إذا ما تتبعنا مسار التحضيرت للانتخابات الرئاسية الأمركية، لا نجد إلا التنافس التقليدي بين الحزبين الرئيسيين الجمهوري والديموقراطي، فالأميركيون منقسمون دائما بين هذين الحزبين، وهما يمثلان توجهات قوى اقتصادية وكارتيلات المال والأعمال، ولم يتمكن أي من الأحزاب الأخرى تاريخيا ليس من المنافسة فحسب، وإنما من الوصول الى دائرة الضوء، خصوصا وأن حملات المرشحين تقدر بمئات الملايين من الدولارات، باستثناء الناشط السياسي من أصل لبناني المحامي رالف نادر، يوم شكل ترشحه في تسعينيات القرن الماضي مؤشرا على نمو تيار يساري جديد على الساحة السياسية الأميركية، بالرغم من أنه خاض غمار الاستحقاق كمرشح مستقل، وقبلها عن “حزب الخضر” الأميركي، قبل يأفل نجمه في مطلع القرن الحالي.
انحصر السباق إلى البيت الأبيض بين الديموقراطية هيلاري كلينتون، وهي مرشحة أصحاب الشركات والمؤسسات المالية في الولايات المتحدة، وسياساتها في حال نجاحها لن تكون أكثر من تعبير عن مصالح هذه الشركات، فيما المرشح الجمهوري دونالد ترامب الذي وعد في حال فوزه بإلغاء اتفاقية باريس للمناخ (2015)، فيحظى بدعم شركات النفط والفحم، وسيكون المدافع عن مصالحها، فضلا عن ما يبدي من عنصرية تجاه المسلمين والأميركيين اللاتينيين، والأميركيين الأفارقة، والمجاهرة بكراهيته لهم.
الصفقة الخضراء الجديدة
وثمة مرشحون يمثلون أحزابا أيضا، لكنهم لا يحظون بمساحة إعلامية وإعلانية وسط التنافس بين الديموقراطيين والجمهوريين، وأبرزهم الدكتورة جيل شتين Jill Stein، المرشحة عن “حزب الخضر الأميركي” US Green Party، دون أوهام بأنها ستكون قادرة مع حزبها على فرض معادلة جديدة لجهة كسر ثنائية الحزبين الأقوى، وهي تخوض معركة إيصال صوت “الخضر” الأميركيين، من باب تذكير الرأي العام الأميركي بأن ثمة قوة تمثل توجهات بيئية في بلد لا يعترف بعض سياسييه بظاهرة الاحتباس الحراري، ولا بأزمة مناخ، ومعظمهم ينتمون إلى الحزب الجمهوري.
ومن المفارقات الغريبة أن شتين هي المرشحة الوحيدة التي ذكرت مشكلة الاحتباس الحراري في خططها وتاليا في خطابها الانتخابي، والتي دعت إلى تخطي حقبة الوقود الأحفوري وإنهاء استخدام مختلف أنواع هذا النوع من الوقود، كالفحم والبنزين والبترول، فضلا عن الطاقة النووية بحلول عام 2030، وهي وعدت أيضا بتوفير فرص عمل حكومية بميزانية تبلغ 500 بليون دولار، بالإضافة إلى وعدها الذي أسمته بـ “الصفقة الخضراء الجديدة”، والذي يختص بالنظام الصحي الأميركي، وهو يهدف إلى التقليل من نسب مرض السكري والربو في الولايات المتحدة.
عدم الأخلاقية وفقدان الثقة
لم تكن جيل شتين أول مرشحة عن “حزب الخضر” للانتخابات الأميركية، فقبل ستة عشر عاما، وكمرشح عن “حزب الخضر” في ولاية فلوريدا خاض رالف نادير Ralph Nader المعركة الرئاسية، دون أوهام أيضا من إمكانية حصد عدد كبير من الأصوات، إلا أنه تمكن وبحصيلة قاربت 97000 صوتا، من إرباك مرشحي الحزبين التقليديين وحرمهما هذه الأصوات.
أشارت شتين في تقرير صحافي إلى أن الولايات المتحدة تمر الآن بوقت عصيب، فلم يظهر على الساحة من قبل مرشحون بهذا الكم من عدم الأخلاقية وفقدان الثقة، وهم أكثر المرشحين الذين يتمتعون بتقلبات حسب مصلحتهم الشخصية، وحلت شتين في نهاية القائمة بنسبة 3.4 من المؤيدين، ومن ثم جاء حزب التحرريين بمرشحه جراي جونسان بنسبة 8.9، ومن ثم دونالد ترامب بنسبة 37.3 عن حزب الجمهورين، وأخيرا مرشحة حزب الديموقراطيين هيلاري كلينتون بنسبة 41.6.
شتين تدافع عن سنودن وأسانج
ودافعت شتين في مواقفها الرافضة للفساد عن “ويكيليكس”، ووصفت جوليان أسانج وإدوارد سنودن وتشيلسي ماننغ بـ “الأبطال”، لدورهم في تسهيل وصول الناس إلى الحقيقة، وماننغ هي المجندة الأميركية التي حكمت بالسجن المؤبد في بلادها، بسبب تسريبها الجزء الأكبر من وثائق “ويكيليكس” قبل سنوات.
تجدر الاشارة إلى أن شتين كانت مرشحة في العام 2012 ولم تحصل على أكثر من نصف مليون صوت، وثمة من يعتبر من المحللين المتابعين لمعركة السباق الى البيت الأبيض أن توجهات الناخبين العرب في الولايات المتحدة، وغالبيتهم الساحقة من الناخبين العرب والمسلمين تقف ضد المرشح الجمهوري ترامب، لكنها لا تجد في كلينتون البديل المرغوب به، وأن بعضهم سيصوت لمصلحة مرشحة “حزب الخضر” شتين.