فيما تواجه السلاحف البحرية واقعا مأساويا نتيجة اندثار موائلها على امتداد الشاطىء اللبناني، ولا سيما في الكثير من المواقع التي صودرت من قبل نافذين خلال سنوات الحرب والفوضى، وأشيدت عليها مرافق سياحية ومجمعات سكنية، فضلا عن التعديات التي تتعرض إليها في ما بقي من موائل ترتادها لوضع بيوضها، نجد في المقابل أن ثمة اهتماما بدأ يتنامى مع بعض المبادرات من قبل جمعيات بيئية وأهلية وناشطين، في ظل غياب شبه كامل من الجهات المعنية في الدولة، إلا أن هذه المبادرات تمكنت من تعميم ثقافة بيئية في حدود كبيرة، بالرغم من وجود قلة من المواطنين لا تلتزم بحماية هذه الكائنات البحرية، مع تسجيل بعض التعديات من حين لآخر.

وتبدأ السلاحف البحرية في هذه الفترة بالتوجه إلى الشاطىء لوضع بيوضها، وقد واكب greenarea.info بعض الجمعيات الناشطة في مجال حماية السلاحف في مناطق الرملة البيضاء، صيدا، صور والمنصوري، ولا سيما رعاية أعشاشها، وتوفير “ممرات” تتيح لصغارها بدء رحلة حياتها الجديدة في البحر.

جمعية الازرق الكبير

رئيسة “جمعية الازرق الكبير” الناشطة البيئية عفت إدريس أكد لــ greenarea.info  على “ضرورة حماية الشواطئ الرملية وإزالة النفايات والتخفيف من حدة التلوث في البحر، لتأمين بيئة سليمة لتضع إناث السلاحف فيها بيوضها”.

وأشارت إدريس إلى أن “السلحفاة تعود كل مرة لتضع البيوض في نفس المكان تقريبا عند الشاطئ، والتغيير في معالم الشاطئ يعيق عملية وضعها للبيوض”، لافتة إلى “ضرورة نشر التوعية بين الناس ورواد الشواطئ وإفساح المجال لهذه السلاحف لوضع بيضها وعدم المساس به، بالاضافة إلى اخلاء الشاطئ من اي شيء يمكن ان يعيق مرورها، خصوصا في شهر أيار (مايو) من كل عام (فترة التزاوج ووضع البيوض)، مع ضرورة لحظ ان التاريخ لم يعد دقيقا جدا بسبب التغيير المناخي، لذلك نحن نحتاط ونفسح مزيدا من الوقت من منتصف أيار (مايو) وحتى اوائل تشرين الأول (أكتوبر)”، وشددت على “حظر استعمال اي نوع من الماكينات على الشاطئ حرصا على الاعشاش، وضرورة تحديد الممرات بشكل، مدروس اضافة إلى ضرورة خفض الانارة ليلا وتخفيف حركة رواد الشاطئ، وهذه الامور لا تتطلب مجهودا كبيرا”.

ولفتت إدريس إلى ان “السلاحف الصغيرة تحتاج من ٤٨ إلى ٧٢ ساعة كحد اقصى للوصول إلى الماء، لذلك يجب تركها تسلك دربها بمجهودها، وعدم تدخل الانسان وان تعرض لها اي مفترس طبيعي (سلطعون أو طيور)”، لافتة ايضا إلى أن “للطبيعة دورها في تحديد العدد  بدون تدخلات البشر، الا في حالة واحدة وهي إزالة شيء ما وضعه الانسان وأعاق وصول هذه الصغار للبحر”.

تعقب آثار السلاحف

وقالت إدريس: “كجمعية اصبح شاطئ (الرملة البيضاء) تحت ادارتنا في العام ٢٠٠٣، بعد ان وافقت الوزارة على طلبنا، وكانت حماية السلاحف من أهم وأولى أهدافنا، خصوصا وانها لم تكن محمية، وكانت عرضة لنقلها من بعض الناس إلى بيوتهم”.

أما عن كيفية تحديد مواضع الاعشاش، فقالت: “نحن نقوم بتقدير الاماكن عندما نجول صباحا على الشاطئ، ونتعقب آثار مرور السلاحف، وهذه الآثار هي التي تبلغنا عن مرور السلاحف، ومن خلالها نستطيع ايضا تحديد جنسها”. واضافت ان “الجمعية منذ تأسيسها تحصي بعض الاصناف كالسلاحف والدلافين والفقمات، وتقوم ايضا بمعالجة بعض الاصابات بمساعدة طبيب مختص، لذلك نحن على استعداد تام لتقديم مساعدات في هذا المجال، وسنعلن قريبا عن رقم هاتف ساخن للتواصل مع الجميع”، وتمنت “على المواطنين الذين يرصدون اي من المشاهدات ان يعلموننا بها لنتمكن من اعطاء معلومات وافية للباحثين الذين يقومون بدراساتهم عند الشاطئ”.

وختمت إدريس قائلة: “استطعنا هذا العام رصد عش واحد خرجت الصغار منه، ونتوقع وجود غيره، وقد تابعنا مراقبتنا لخروج هذه الصغار عبر آثارها لعدة ايام على التوالي، وقمنا بتوجيه بعض السلاحف التي ضلت طريقها نحو الشاطئ”.

جمعية اصدقاء شاطئ وزيرة صيدا

عضو بلدية صيدا المهندس محمد البابا عرض للنشاط الذي تقوم به “جمعية اصدقاء شاطئ وزيرة صيدا”، وعرض لـ greenarea.info لأهمية “دور السلاحف في التنوع البيولوجي وحفظ التوازن”، ودعا إلى “ضرورة العمل على حمايتها من التلوث وخصوصا الاكياس البلاستيكية التي تعتبر العدو الرئيسي للسلاحف البحرية”.

وأضاف: “بدأنا عمليات رصد للسلاحف واقامة نشاطات توعية للصيادين والمواطنين نتج عنها زيادة ملحوظة في الاهتمام، وقد وضعنا خطا ساخنا للاتصال بنا، والإبلاغ عن اي مشكلة تواجهها السلاحف”، واشار البابا إلى “ازدياد ملحوظ في اعداد السلاحف التي بدأت تخرج من بيوضها نحو الماء”، وأكد أن “المواطنين يعبرون عن فرحهم بهذه السلاحف في محيط المنطقة التي يرتادونها للسباحة، وبدأوا يعرفون أهميتها البيئية والمحافظة عليها، كما اننا قمنا بالتعاون مع البطريكية الكاثوليكية بوضع لافتات عند الشاطئ لنشر التوعية بين رواد الشواطئ حول أهمية هذه الكائنات البحرية”.

أما عن السلاحف الصغيرة، فقال البابا: “كنا قد نشرنا على صفحتنا على (فيسبوك) بأن السلاحف الصغيرة بدأت تشق طريقها في اتجاه البحر، بين شاطئ المسبح الشعبي صيدا وجزيرة صيدا، وهي تحظى برعاية وإشراف ومراقبة دقيقة من فريق الخدمات البيئية في جمعية اصدقاء الزيره وشاطىء صيدا، ومن متطوعي فوج الاطفاء على المسبح الشعبي والجميع ساعد بعض السلاحف للوصول بسلام إلى البحر”.

1

حمى المنصوري

في الحديث عن السلاحف البحرية ورعايتها والاهتمام بها، لا يمكن إلا أن نطل على تجربة منى خليل، السيدة التي جعلت من منزلها في بلدة المنصوري موطنا للسلاحف البحرية وأعشاشها، ودافعت عن الثروة البحرية المهدّدة بالانقراض، وخاضت معارك كثيرة مع البلدية وبعض النافذين بعد عودتها من هولندا قبل ستة وعشرين عاما، إلى أن نالت اعترافاً رسمياً عام 2008 بتحويل الشاطئ على مساحة كيلومتر ونصف الكيلومتر إلى حِمى بحرية.

هي ترعى السلاحف بأقل الامكانيات المتوافرة، ولكن بطرق مدروسة وعلمية، بالرغم من ذلك يستغرق وقتا طويلا لتحديد اماكن الاعشاش قبل تسييجها لحمايتها من الحيوانات وغيرها من المتفترسات، وتنتظر بفارغ الصبر خروج صغار السلاحف من بيضها إلى البحر هذا ما يعلمه عنها متتبعو صفحتها عبر (فيسبوك)، بعد ان انقطعت عن التواصل مع الاعلام.

وفي متابعة لحمى المنصوري، فقد خرجت مؤخرا السلاحف الصغيرة بأعداد كبيرة، وحتى الآن سجلت ورصدت منى خليل خروج صغار ٢١ عشا، وتوجهن إلى البحر مع رصد بعض الحالات التي نفقت فيها بعض السلاحف، إما قبل خروجها من البيض او بعدها، كما يبدو واضحا لكل من يزور صفحتها الموثقة بصور وفيديوهات اكثر من رائعة.

علما أن بعض السلاحف التي تضل طريقها يعمل ناشطون على إيصالها إلى البحر، لتبدأ دورة حياة جديدة.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This