لا تقتصر تداعيات التغير المناخي على البيئة والطبيعة الخضراء فحسب، ولا تقتصر ويلات الحروب على الارواح البشرية أيضا، فكما يغتال البشر من خلال أعمالهم البيئة والهواء والمياه، ها هم يغتالون تاريخ الامم ومواقع الدول الاثرية.
مدن سياحية كبرى مهددة بالغرق
في الشق البيئي، بدأت بالفعل هجرات جماعية من بعض الأماكن بسبب ارتفاع مستوى مياه البحر، كجزيرة “فانواتوز توجا” الواقعة في جنوب المحيط الهادي، وجزر كارتيريت في بابوا غينيا الجديدة، وجزر كيريباتي، جمهورية كيريباس التي تقع في المحيط الهادي، وجزر المالديف التي تعد من أكثر الأماكن سحراً وجمالاً على وجه الأرض، فضلاً عن مدينة البندقية المهددة والتي تغمر المياه نحو 56 بالمئة منها.
في مصر، المخاطر التي تهدد الدلتا كبيرة، فهي تتعرض لهبوط مستمر بمعدل من 1,5 ملليمترات في العام نتيجة التغيرات البيولوجية، بالإضافة الى تعرضها للتآكل نتيجة التيارات المائية الشاطئية على البحر المتوسط.
مدينتا عدن والحديدة في اليمن، من المدن التي ستغمرها مياه المحيط الهندي بسبب ارتفاع منسوب المياه وبسبب هبوب العواصف. في اندونيسيا، أغنى دول العالم بالشعاب المرجانية، يخشى العلماء من الخطر الذي يهددها في حال ارتفاع منسوب المياه في البحار والمحيطات بفعل الاحتباس الحراري، فضلاً عن عدد كبير من الجزر الاندونيسية التي سوف تغمرها مياه البحر.
ويتنبأ البعض أنه بحلول عام 2035 سوف يغرق مطار العاصمة جاكرتا في مياه البحر، وبحلول عام 2080 سوف تصل المياه بفعل المد على اعتاب القصر الرئاسي بالعاصمة.
الى ذلك، فإن التغير المناخي سوف يؤثر في المواقع الأثرية البحرية، اذ من المتوقع أنه وبحلول عام 2100 سوف تتأثر 70 بالمئة من الشعاب المرجانية بارتفاع درجات الحرارة وزيادة حموضة مياه البحر، وسوف يتحول لون الحاجز المرجاني العظيم في استراليا الى اللون الأبيض بسبب ارتفاع درجات الحرارة، كما أن اعداداً كبيرة من الشعاب المرجانية التي تقطنها أنواع متنوعة من الاسماك النادرة معرضة للخطر.
ومن الأماكن والمواقع الأثرية والتاريخية المهددة بالخطر منطقة تشان تشان الأثرية في بيرو بأميركا اللاتينية، وعدد آخر من الأماكن الأثرية في كندا والاتحاد الروسي، كما ستتأثر ايضاً المناطق الأثرية في لندن وفي تيمبوكتو في مالي بأفريقيا وغابات اشجار السيدار في لبنان.
إرهاب بشري
بالانتقال الى الارهاب البشري، مواقع أثرية وحضارية يعود بعضها لقرون عديدة، دمرها “الجهاديون” والجماعات الإرهابية في المغرب العربي والشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا. وقد نشرت الوكالة الفرنسية قائمة بها، من مالي إلى أفغانستان، مرورا بالجزائر وليبيا وسوريا والعراق.
ففي مالي، تعرض في العام 2012، 14 ضريحا للهدم أو النهب في تمبكتو الواقعة في شمال غرب مالي وتوصف بأنها “مدينة الـ333 وليا”. وقام “جهاديو” مختلف الحركات بتدمير الأضرحة وأكبر مساجد المدينة المدرجة بأكملها على لائحة التراث العالمي للبشرية.
الا انه في اطار برنامج طبقته منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونيسكو) ومولته دول ومؤسسات عدة، أنجزت اعمال الترميم في تموز (يوليو) 2015، وتسلمت المدينة الآثار التي أعيد بناؤها.
سوريا والعراق… تطهير ديني وثقافي
في سوريا، تقول جمعية حماية الآثار السورية أن أكثر من 900 نصب أو موقع أثري دمرت، ومنذ صعوده بقوة في 2014، دمر تنظيم “الدولة الإسلامية” مواقع بينها الجامع الأموي ذي الألف عام بدمشق والمدرج على قائمة اليونسكو. وهاجم التنظيم مدينة تدمر حيث قام بتفجير معبدي بل وبعلشمين قبل أن يهدم أبراجا وقوس النصر في المدينة. كما قام بتخريب تل عجاجة الآشوري، وكذلك ماري ودورا أوروبوس وأفاميا وغيرها. فضلاً عن ان استعمال القذائف والمدفعية في الحرب القائمة أدى وساهم في زيادة الامر سوءاً، وتقول اليونيسكو أن “ثلثي الحي القديم في حلب تعرض للقصف أو الحريق”. فتم هدم تمثال أبي العلاء المعري ثم حرق السوق الأثري بمدينة حلب بدكاكينه الأثرية التي تجاوز عمرها القرن، فضلاً عن سرقات وعمليات تنقيب منظمة نالت من متحف “تدمر” و”حماه” و”أفاميا”، مع تدمير أجزاء من قلاع نتجة القصف المتبادل، مثل ما حدث بقلعة شيزر على نهر العاصي وقلعتي المضيق وإيبلا في أدلب، وقلعة الحصن وهي أهم قلاع العصور الوسطى في العالم.
وتبعا لتقارير دولية، فإن الآثار السورية المباعة عالميا بلغت قيمتها ملياري دولار وأكثر من عشرة آلاف موقع سوري أثرى آخر مهدد بالنهب.
في العراق، قام تنظيم “الدولة الإسلامية” بعملية “تطهير ثقافي” بعدما أزال بقايا حضارات بلاد الرافدين القديمة كما تقول الأمم المتحدة، أو عبر بيع القطع الأثرية في السوق السوداء.
وكشفت تسجيلات فيديو تم بثها في 2015 عن مقاتلين يقومون بنهب كنوز تعود إلى ما قبل الإسلام في متحف الموصل في الشمال، أو يدمرون بجرافات موقع نمرود الأثري بالقرب من الموصل، جوهرة الحضارة الآشورية. كما هاجموا حترا المدينة التي تعود إلى الحقبة الرومانية وعمرها أكثر من ألفي سنة في محافظة نينوى (شمال)، فهدموا تمثالي الشاعر العباسي أبي تمام والموسيقار عثمان الموصلي بالجرافات بعد سيطرتهم على مدينة الموصل، ثم سقط المعبد القديم في أيديهم بعد سقوط حضر لتنضم للأراضي التي سيطروا عليها، ووجهت لهم وزارة الداخلية العراقية تهمة الاستيلاء على أكثر من 100 قطعة أثرية من تماثيل ووثائق قديمة تعود للحقبة البابلية والسومرية والعباسية، بعد اقتحامهم عدة متاحف أهمها متحف الموصل وقصر أحد ملوك آشور بمدينة كالح وتهريب محتوياتها عبر سوريا، لتجني داعش من خلف بيعها 36 مليون دولار.
وبعد تشريعهم بإثم كل من يبني أو يزور كنيسة أو مسجد سني كان أو شيعي، هدموا الكنائس والأديرة بأيقونات وكتب ومخطوطات عمرها مئات السنين، ثم فجروا مرقد عمر بن الخطاب بالموصل والشيخ صالح جنوبي كركوك، ومقام علي الأصغر بن الحسن وآخر لأخيه الإمام عون الدين ومرقد الإمام أبو العلي والنبي دانيال ونبش قبر النبي يونس، وقد صرحت وزارة السياحة والآثار العراقية بتعرض 4370 موقعا للسرقة والتخريب وأعلنت داعش عن نيتها تدمير 18 كنزا ثقافيّا آخر.
مصر وليبيا… تدمير نسبة كبيرة من الآثار
فقدت مصر 30 بالمئة من آثارها بعد “ثورة 25 يناير”، فمنذ جمعة الغضب تعرض ليلتها المتحف المصري للسرقة، وفقد 85 قطعة أثرية منها التمثال الجيري للملكة نفرتيتي وتمثال لتوت عنخ آمون من الخشب المذهب والبرونز، فضلاً عن قطع ذهبية وحلي من الأحجار الكريمة. ثم تعرض متحف ملوي للنهب عام 2013، وفقد نحو ألف قطعة أثرية، وسرقت مخازن الآثار، مثل مخزن القنطرة شرق سيناء ومخازن مقابر سقارة وسليم حسن بالجيزة وتل الفراعين بكفر الشيخ، مع نهب موقع اللاهون بالفيوم والذي يحوي مقابر أثرية. كما تعرض المجمع العلمي للحرق وسرقة آلاف الكتب واحتراق آلاف أخرى، وتعرض المتحف الإسلامي المصري للتهشم مع انفجار مديرية الأمن لتتحطم مقتنياته، ومنها المحراب الخشبي النادر للسيدة رقية، وقد وصل حجم المسروقات من المخازن والمواقع الأثرية نحو 1228 قطعة أثرية.
في ليبيا، دمر عدد من الأضرحة بمساعدة حفارات ومتفجرات منذ الثورة التي أطاحت بنظام معر القذافي في 2011. خرّبت وانتهكت حرمة ضريح الشعاب الدهماني في طرابلس. وتعرض للتدمير أيضا ضريح الشيخ عبد السلام الأسمر الفقيه الصوفي من القرن السادس عشر في زليتن التي تبعد 160 كلم شرق العاصمة. وتعرضت مكتبة وجامعة تحملان الاسم نفسه لأعمال تخريب ونهب. وفي 2013، استهدف هجوم بالمتفجرات ضريحا يعود إلى القرن السادس عشر في تاجوراء في طرابلس. وكان هذا الضريح من الأقدم في ليبيا.
في افعانستان، عام 2001 ، أمر القائد الأعلى لحركة طالبان الملا عمر بتدمير تمثالين عملاقين لبوذا في باميان، يعودان إلى أكثر من 1500 عام. وعلى مدى 25 يوما، شارك مئات من عناصر حركة طالبان بتدمير التماثيل العملاقة بالصواريخ والديناميت.
الحال لا تختلف في الجزائر، حيث دمرت الجماعات الإسلامية المسلحة في تسعينيات القرن الماضي أضرحة عدد من شيوخ الطرق الصوفية.
بين الارهاب البيئي والعسكري، ضاعت معالم الطبيعة وآثارها، فهل من يسمع ويتحرّك؟