيراته التي شهدتها السنوات الـ25 الأخيرة والتكيف معها، تشير الأدلة العلمية إلى أن لا مفر من الخسائر والأضرار الناجمة عن تغير المناخ، مع عواقب وخيمة على النظم الإيكولوجية والناس والأصول والاقتصادات. وهذا ما يحدث بالفعل.
واخيراً، اشار التقرير الى ان أحدث القضايا الناشئة هي التجارة غير المشروعة بالحياة البرية، التي تشكل خطراً جسيماً على النظم الإيكولوجية وأعداد الأحياء البرية. وتتنامى التجارة غير المشروعة بالحيوانات البرية الحية والأليفة حتى أصبحت قطاعاً مزدهراً يجتذب شبكات إجرامية. وذلك لا يعرض بقاء الأنواع للخطر فحسب، بل يعرض البشر أيضاً لأمراض حيوانية المنشأ ترتبط بالأنواع التي تشملها هذه التجارة.
منذ نشأة العالم وحتى العام 1800، بلغ عدد السكان مليار نسمة، وخلال 200 سنة فقط ازداد العدد ليقارب الـ7 مليارات نسمة، الامر الذي يعني اضافة حوالي 74 مليون شخص سنويا لكرتنا الأرضية. هذا المعدل المخيف يبدو أنه في ازدياد مستمر، وبالتالي، فالحاجة لمصادر اضافية من مأكل وهواء ومياه ترتفع معهم. ويبقى السؤال الذي يفرض نفسه: الم يحن الوقت لتحرك المعنيين لوضع حل لكافة المشاكل البيئية؟