ستفرغ بعض أعشاش طيور اللقلق البيضاء في قرى ومناطق من أوروبا الشرقية هذه السنة ممن بنوها غصنا غصنا، فقد ارتضى بعض الأشخاص أن يصبحوا قتلة، ولا نعلم ما دار بأذهانهم وهم يطلقون النار على ضحاياهم الغافلة؟ فهل “استمتعوا” بقتلها؟ وهل في هذا ما يسمونه “هواية”؟ وماذا يعني أن يقدموا على قتل طيور لقلق أعدادها بالعشرات وهي “تستريح” من طيرانها الطويل في خراج بلدة راشيا؟ وتاليا، هل في استباحة عشرات الطيور المتعبة وقتلها متعة؟
أسئلة تسوق نفسها ونحن نشاهد صور المجزرة، وقد بلغت الجرأة بهؤلاء أنهم لم يكلفوا أنفسهم عناء إخفاء جريمتهم، كما لم يقتلوا اللقالق لوجبة فاخرة، بل قتلوها، ببساطة لرغبة دموية في إراقة الدماء، ورميها بين الصخور، قاطعين عليها طريق العودة إلى حيث كان من المفترض أن تضع بيوضها.
أعداء الطبيعة
الصور الفاضحة تناقلتها مواقع التواصل الإجتماعي، ولا سيما موقع جمعية “الجنوبيون الخضر” على “فيسبوك”، صورة نافرة لطيور لقلق نافقة، وحولها خرطوش صيد، ووجه الناشطون الرسالة على شكل وسم “هاشتاغ” Hashtag، إلى #أعداء_الطبيعة، فضلا عن وسم آخر تحت عنوان #جرائم_قتل_الطيور، ووسم موجه للوزارات المعنية من بيئة وداخلية وبلديات والمسؤولين الأمنيين والمدعي العام البيئي، فضلا عن بلدية راشيا الوادي، واتحاد بلديات جبل الشيخ.
وجاء فيه: “قام مجرمون الخميس 25/08/2016 بارتكاب مذبحة بحق الطبيعة والحياة البرية والطيور المهاجرة، حيث عمدوا الى قتل عشرات طيور اللقلق أثناء استراحتها في خراج بلدة راشيا الوادي، وإزاء هده المذبحة وتواصل التعديات على الطيور والحياة البرية وحيواناتها نناشد رئيس بلدية راشيا الوادي الاستاذ بسام دلال ورئيس إتحاد بلديات جبل الشيخ الشيخ صالح أبو منصور ونعرف إهتمامهما وحرصهما على البيئة والحياة البرية التدخل للتحقيق بهذه الجريمة ومعاقبة الفاعلين، واتخاذ إجراءات سريعة ورادعة لوقف التعديات على الطيور المهاجرة وعلى الحيوانات البرية في المنطقة، والتي سيكون لها أضرار جسيمة على التنوع البيولوجي والمنظومات الحيوية الفريدة على منحدرات وتلال جبل حرمون (الشيخ)، والتي تشكل إرثا طبيعيا وبيئيا وطنيا”، وطالب الناشطون “مخافر قوى الأمن الداخلي في المنطقة التدخل لوقف التعديات واعتقال الفاعلين وهي صلاحيات أقرها قانون الصيد اللبناني”.
الجنوبيون الخضر
وفي اتصال مع رئيس جمعية “الجنوبيين الخضر” الدكتور هشام يونس قال لـ greenarea.info “إن موضوع التعدي على الحيوانات البرية كما هو معلوم، وعلى الطيور سواء المهاجرة والمقيمة، هو من الموضوعات والقضايا ذات الأولوية التي تتابعها الجمعية، وقد وصلتنا في الآونة الأخيرة العديد من الصور، وأنباء عن إطلاق نار، وكنا لا نستطيع توثيق الصور، والتأكد من أنها دقيقة وأن تكون بتاريخ حديث وأن نتأكد من مكان التصوير لتوثيقها ومتابعتها لدى السلطات المختصة، أو البلدية، وبالفعل في أيار (مايو) الماضي، في خراج بلدتي ميمس والكفير في حاصبيا، حصل تعد من هذا النوع على طيور اللقلق وتم توثيقها ووصلتنا الصور، وعلمنا من المتعدين بالأسماء، وكانوا حينها ثلاثة قاصرين وحركنا المسألة وتابعناها، وتوجهنا بكتاب إلى البلدية والتي لها صلاحيات لمتابعة هذه الأمور، وبالفعل تم استدعاء المتعدين إلى المخفر وكان هناك إجراءات عقابية بحقهم”.
وأضاف يونس “وهنا لا بد أن نشير إلى دور بلدية ميمس المتجاوب في هذا الأمر ومتابعتها وجهودها في هذا المجال”، وقال “وهنا أشدد على كلمة التوثيق فالصورة يجب أن تكون في مكان محدد وبتاريخ محدد، وهي مسألة دقيقة وإلا لن نستطيع متابعتها لدى السلطات المختصة”.
وأشار يونس إلى أن “التعدي الجديد كان يوم الخميس في 25 آب (أغسطس) وحصلنا على المعلومات من زملاء ناشطين بيئيين موجودين في المنطقة يتعاونون معنا”، وتابع “كما وجهت الجمعية اليوم كتابين رسميين لبلدية راشيا الوادي، ورئيس اتحاد بلديات جبل الشيخ الذي تتبع له بلدية راشيا الوادي، وكانت قد أتتنا معلومات عن حالات صيد للكثير من الحيوانات البرية اللاحمة من نياص (قنافذ)، غرير، ثعالب حمراء، ضباع مخططة، وذئاب، وبالنسبة لرئيس بلدية راشيا الوادي بسام دلال فقد وعد باتخاذ كافة الإجراءات، وسيقوم بالتحقيق في هذا الأمر ومتابعته شخصيا، وسيحرص على أن من ارتكب هذه المجزرة سيتلقى عقابه، وأشكره على تجاوبه الكامل في هذا الموضوع، وقد تواصلت معه شخصيا، فضلا عن الكتاب الخطي الذي وصله”.
خط ساخن
وقال يونس “كما اتصلت بالشيخ صالح أبو منصور رئيس اتحاد بلديات جبل الشيخ، الذي كان متجاوبا للغاية، وخصوصا لاهتمامه بالبيئة والإجراءات المتخذة من قبل الإتحاد، وحرصه ولا سيما في آلية التبليغ عن هذه التعديات، بحيث يوجد خط ساخن، وهو الرقم 76 909 767، وهذا إن دل على شيء فعلى جدية وحرص الإتحاد على البيئة، وأوجه تحية له وللإتحاد على هذه الإجراءات الهامة في الإتحاد، وهي ضرورية، وسنعتمد هذا الرقم في جمعيتنا لأي تبليغ، حول أي تعد يطاول الحيوانات البرية أو الطيور المهاجرة”.
ولفت يونس إلى أهمية هجرة الطيور لصالح المنطقة والمزارعين فيها، فقال: “في هجرة هذه الطيور، وأماكن استراحتها، تحافظ على التوازن Balance في التنوع البيولوجي Biodiversity، وخصوصا لبعض الحشرات والقوارض، فهي تحافظ على أعدادها كي لا تصبح بأعداد تخل بالتوازن وتشكل ضررا على الأراضي الزراعية، وخصوصا اللقلق فإنه يُصنف ضمن اللواحم، لأن نظامه الغذائي يعتمد على مجموعة واسعة من الحشرات والأسماك والبرمائيات (الضفادع بشكل كبير) والزواحف والثدييات الصغيرة والديدان الارضية، لذا يؤدي اللقلق الأبيض دورا حيويا في الحفاظ على التوازن الإيكولوجي على طول مسار هجرته ومواقع استراحته ومنها لبنان وههي خدمة خاصة للمزارعين والأراضي الزراعية ولا سيما انه لا يعتمد في نظامه هذا على النباتات”.
اتحاد بلديات جبل الشيخ
ومن الجدير ذكره في هذا المجال أن اتحاد بلديات جبل الشيخ نشر أيضا تنبيها حول الصيد مفاده “يمنع منعا باتا التعرض للطيور المهاجرة من الكواسر وطيور اللقلق، تحت طائلة الملاحقة القانونية، تطبيقا لبنود قانون الصيد اللبناني وتعليمات وزارتي البيئة والداخلية والبلديات وقرار الإتحاد بالتشدد في تطبيق القانون، كما يمنع منعا باتا صيد الحساسين والحجال حتى في مواسم الصيد لمدة سنتين، وذلك بقرار مجلس الإتحاد والقاضي بإعادة فتح الموسم في 15 تشرين الأول (أكتوبر) 2019، ضمانا لتجدد الفصائل المهددة بالإنقراض، وضمان الإستدامة البيولوجية في المنطقة”، وشدد الإتحاد على “وجوب احترام أماكن الصيد، واتخاذ تدابير الحيطة والحذر والابتعاد عن الأماكن السكنية والتمديدات الكهربائية وشبكات الهاتف”.
في النهاية، إن أقل توصيف لما قام به هؤلاء الصيادون، هو إرهاب غير مسبوق بحق الطبيعة والبيئة، وثمة كثيرين غيرهم يتجاوزون القوانين ويمارسون كافة الارتكابات بحق البيئة ويتمادون في قتل الطيور وقتل كل ما هو جميل في هذا البلد، ويمعنون في تشويهه.