يعثر مواطنون في هذه الفترة من كل عام على سلاحف بحرية صغيرة ضلت سبيلها إلى الشاطىء، بعضهم يعيدها إلى البحر، أو يتصل بجهات معنية تقوم برعايتها قبل وضعها على الشاطىء قرب الأمواج لتنطلق في رحلة حياتها الجديدة، خصوصا وان هذه السلاحف تكون قد خرجت من البيض حديثا، إلا أن الأضواء حالت دون أن تستهدي إلى البحر بغريزتها، فتتبع الأضواء القريبة المنبعثة ما يحول دون معرفتها لوجهتها المفترضة، أي البحر الذي سيكون عالمها الذي تعيش فيه.
في الدول التي ترعى وتهتم بالسلاحف البحرية، هناك مجموعة من الإجراءات والقوانين الصارمة، تحمي صغار السلاحف، لجهة عدم السماح بوجود إنارة قوية على الشواطئ التي تعتبر موئلا لتكاثر السلاحف التي تضع بيوضها على اليابسة، ما يتيح لصغارها الاستدلال بضوء القمر إلى الشواطئ، خصوصا في فترة التزاوج والتكاثر، لكن في لبنان، فقد خسرت السلاحف موائل تعشيشها على امتداد الساحل، ومعظمها صودر خلال الحرب لصالح مشاريع سياحية، فيما نقوم اليوم بطمر البحر، وكل ذلك على حساب ثرواتنا الطبيعية والتنوع الحيوي، ولم يبقَ إلا مواقع قليلة لِتعدَّ وتبني فيها السلاحف البحرية أعشاشها.
هذه المشكلة، باتت تهدد الموائل المتبقية، فيما لم تلحظ الجهات المعنية ضرورة إصدار تعاميم تقضي بمنع استخدام الإنارة الكاشفة في فترة تكاثر السلاحف، وما يعثر عليه مواطنون من سلاحف صغيرة ضلت طريقها، يواجهه سلاحف لم تجد من يرعاها ونفقت لأنها لم تعرف سبيلها الى البحر، فضلا عن ممارسات عدة تساهم بدورها في نفوق صغار السلاحف.
ومن الإضاءة على هذه المشكلة، التقى موقعنا greenarea.info رئيس جمعية “الجنوبيون الخضر” الدكتور هشام يونس، وكان الحوار الآتي:

Green Area: ما هي المخاطر التي تتهدد السلاحف البحرية بعد الفقس خروجها من البيض والتوجه الى البحر؟

د. هشام يونس: المخاطر التي تتهدد السلاحف الصغيرة لحظة خروجها من البيض عديدة ومختلفة، وهنا لا بد من الإشارة الى ان التفقيس لا يعقبه مباشرة الخروج من عشها. فالسلاحف الصغيرة تبقى يوما في عشها، وتقتات خلاله على بقايا في البيض قبل ان تخرج في جهد جماعي من العش، وتختار توقيتا وفق حرارة السطح الذي فوقها، وهي عادة تخرج ليلاً حيث درجة الحرارة اقل. خلال الخروج قد تواجهها عوائق عدة ،منها المخلفات أو النفايات التي قد تكون ملقاة على البحر، أو التي قذفها البحر على الشاطئ والتي تحول دون وصولها إلى البحر، ما قد يؤدي بالنهاية الى نفوقها على الشاطئ أو أن تصبح فريسة للسرطانات والطيور أو الكلاب. وليس هذا العامل الوحيد الذي قد ينتهي بالسلاحف الصغيرة الى الموت فحسب، ففي الليل تعتمد السلاحف الصغيرة على انعكاس ضوء القمر على سطح الماء لتحديد مسارها نحو البحر، ومع وجود إنارة متعددة المصادر على الشواطئ، أو تلك الموجهة على الشاطئ تفقد السلاحف قدرتها على التمييز وتضيع في تحديد مسارها نحو الماء، وبالتالي، من الضرورة بمكان التأكد قبيل موسم التعشيش من نظافة الشاطئ وعدم وجود موانع أمام إناث السلاحف للوضع، أو لاحقاً لصغار السلاحف للخروج من العش والوصول إلى الشاطئ.

image

Green Area: يعثر مواطنون في هذه الفترة على سلاحف صغيرة ضلت طريقها الى الشاطىء بسبب الأضواء الشديدة، وعدم قدرتها على تمييز ضوء القمر الذي يعتبر بوصلتها للبحر كما ذكرت، فكيف يمكن مواجهة هذه المشكلة؟

د. هشام يونس: من الضروري أن تعمم إرشادات بخصوص إستخدامات الإنارة على الشواطئ الرملية والمناطق المطلة عليها، بالأخص تلك التي تعتبر مواقع نشاط وتعشيش للسلاحف البحرية خلال فترة التعشيش، خصوصا أن الإنارة تربك عملية وضع إناث السلاحف لبيضها وقد تحبطها بالكامل، فضلاً عن إجهاضها لعملية وصول صغار السلاحف إلى البحر وبالتالي نفوقها. من الضروري في هذه الحالة اتخاذ إجراءات لحماية موسم التعشيش من أيار (مايو) ولغاية تشرين الأول (أكتوبر)، قبيل بدء التعشيش، من قبيل:
-عدم نشر إنارة على الشواطئ.
-عدم توجيه الإنارة باتجاه الشاطئ والإبقاء على الإنارة الموضعية في المناطق المتاخمة للشاطئ أو المطلة عليه.
-الإمتناع عن إنارة الأضواء على الشرفات المطلة على الشواطئ الرملية واستخدام الإضاءة الخافتة وغير المرتفعة (يمكن أثناء فترة التعشيش استبدال الإنارة على الشرفات المطلة على الشواطئ باستخدام المصابيح الكهربائية المحمولة والتي يمكن توجيهها إلى أسفل وإخفات ضوئها).
-حظر إستخدام الألعاب النارية ليلاً على الشواطئ في موسم التعشيش من أيار (مايو) ولغاية تشرين الأول (أكتوبر).

Green Area: كيف يمكن أن نوائم بين البيئة والتنمية؟ بين الاستدامة والحفاظ على الطبيعة؟

د. هشام يونس: في حقيقة الأمر إن السلاحف البحرية وكما سبق أن عرضت في مقالة سابقة منشورة تغني الشاطئ اللبناني وتنميه، ووجودها ونشاطها مؤشر على التنوع البيولوجي وصحته. فالسلاحف الخضراء هي التي تحافظ على صحة السهوب العشبية والتي تشكل موائلا ومصدر غذاء للعديد من الأسماك والعوالق، وتشكل جزءا حيوياً من المنظومة الإيكولوجية البحرية، ومن دون السلاحف التي تعمل على تجديدها من خلال تناول أطرافها تتعرض هذه لفقدان قيمتها الغدائية، وهو ما يضر بكامل المنظومة ويضعف حيويتها وإمكانيتها، وبالتالي تنوعها وغناها، كذلك الأمر مع السلاحف ذات الرأس الضخم والجلدية الظهر في اعتمادها على قناديل البحر في نظامها الغذائي، وبالأخص جلدية الظهر، التي بعكس السلاحف الخضراء وذات الرأس الضخم المستوطنة للسواحل اللبنانية لا تعشش على الحوض المتوسطي ككل، بما في ذلك الساحل اللبناني، فقط تجول في مياهه وتقتات فيه قبل أن تهاجر مسافات طويلة في المحيط للتزاوح والتعشيش، ويسهم إستهلاك السلاحف البحرية بالأخص جلدية الظهر لكميات كبيرة من قناديل البحر إلى حفظ توازن المنظومة الإحيائية، ويحد من تكاثرها والذي يكون على حساب فصائل أخرى حيث تعتمد القناديل على الأسماك الصغيرة والعوالق والتي تشكل عناصر في سلسلة غذائية تشمل اصنافا لا حصر لها من الأسماك. وبالتالي فإن الحفاظ على السلاحف يصب في صلب تنمية الشاطئ اللبناني والحفاظ على تنوعه وغناه، وهو ما يفيد كامل الساحل وحرفة صيد السمك والتي تعتاش منها الاف العائلات، ويوفر فرصة لتطوير قطاعات على صلة بهذه الحرفة، فضلاً عن قطاع مجهول ومهمل بالكامل وهو السياحة البيئة، والقطاعان: صيد السمك والسياحة البيئة يوفران سبلا لتنمية مستدامة للمجتمعات المحلية الساحلية. بالمقابل فإن فقدان السلاحف يشكل كارثة، ويؤدي إلى فقدان أصناف أخرى، فضلاً عن تردٍّ سيصيب الموائل البحرية.

Green Area: انطلاقا من تجربتكم، ما هي الخطوات التي ترونها مناسبة لحماية صغار السلاحف؟

د. هشام يحيى: من الضروري أن يبدأ التعامل مع موضوع حفظ الحياة البحرية وكائناتها باعتبارها مسؤولية أخلاقية وثقافية وبيئة، فضلاً عن أنها عامل أساسي في التأسيس لتنمية مستدامة. كما الحيوانات اللاحمة والطيور، فالسلاحف البحرية تواجه اليوم خطر الإنقراض نتيجة غياب الإجراءات الوقائية الرادعة لحمايتها والحفاظ عليها. وفي ما خص صغار السلاحف ندعو إلى ترشيد النظر وتصنيف الشواطئ اللبنانية التي باتت عرضة لكل أشكال التعدي، سواء من خلال البناء عليها خلافاً للقانون أو صب شبكات الصرف الصحي بها أو رمي النفايات، ومؤخراً إستحداث مطامر النفايات عليها خلافاً لاتفاقية برشلونة وبروتوكولاتها المتعلقة بحماية البحر المتوسط والتنوع البيولوجي المتوسطي. ومن الضروري أن تستبق وزارة البيئة والداخلية والتربية والإعلام موسم التعشيش من كل عام يالتوعية على أهمية الحدث من جهة ومن جهة ثانية لاعتماد إجراءات حماية ورعاية للشواطئ اللبنانية التي سبقت الإشارة إليها. كما يفترض أن تتبنى المجالس البلدية الساحلية هذه الإجراءات، فضلاً عن ضرورة أن تضع جميعها تصورات تنموية لشواطئها وتعمل على منع التعدي عليها، وتحافظ عليها وعلى نظافتها سواء كانت مواقع نشاط للسلاحف أو لم تكن . كذلك ينبغي إعادة ترتيب أولويات المخططات التوجيهية المدينية، في ما خص المدن والبلدات الساحلية لتراعي خصوصية هذه الشواطئ كمواقع نشاط للسلاحف البحرية، والنظر إليها باعتبارها التزاما أخلاقيا وبيئيا وثقافيا وتنمويا. لا زلنا نعتقد أن الإجراءات يجب أن تتزامن مع حملات توعية متواصلة حول أهمية الحياة البرية وكائنتها تدخل في مناهجنا وحياتنا اليومية، ومن شأن ذلك أن يسهم في الحفاظ عليها ويحسن من التعامل معها، فأحياناً يلحق الضرر بالسلاحف نتيجة الجهل لكيفية التعامل معها وليس بقصد الأذية، والكثير من الناس معلوماتهم حول السلاحف قليلة، وهذه كانت الغاية من وراء مبادرتنا باقتراح والعمل على يوم وطني للسلاحف البحرية، والذي تحقق ومهد الطريق للتعرف بشكل أفضل على السلاحف وأهميتها وكيفية الحفاظ عليها.

Green Area: هل ثمة كلمة أخيرة؟

د. هشام يونس: بجب التشديد أيضا على إبقاء مرتادي الشاطئ الكلاب على مقربة منهم، ومنعها من دخول الشواطئ الرملية، فضلاً عن المحميات، التي تشهد نشاطاً اثناء موسم التعشيش، لان الكلاب تشتم رائحة البيض وكذلك السلاحف عن مسافة بعيدة، وقد تقوم بنبش العش غير الظاهر وتأكل البيوض أو صغار السلاحف الموجودة فيه، وايضاً يجب حظر دخول السيارات إلى الشواطئ الرملية والتي من الممكن ان تدمر الأعشاش.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This