الكثير من الناس باتوا يعلمون بما حصل ليلة الاثنين في ساحة رياض الصلح. انسحاب المراسلة في قناة الـMTV اللبنانية نوال بري، بينما كانت تقوم بتغطية مباشرة للذكرى الأولى للحراك المدني. والخطر الكبير والسبب المحتم الذي دفع بها للقيام بهذا الأمر هو هتافات “كبير العيلة حرامي” و”كبير العيلة جوّعنا” التي صدحت في الاعتصام أمام السرايا الحكومية حين حاولت إسكات الناس كي تتكلّم بقولها “هش”. لم يتقبّل أحد إسكاته بهذه الطريقة المهينة، فاستمرت الهتافات.

لماذا أكتب الآن عن هذا الموضوع؟ في الحقيقة، ستقتصر الأسطر التالية على مسألتين أساسيتين، بنظري، هما مدى مشروعية ما قامت به بريّ، من الناحية المهنية، ووصف “زعران”، الذي قيل دون أي مبرّر. فهل يحق للصحافي وصف الناس بأمور نابية؟

الانسحاب المباشر عن الهواء، الذي كتب عنه صحافيون آخرون ربّما شاهدوه على الشاشة وصُعِقوا لعدم المهنية “العالية” التي طغت عليه، شاهدته باشمئزاز، إلى جانب أشخاص لم يفوّتوا فرصة للتغيير، على بعد أمتار من المراسلة. هذا ما حصل: هتاف، انسحاب المراسلة. صدمة المصوّر وسؤاله نوال: “لوين رايحة؟”، لكنه لم يعتد على مزاجية التغطية ربما، وأخذ كل أغراض المحطة التي تعمل فيها المراسلة.

إن تتبعنا ما نُشر على وسائل التواصل الاجتماعي، إلى جانب التعليقات المستنكرة لشتم الناس على الهواء والقول انهم “زعران”، لرأينا مقاطع فيديو تظهر استفزاز العدوّ الاسرائيلي للمراسلين، ورغم ذلك أكملوا تغطيتهم المباشرة، لرأينا القذائف قرب المراسلين الذين أكملوا رسالتهم الصحافية.

أتساءل بعد ما حصل، عن معنى ان تكون صحافياً في لبنان. هنا، قامت مراسلة بخطأ صحافي أو “سقطة”، قد تُنهي مشوارها المهنيّ لو كانت في دولة تطبّق القانون وتحترم أصول مهنة الصحافة. لا أجد نفعاً لأخلاقيات مهنة الصحافة التي تكلّم عنها المدرّسون في الجامعة اللبنانية حيث درست، ولا أجد أي مكان تطبّق فيه المعايير المهنية لهذه المهنة، سوى في مساحة صغيرة تضيق، وستخنقنا قريباً.

أليست الصحافة مهنة التغيير والبحث عن الحقيقة؟ أليس الصحافيون هم من تعوّل عليهم فئات كبيرة مهمّشة في مجتمعنا؟ إن استوحينا من مقولة جورج أورويل بأن الصحافة هي نشر ما لا يريد البعض نشره، وكل ما هو غير ذلك يكون علاقات عامّة، لعرفنا ان قيمة الصحافة هي في “عدم إعجاب الناس لنا”. والاستنتاج الآخر الذي قد نتوصّل إليه هو انه في لبنان نجد العلاقات العامة أكثر مما نجد الصحافة. فأي حقيقة تريد مراسلة كنوال بري نقلها؟ أي حقيقة ستنقل إن أصرّت على إخفاء الواقع؟ أي صحافة سنبني إن أغلق المراسل الهواء بقرار منه فقط لأن رأيه مغاير لذلك؟

رغم تبريرات برّي الكثيرة بأن لا مشكلة لديها مع الرأي الآخر، وانها كانت تغطي الاعتصامات التي دعى إليها الحراك المدني، ثمّة أمر، على بري، والآخرين معرفته: لا “منيّة” لأي صحافي في تغطية أي حدث، فهذه مهنته.

أما المسألة الثانية التي من الواجب ذكرها فهي اننا “زعران” نطالب بحقوقنا البديهية. فإن تناسينا انه من المعيب ان تنعت صحافية الناس بهذه العبارات، حتى ولو كان رئيس مجلس النواب نبيه بري من عائلتها، يجب ان نركّز ان الناس أصرّت على الهتافات، بعدما هدّدت بريّ الأشخاص المتواجدين، بقولها لفراس حاطوم ان ينقل للجميع رسالة ان “يسترجي حدا يجيب سيرة الاستاذ. بعلّقو وبدفنو هون”. وفي حديثنا مع حاطوم، أكّد انّ هذا ما حصل، لكن الشهود الذين كانوا متواجدين لا يعرفهم، وهو لم يوثّق كلام برّي لأنه صُدم به، ولم يتوقّعه.

وما قاله لنا حاطوم هو ان انه لا يريد سوى ان تفهم هذه الإعلامية ان “كبير عيلتها فاسد وهذا لا يعطيها الحق ان تشتم وتلعن وتهدد الناس”، مضيفاً ان “من يعمل في المعترك السياسي فهو يضع نفسه تحت مجهر النقد. أما العمل الإعلامي فهو رسالة لنقل الحقيقة”.

بحسب عدد من المحامين، فإنه يمكن لأي شخص تواجد في الظاهرة أمس ان يرفع دعوى على بري في تهمة القدح والذم، استناداً الى المواد 582، 582، و584 من قانون العقوبات.

لنرى الآن لما نحن “زعران”. كصحافية لم يبدأ مشواري في الصحافة في لبنان منذ سنوات طويلة، لا أرى انه من الخطأ المشاركة في تحركات تمثلني كمواطنة في هذا البلد. ولا أرى ان هذا يختلط مع موضوعية الصحافي، فالتغيير هو جزء من البحث عن الحقيقة. إن نزل أي من الاشخاص الذين تعاطفوا مع المراسلة أمس، وبينهم أحد النواب، وإن تناقشوا مع الشابات والشباب، لاكتشفوا مواطنين لبنانيين، بينهم من لم يكمل علمه كي يعمل، ومنهم من لم ينهِ عمله لأن الكهرباء انقطعت، ومنهم، وبينهم أنا، من لم يجد الجامعة الخاصة التي يمكن إكمال دراساته العليا فيها، لأن الجامعة الوطنية “الجامعة اللبنانية” دوامها لا يناسب من يعمل، والفساد فيها مستمر، متيحاً المجال أمام تأسيس جامعات خاصة، آخرها كلنا نعلم من يملكها.

في تلك البقعة، في رياض الصلح، كنت سترى من يفكّر بما مر به الحراك حتى الآن، ومن يتكلّم عن صفقة أوقفتها مجموعة من الحراك المدني مؤخراً، وكنت سترى “زعران” يطالبون بحقوقهم البديهية المهدورة، أقلّها، العيش في بيئة سليمة من دون أمراض. هل بات الشعب يغرّد بعيداً عن الصحافة في لبنان؟ وهل باتت تلك المهنة مظهراً خالياً من أي مضمون؟ ماذا ننتظر بعد؟

ربما أفضل ما حصل هو اننا شاهدنا انه لم يتخذ أي إجراء في حق مراسلة قامت بأكبر سقطة إعلامية. فأين المجلس الوطني للاعلام؟ وأين المحطات التلفزيونية المهنية؟

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This