كشفت الجلسة الثانية للجنة المال والموازنة التي عقدت في قاعة مكتبة مجلس النواب، عن “عورة” مستفحلة على مستوى الادارة اللامركزية للنفايات، باستثناء بعض التجارب الريفية الصغيرة في بيت مري وبكفيا، علماً ان التجربة في هاتين البلدتين لم تغنِ عن الطمر أو التخزين بانتظار الطمر، لنسبة لا تقل عن ٣٠ بالمئة من النفايات.
رئيس اتحاد بلديات كسروان الفتوح جوان حبيش طلب الاستماع الى رأي وزارتي الداخلية والبيئة قبل ان يدلي بموقفه بأن الاتحاد جاهز لحل لامركزي، لكن لم يُتفق على موقع للمشروع، لافتاً الى ان كسروان عادت لتغرق بالنفايات وهذا أمر مرفوض من الاتحاد.
رئيسة اتحاد بلديات المتن ميرنا المر، ذكرت بالمشروع الذي اطلقه الاتحاد قبل اشهر والذي يضم معالجة النفايات بكلفة لا تزيد عن ٢٥ دولارا دون احتساب النقل، لكن الاتحاد اصطدم بتعارض الموقع الذي طرحه مع مخطط مصدق لإمرار بوليفار المتن الساحلي، الامر الذي ادى الى رفضه من قبل وزارة الوصاية.
رئيس بلدية الجديدة – البوشرية – السد انطوان جبارة، كان الأكثر حدة من بقية رؤساء البلديات في موقفه. وبالنسبة لجبارة فإن النفايات “ميت يجب ان يدفن قبل ان تطلع ريحته”. وأكد أنه مستعد للمناقشة في تفاصيل التفاصيل، لكنه لن يحتمل ان يخوض اي نقاش قبل رفع النفايات من الطريق، مهدداً بأنه قد ينقل النفايات الى الأتوستراد الرئيسي ويقطع طريق طرابلس – بيروت اذا لم تُحل الازمة!
رئيس اتحاد بلديات ساحل المتن الجنوبي ريمون سمعان، بشّر بوجود قطعة ارض في نطاق الاتحاد بمساحة تزيد عن ١٣ الف متر مربع، وانه إذا الاتحاد اطلق مشروعا لاقامة معمل على هذه الارض فسيكون جاهز بعد ١٤ شهراً. طبعاً المشروع لم يمر على وزارة البيئة للمصادقة على خلفيته التقنية، ولم يمر على الفريق الفني المركزي المفترض ان يعمل ٢٤/٢٤ في وزارة الداخلية، هو مشروع ارتجلته البلدية وتفترض انه سيكون ناجحا وشفافا ويحل الازمة، ولكن الى حينه فإن سمعان، يريد ان تنقل نفاياته الى برج حمود، دون ذلك، فإن الازمة تزحف الى منازل ناخبيه وهو لن يحتمل الامر!
رئيس اتحاد بلديات المتن الاعلى مروان صالحة مستعد للمساهمة في تكريس الفرز من المصدر، لكن الاتحاد الذي يرأسه ليس لديه موقع وليس لديه مشروع، وليس لديه النية للقيام بحل لامركزي في المرحلة الحالية، برأيه اذا التزمت البلديات بالخطة المركزية والتزمت الفرز من المصدر، فإن الخطة سيكتب لها النجاح.
رئيس اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية محمد درغام اختصر الازمة بجملة واحدة “الوقت يسبقنا عجلوا بحل المحارق لأنه المنقذ الوحيد على المدى الطويل”. درغام العائد من زيارة الى برشلونة شاهد المحرقة في اسبانيا وتأكد انها من الجيل الرابع وغير ملوثة، وهو مقتنع ان الضاحية الجنوبية التي يقطن فيها مئات الآلاف من السكان يضاف اليهم سكان المخيمات الفلسطينية لن يتخلصوا من نفاياتهم مستقبلاً الا عن طريق تقنية التفكك الحراري، والى حينه فإن الاتحاد مطمئن الى ان احداً لم يعرقل مطمر “الكوستابرافا”، لذلك لم يكن اكثر من مستمع في الجلسة النيابية التي امتدت لأربع ساعات ونصف الساعة، وركزت بشكل كامل على ازمة مطمر برج حمود – الجديدة – البوشرية – السد.
رئيس بلدية برج حمود مارديك بوغوصيان، شدد على ضرورة احترام قرار مجلس الوزراء، ودون ذلك فإن الطريق الى المطمر مقفلة الى حين الالتزام ببنود قرار مجلس الوزراء.
جولة المداخلات البلدية، لخصها رئيس لجنة المال والموازنة ابراهيم كنعان بسؤال بقي دون اجابة طيلة الجلسة: “اذاً ما حدا جاهز قبل سنة أو سنة ونصف ماذا سنفعل الى حينه؟”.
ساعات من النقاشات السياسية والمداخلات من مختلف الاطراف بمن فيهم وزير الزراعة المكلف ملف النفايات اكرم شهيب افضت في النهاية الى اجماع الحاضرين بضرورة رفع النفايات من الشوارع! لكن النائب كنعان، الذي بشّر اللبنانيين بأن اعضاء اللجنة توصلوا الى هذه الخلاصة، لم يعلن الى اين سترفع النفايات؟ الواضح، ان اياً من الاطراف المعنية بالملف لم يتراجع عن موقفه، لا بل ان الاقتراحات التمييعية التي قدمت خلال الاجتماع عقّدت المواقف السياسية وصلّبتها، لا سيما لجهة موقف حزب الطاشناق الذي غادر ممثله النائب هاغوب بقرادونيان الجلسة غاضباً، على خلفية محاولة إمرار المشروع على ان يكون مقتصراً حصراً على برج حمود واستبعاد الجديدة.
وقال: “آسف ان ابلغ اهلنا وناسنا في كل مناطق كسروان والمتن وقسم من بيروت ان النفايات ستبقى مكدسة في الطرقات، لأننا سمعنا منذ مدة تهربا من المسؤوليات السياسية، وكل واحد يحمل منطقتنا برج حمود تبعة النفايات. يحملون هذه المنطقة وزر النفايات منذ عشرات السنين مع روائح كريهة وجبل النفايات والكازخانات والروائح المنبعثة منها ومن شركات الغاز و”فهمكم كفاية” عن هذه الروائح”.
واضاف: “لاحظت اليوم في لجنة المال، ومع حضور رؤساء اتحادات البلديات ورؤساء البلديات، كلهم يطرحون حلولا لسنة أو سنتين، عما أن الحل الانسب الذي نطالب به لم يطرحه احد، بل على العكس بدأوا يتحدثون عن برج حمود وبالعربي المشبرح “تصطفل بحالها” وتتحمل مسؤولية نفسها، اقول لهم: لا، كفى، فلتتحمل كل منطقة مسؤولياتها، ونحن لا دخل لنا في الموضوع ومن الان وصاعدا لا مطمر ولا جبل نفايات ولا تخزين نفايات في برج حمود. وعندما يعودون الى قرار الحكومة وتطبيقه بكل حذافيره نتحمل المسؤولية، ونرفض اليوم ان ترمى أي كمية من النفايات. ولتتحمل كل بلدية مسؤولياتها وليتحمل كل نائب وكل كتلة مسؤولياتها”.
تصلب حزب الطاشناق الرافض لتجزئة الحل في مطمر برج حمود – الجديدة، قابله تصلب مماثل من حزب الكتائب الذي رفض رئيسه النائب سامي الجميل جميع المبادرات التوفيقية التي طرحت، بما فيها عرض “مجلس الانماء والاعمار” ان يتم التخفيف من طمر النفايات في الموقع بشكل تدريجي، بالتزامن مع انتقال البلديات الى حلول لامركزية ضمن نطاقها العقاري. وبقدر ما أوحت مداخلات جميع الاطراف، ان الخلفية التقنية البيئية هي التي تحكم مواقفها، فإن جانبا هندسيا – عقاريا كان واضح المعالم لجهة الملاحظات التي قدمت ضد المشروع، خصوصاً في الرقعة المقابلة لمنطقة الجديدة – الشورية – السد، والمحاذية لخط انابيب نقل النفط من السفن الى خزانات الوقود الموجودة في المنطقة والمملوكة من شركات عدة، طلب منها وفق الخرائط المصممة أن تنظم خطط الانبابيب وتلتزم بمجموعة من الاجراءات التقنية التي كان يفترض ان تكون ملزمة بالقيام بها منذ سنوات. كما بدأت تظهر الى العلن تلميحات حول وجهة استعمال الاملاك العامة البحرية في المنطقة، وان الطريقة التي صمم فيها المشروع الحالي للمطمر تتعارض مع العديد من المشاريع العقارية لإشغال مساحات من الاملاك البحرية، يخطط لها عدد من الشركات العقارية والمستثمرين بدعم من قوى سياسية عدة.
خلاصة اجتماع لجنة المال والموازنة لم تفض الى حل يضمن إعادة فتح موقف التخزين المؤقت في برج حمود، واستكمال اعمال تجهيز المطمر الصحي. لكن كنعان المصر على التوصل الى تسوية ترضي جميع الاطراف، اعلن انه “تم الاتفاق على أن تكون هناك مرحلة انتقالية تدوم لفترة أقصاها سنة لعدم جهوزية البلديات لبدء معالجة النفايات ضمن اطار اللامركزية”. واضاف: “اذا كان الحل هو اللامركزية، فالمطلوب توفير الامكانيات اللازمة، والخطة النهائية تبدأ بتشكيل هيئة تنسيق واشراف تعمل بالتعأون مع السلطات الرسمية والبلديات، يكون دورها متابعة عملية تطوير اللامركزية”.
وأعلن “اننا قررنا المتابعة مع البلديات والداخلية وتحفيزهم على أن تكون هناك نتائج عملية خلال هذا العام، وقررنا البدء برفع النفايات عن الطرقات فور إقرار الأطر التنفيذية”.
وأوضح ان “الاختلاف كان حول طريقة العمل في الواجهة البحرية، وهناك أفكار تطرح للوصول الى قرار”، مؤكدا انه “ستكون هناك متابعة مع المعنيين خلال الساعات المقبلة لإيجاد حل”، واكد ان “لا إمكانية واقعية لتخزين النفايات في مناطق اخرى حاليا”، وقال: “نريد أن نوفق بين هواجس حزب الطاشناق وبين التطورات التي يفرضها علينا الشارع”.
وفي مقابل جرعة التفاؤل التي حاول كنعان ضخها، لم يتبين بعد ان كانت ثمة امكانية فعلية للخروج بحل يرضي جميع الاطراف، التي قد تتراجع عن موقفها مع استفحال ازمة النفايات المتراكمة في الطرقات والتي ستستقبل طلاب المدارس مع بداية العام الدراسي، اضافة الى ان معالمها قد بدأت بالظهور بشكل مستفحل بالقرب من المستشفيات والمدارس ودور العبادة والاحياء المكتظة بالسكان.