فيما كانت الجلسة الثانية للجنة المال والموازنة منعقدة في قاعة مكتبة مجلس النواب، المخصصة للاستماع إلى رؤساء بلديات واتحادات بلديات في قضاءي بعبدا والمتن في ما خص أزمة النفايات الناشئة، كانت ثمة صرخات يطلقها مواطنون رفضا لواقع استبدّ معرِّضا حياتهم للخطر، كانت أشد بلاغةً بالوجعِ من كل المداخلات في الجلسة التي لم تفضِ الا لمزيد من التشنج، وكأن ثمة سيناريو أعد بإتقان، عنوانه “التيئيس” للقبول بمطمر برج حمود وإن اقتضى الأمر ردم البحر، وتحويل هذه المنطقة إلى “مطمر ناعمة” آخر، مطمر بحري بمواصفات لم ترق إليها الدول العريقة في حماية بيئتها ومعالمها الطبيعية!
وكانت أكوام وأكداس النفايات تضيِّق الخناق على المواطنين، وتنغص عليهم حياتهم، لكن تصدرت في اليومين الماضيين مشكلة تهدد بتلوث ينابيع المياه الجوفية في أنطلياس التي تغذي منطقة المتن الساحلية، فضلا عن بدء اعتماد حرق النفايات، وهذا ما رصده greenarea.info، فضلا عن أنه من المتوقع أن تتوالى مظاهر الأزمة في وجهها الكارثي في أكثر من مدينة وبلدة.
جمعية بلدتي
وفي هذا السياق، قال مؤسس “جمعية بلدتي” المهندس شاكر نون لـ greenarea.info: “كنا قد تنبأنا بما سيحدث، وكنا ننتظر ما سينتج عن لقاء لجنة المال والموازنة اليوم الأربعاء، ولكن كنا نتوقع أيضا أن يمر هذا الإجتماع مع البلديات دون أن يحدث شيء وكأنه مجرد رفع عتب، فالبلديات غير حاضرة، ولا يوجد قرار أعلى يلزمها بأي أمر، نحن نقول نريد حلا سريعا، فالهيئة المقترحة في البيان الذي أصدرناه قبل يومين، وذكرنا فيها أنه في بداية 2016 أطلقنا صرخة لإنشاء خلية أزمة، ولم يتجاوب أحد، واجتمعنا بوزارة البيئة وطلبنا من قائمقام المتن (مارلين حداد) ترؤس خلية الأزمة في القضاء ولم يحصل أي شيء خلال تسعة أشهر، وعندما أنشأنا التجمع كانت الفكرة هي جمع المعنيين على طاولة واحدة، وبالفعل جمعنا وزارة البيئة بشخص الوزير، القائمقام، اتحاد البلديات والجمعيات البيئية في قضاء المتن والأحزاب الأربعة الأساسية والتي لديها نوابا ووزراء، وهي “القوات” و”الطاشناق” و”التيار” و”الكتائب”.
وأضاف: “اجتمعت الخلية أربع مرات، وكانت نتيجتها انتظار مشروع اتحاد بلديات المتن لجهة إيجاد خطة لامركزية لقضاء المتن وضعت بالإتفاق مع وزارة البيئة سمت خمسة مواقع في قضاء المتن لكسارات ومقالع، ولدى وزارة البيئة صلاحية أن تتصرف بموجب كفالات بنكية، وتتكامل مع حل مركزي كمشروع متكامل مع اتحاد بلديات المتن، وهي خطة متكاملة: خمس مواقع في القضاء، موقع مركزي في برج حمود وخمس معامل على مستوى القضاء، لم ينفذ منها حتى اليوم إلا معمل بكفيا وبشكل جزئي، وبداية لمعمل في بيت مري، ويوجد تقصير من البلديات، فخلال هذه السنة كان يمكنها أن تنشىء الخمس معامل، بالإضافة لفشل معمل اتحاد البلديات بسبب اشكالية عقارية في موقع المعمل لأن الأرض لا يمتلكها، ولم تحصل على الترخيص اللازم من وزارتي الداخلية والبيئة، فوصلنا إلى حائط مسدود بالنسبة لهذا الموضوع، وفشلت البلديات بإيجاد الحل”.
الفرز قبل الطمر في برج حمود
وقال نون: “نحن مع إدارة الملف لامركزيا، ما يعني إشراك المعنيين من بلديات، واتحاد بلديات ومجتمع مدني، بهيئة تديره وتملك كافة الصلاحيات من الجهات المركزية من وزارة الداخلية ومجلس الإنماء والإعمار والحكومة عامة، وهذه الهيئة يمكن إنشاؤها اليوم بموجب قرار بلدي، ومن اتحاد البلديات بحيث يكون مركزها فيه، وتبدأ بأخذ الإجراءات بالفرز من المصدر، المناقصات، المطامر وكل هذه المواضيع، فالمشكلة أن لا مرجعية لهذه الخطة على مستوى القضاء، فأحيانا يمسك المسألة نائب وساعة حزب، مع غياب تام لاتحاد البلديات”.
ورأى أن “المشكلة في لبنان تتمثل في أن إدارة النفايات تتم بغطاء سياسي أو مالي”، وقال: “في قضاء المتن لا شك أن ثمة تجاذبا سياسيا، ولا وحدة موقف وهذا ما ذكرناه في آخر بند من بيان الجمعية، وهو الإتفاق على هذه المواضيع الحيوية وللأسف لا انسجام، ولا قرار من اتحاد البلديات، وبغية تصويب الأمور ندعو الاتحاد لإنشاء هذه الهيئة في المرحلة الأولى، وفي المرحلة الثانية تسريع العمل بمعملي الكرنتينا والعمروسية فورا، لأنه ملحوظ في الخطة الحكومية لجهة توسيعهما وتحسينهما، ليضاعفا قدرات استيعابهما، وقد يستعينا بشركات ثانية في محيط المعملين على أن يزودا بمعدات تساعد على الفرز، وقد سمعت البارحة رئيس بلدية الجديدة يقول أنهم مستعدون لارسال عمال للمساعدة، فاليوم يجب أن نعمل جهدنا لتطبيق عملية الفرز قبل الطمر في برج حمود، وأن نصل إلى نسبة من 30 إلى 50 بالمئة تحتاج إلى الطمر، مع معالجة جبل النفايات، وهذه العملية قد تعطينا فرصة سنة، وخلالها من المفروض أن تقوم الهيئة بإنشاء خمسة معامل لامركزية على مستوى القضاء، مع ترسيخ فكرة الفرز من المصدر، وقد واجهت الخطة الموضوعة من قبل النائب غسان مخيبر المشاكل كونها تفتقد إلى التشريعات الضرورية، ويبدو أن النواب قد أفاقوا أخيرا، وعادت اللجان للتحرك، إلا أن هناك الكثير من المصاعب، ولا نريد أن نرمي العبء على البلديات فقط ونظلمها، فلا صلاحيات لديها، وليس في موازنتها بنودا خاصة بمعالجة النفايات، فلا أبواب خاصة بالمحاسبة للصرف على موضوع النفايات، وهذه التشريعات بحاجة لتعميم من وزارة الداخلية، تحت هذا الضغط يجب أن تؤخذ المطالبات من الوزارات المعنية، ولا يمكنهم ترك البلديات، ولا صندوق بلدي مستقل ولا تمويل ولا تشريعات، ويقولون لهم تصرفوا”.
وبخصوص موقف الوزير بقرادونيان، أن لا مكب في برج حمود وعلى كل بلدية معالجة نفاياتها، وصف نون موقفه “بالعاطفي لا العملي”، وقال: “وافقت ووقعت بلدية برج حمود على القرار، ومن مصلحتها التخلص من جبل النفايات، ونحن معها بأن لا يكون هناك طمر عشوائي، وبالتالي، فإن مكب برج حمود سيحل مشكلة الجبل، وسيستوعب العوادم بنسبة 10-15 بالمئة من منطقة كسروان والمتن وقسم من بيروت، وهناك أقاويل بأن هناك نفايات من الشوف، وغيرها من المناطق، ولذا من المهم أن نلتزم ضمن المناطق التي تفرز لأننا لا نزال في ظل حل لامركزي، ليعالج كل قضاء نفاياته وبيروت نتقاسم نفاياتها، قسم في الكوستا برافا، وقسم في برج حمود”.
وعن الأزمة القائمة في أنطلياس، قال نون: “اليوم قبل غدا، على النفايات أن تجمع من الشوارع وإلا سنعود إلى الكارثة التي عشناها ثمانية أشهر، وتركت البلديات لتطمر نفاياتها، ولدى انطلياس كسارات، كل مرة تستعملها، الجديدة ترمي في نهر الموت، وبيت مري في وادي لامارتين، فنحن نتجه إلى ضرر مضاعف أمام ضرر برج حمود، وهو ضرر المكبات العشوائية، فعلى سوكلين أن تجمع النفايات وبأسرع وقت ممكن، لأن توقف سوكلين عن جمع النفايات اليوم، بينما في حال الأزمة الماضية ظلت سوكلين لمدة ستة أشهر تعاني وتجمع النفايات في الكرنتينا وفوق طاقتها ولم توقف الجمع، بينما في أزمة المتن ومنذ اليوم الثاني توقفت عن جمع النفايات، فليقوموا بجهد ويجمعوا النفايات من الشوارع، ويضعوها قرب معاملهم في الكرنتينا وقرب نهر بيروت، وفي المكان الذي كانوا يجمعون فيه”.
رئيس بلدية انطلياس
وقال رئيس بلدية انطلياس ايلي أبو جودة في اتصال مع greenarea.info: “نحن في البداية كنا متكلين على سوكلين، وكنا قد بدأنا بالفرز في الأزمة السابقة وابتدأ كل بيت يفرز نفاياته، وسنعود للفرز من جديد، لتقرر الدولة كيفية وطبيعة المعالجة، حتى تستطيع في ما بعد أن تقوم كل بلدية بمعالجة نفاياتها بنفسها، فلم تعطنا الدولة أي طريقة للمعالجة، خصوصا وأن ليس لدينا المساحة أو المسافة الكافية لنتمكن من معالجة النفايات الصلبة، ولنتمكن من معالجتها بالطريقة الطبيعية من كومبوست وغيره، لذا لا بد من معالجتها بمحرقة أو محطة تفكك حراري، وهو خيار معتمد في كل أنحاء العالم وفي أهم مدن العالم، ولست بخبير في هذا الموضوع، ولكن أعلم أنها موجودة في باريس ونيويورك وغيرها من مدن العالم، ولا أعرف سبب معارضتها هنا، وهناك مشروع لاتحاد البلديات ويحتاج لمصادقة الدولة اللبنانية كمركز لتجمع مركزي للنفايات”.
وأشار إلى أنه “كان ثمة حل مؤقت هو بالفرز من المصدر، ونحاول أن نفرز حتى تقرر الدولة ما ستعتمده بالضبط”.
أنطلياس… تحرك على الأرض
وأشار المحامي إيلي صافي إلى أن “الخطوات لا زالت ضمن إطار إعلامي وترويجي، وقد يحصل في اليومين القادمين تحرك على الأرض بخصوص موضوع النفايات، وكما شاهدنا اليوم، فلجنة المال والموازنة تتجه نحو لامركزية إدارة هذا الملف، أما المشكلة التي نحن امامها، أن النفايات تملأ الشوارع، ولا حل ولا بحث في حل، أو التفكير بحل منتج، وينتظرون الدولة اللبنانية لتتحرك في هذا الإطار، وإن لم تتحرك، فنتجه في أنطلياس نحو كارثة بيئية”.
وانتقد صافي “عدم مبادرة البلدية لجهة أنها لا تقوم بأي عمل يذكر في هذا الإتجاه، وبعكس بلديات أخرى تبادر لرفع النفايات، مثلا في الجديدة، والدكوانة، ما يؤكد أن هناك إمكانية للحل، والحل موجود، ولكن لا مبادرات في هذا المجال، وهو موضوع الفرز من المصدر، وبرأينا هو أهم وأسرع عملية بدلا من ترك النفايات في الأرض، ولا يتوجب انتظار أزمة لنحضر أنفسنا، وهذا الأمر لا يتم التفكير أو العمل به، فبعد إقفال مكب برج حمود عادت المشكلة إلى الواجهة، وهنا يجب أن نذكر بأن هذه النفايات الموجودة على الطرقات لا يمكن معالجتها، ويجب أن تعالج في مطمر كونها بقيت في الشوارع لفترة تزيد عن أسبوعين، فالمشكلة أصبحت مشكلتين، ومثلما عانينا منها منذ سنة، للأسف فالإتجاه للامركزية، علينا التحضير لآلية وأي آلية تحتاج للوقت، مثل الفرز من المصدر ومعمل وغيره، وهي على الأقل 6 أشهر لتنفذ على الأرض مع تأمين كافة المواصفات، ولا يمكننا إيجاد حل خلال 24 ساعة، وعلينا الإستمرار لفترة تصل إلى بضعة أشهر لنحصل على نتيجة”.
وعن تبعات هذه الأزمة على أنطلياس، قال صافي: “من أخطر تبعات هذه الأزمة، هو أن أنطلياس تحتوي على مخزون الماء للمتن والساحل كله، وقليلون من يعرفون هذه الحقيقة وهي أن مياه أنطلياس تغذي كامل ساحل المتن ومنطقة الضبية وقسما من بيروت، فتحت هذه المنطقة هناك أكبر خزان للمياه الجوفية، وهناك مشكلة الحشرات والحر ومشكلة حرق النفايات، وخصوصا في الليل، وبالأمس تم حرق مكب للنفايات قرب (معمل الريم للمياه) على أوتوستراد أنطلياس، بالإضافة للمستوعبات والتلال على الأرض في الطرقات الداخلية والفرعية، وكنا قد نبهنا إلى مخاطر الحرق منذ الأزمة السابقة، وللأسف فلا من يستمع، وثلاثة أرباع المشكلة برأيي في الأزمة الحالية، هي بوجود أشخاص غير مؤهلين في البلديات لإدارة مرفق عام فكيف هو الحال في الأزمات”.