فيما يجمع علماء جيولوجيون على أن العالم ما يزال في عصر الهولوسين Holocene، والذي بدأ منذ آلاف السنين مع ذوبان الأنهر الجليدية في العصر الجليدي الأخير، أي في الفترة الزمنية التي تطور فيها البشر من صيادين إلى مزارعين يحرثون الأرض وصولا إلى الحضارة الإنسانية التي نعيشها بين ظهرانيها، يشير علماء آخرون إلى أن ثمة أدلة واضحة تؤكد أن هذه الحقبة قد انتهت بالفعل منذ أواسط القرن العشرين، وأن العالم دخل حقبة جيولوجية تم تعريفها بـ “الأنثروبوسين” Anthropocene، مستندين إلى دراسة حديثة، خلصت إلى أن هذه الحقبة الجديدة تتميز بالتغييرات في طبقات الصخور الأرضية والعمليات الجيولوجية التي تم تعديلها بشكل كبير من جراء الأنشطة البشرية.
واستند القائلون بانقضاء عصر الهولوسين، إلى مجموعة من العوامل، ومنها، التزايد الكبير في عدد سكان الأرض، ما ترتب على ذلك من ارتفاع في الإستهلاك، مع بات يعرف علميا باسم “التسارع الكبير” الذي أدى إلى استنزاف الموارد الأساسية للأرض، فضلا عن أن المواد الجديدة مثل الألومونيوم والخرسانة والبلاستيك والرماد المتطاير، وكذلك الجسيمات الناجمة عن الإختبارات النووية قد انتشرت على مساحة الكرة الأرضية، إضافة إلى زيادة إنبعاثات الغازات المسببة للإحتباس الحراري وساهمت في تغيير مناخ الأرض والغلاف الجوي، وجميعها عوامل ناجماً عن التأثير البشري.
وما يعزز مقولة هؤلاء العلماء من أننا ولجنا عصرا جيولوجيا جديدا، هو التغييرات البيولوجية أيضاً، تلك التي ساهمت بانقراض أنواع من الكائنات الحية، بسبب التسارع الكبير والإضطرابات في بيئتها الطبيعية، وأيضا جراء الأنشطة البشرية، وهذه المعدلات تتسارع بشكل مستمر منذ بداية القرن التاسع عشر، مع بداية تغيير الأصول الجغرافية لأنواع عديدة، وبشكل كبير في كافة أنحاء العالم، بسبب العولمة وما فرضته من تغييرات حاسمة نتلمس نتائجها دمارا وتلويثا وانتهاكا لقوانين الطبيعة.
ولا يمكن بحسب العلماء أن نتخطى مجموع التغييرات المرتبطة بالزراعة وصيد الأسماك، والأخطر من كل ذلك الهندسة الوراثية التي قد تغير بشكل دائم التركيب البيولوجي لكثير من الأنواع.
لهذا الأسباب مجتمعة، ستبقى الأسئلة ماثلة بقوة، مستحضرة الكثير من الهواجس حيال هذا العصر الجيولوجي الجديد، خصوصا وأنه نتاج ما اقترفه الإنسان من ممارسات، وليس نتاج عوامل طبيعية في سياق حركة الأرض والطبيعة، فهذا العصر قد يصل بالحياة على هذه الكوكب إلى مشارف الفناء، وسيفرض على الانسان تحديات تطاول سبل بقائه واستمراره، فهل يكون عصر “الأنثروبوسين” الأخير على مستوى الحياة الإنسانية؟!