أدهم جابر – السفير
وكأنه كتب على اللبنانيين أن يعيشوا الانتهاك المعنوي تلو المادي. ثم يرد الأمر باعتباره خطأ شركة أو «غلطة» موظف. وكل ذلك في غياب أجهزة الرقابة الرسمية عن القيام بدورها لجهة الحرص على صحة المواطنين وسلامتهم.
لم يكفهم تراكم النفايات المستمر منذ أسبوعين في معظم مناطق المتن وكسروان وبيروت. كل يوم يصحون على وعود وينامون على أخرى، قبل أن يكتشفوا أن الأزمة على ازدياد. بعد المتن وكسروان، كانت بيروت على موعد مكرر مع تراكم النفايات في الشوارع، قبل أن يتم تدارك الأمر ونقلها إلى مكان تجميع قرب مرفأ بيروت. لكن هذا الفرج لم ينعكس بعد على المتن وكسروان، وإن كان ثمة من يعد أن الأزمة ستحل خلال أيام.
الأكيد أن محاولات الحل قد تكثفت في الساعات الأخيرة، انطلاقاً مما اتفق عليه في لجنة المال والموازنة في اجتماعيها يومي الاثنين والأربعاء الماضيين. ويوضح رئيس اللجنة ابراهيم كنعان لـ «السفير» أن الحل الذي يتم إنضاجه بالتعاون مع «الكتائب» و «الطاشناق» والوزير أكرم شهيب يرتكز على اختصار الفترة المؤقتة التي تسبق الحل اللامركزي إلى ما بين 6 و8 أشهر إن أمكن، مع تكريس دور هيئة الرقابة رسمياً من خلال اعتمادها من قبل وزارة الداخلية.
لكن في موازاة العمل على الحلول المرجوة، كادت أزمة تراكم النفايات تفرّخ أزمة لا تقل خطورة في منطقة الغبيري. إذ ضبطت شاحنة محملة بالنفايات الطبية، يسعى سائقها تحت جنح الظلام، إلى رمي حمولتها عند المدخل الشمالي للبلدة وتحديداً عند دوار شاتيلا. لكن قبل أن يكمل المهمة تمكن عناصر شرطة البلدية بالتعاون مع المفرزة الصحية من إلقاء القبض عليه.
لم تنته القضية عند هذا الحد، خصوصا أن مستشفى القديس جاورجيوس (الروم)، وهو مصدر هذه النفايات، امتنع عن التعليق على الخبر، في حين أنه عاد وتسلم النفايات التي كان قد اعتقد أنه تخلص منها إلى غير رجعة. والمستغرب كيف أن صرحا صحيا مولجا بالاهتمام بصحة المواطنين والعناية بهم تحوّل إلى أحد المتسببين بضررهم. علما أن الشاحنة المضبوطة لم تكن الوحيدة من نوعها بل تردد أنه تم رمي شاحنة أخرى في منطقة الجاموس التابعة لبلدية الحدث (نفت بلدية الحدث علمها بالأمر).
وكانت المشكلة قد بدأت عندما امتنعت شركة «سوكلين» عن استلام النفايات الطبية المعقمة من جمعية «اركنسيال» (Arc en ciel)، فتوقفت هذه الأخيرة عن جمع النفايات الطبية بعدما تكدست أمام مراكز الجمعية. وأضيفت هذه المشكلة إلى مشكلة نفايات المستشفيات العادية (الناجمة عن أعمال التنظيفات والمطابخ) التي ترفض «سوكلين» استلامها. وقد أدى ذلك إلى ارتفاع صرخة المستشفيات، محذرة من أنها قد تضطر إلى الإقفال إذا استمرت الأزمة. لكن تدخّل وزير البيئة محمد المشنوق الذي أجرى اتصالات بشركة «سوكلين»، بحسب بيان صادر عن المكتب الإعلامي للمشنوق، أفضى إلى الاتفاق معها على تأمين استمرارية العمل من خلال تسلم ومعالجة النفايات الطبية المعقمة والتخلص منها نهائياً حسب الطرق العلمية والبيئية السليمة.
وفي خصوص شاحنة الغبيري، علمت «السفير» أن مستشفى الروم أراد التخلص من نفاياته، وعلى هذا الأساس جرى الاتفاق مع أحد المقاولين الذي أخذ على عاتقه الأمر لقاء مبلغ 200 دولار لنقلة الشاحنة الواحدة، بعدما أبلغ المستشفى بأن لديه مكاناً يرمي فيه هذه النفايات التي تبين أنها تحتوي على نفايات طبية خطيرة. ولدى توقيف الشاحنة وسائقها من قبل بلدية الغبيري أُحرج المستشفى فاضطر إلى استرجاع النفايات مرغماً، بحسب رئيس بلدية الغبيري معن خليل، الذي قال لـ «السفير» إن إعادة النفايات إلى المستشفى تم بأمر النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضي كلود غانم على أن يعاود تسليمها إلى جمعية «أركنسيال».
وأكد خليل أنه تم رفع دعوى ضد كل من يظهره التحقيق متورطا في الملف وأنه تم إيداع السائق لدى القضاء عبر فصيلة الغبيري في قوى الامن الداخلي.
وتعليقا على الحادثة، يؤكد نقيب أصحاب المستشفيات في لبنان سليمان هارون لـ «السفير» أن البلد كله يعيش أزمة نفايات، أما بالنسبة إلى المستشفيات فالمشكلة عند «سوكلين» التي كانت قد أخبرت «اركنسيال» بأنها لن تقوم باستلام النفايات المعقمة منها، وهي في الأساس ترفض استلام النفايات العادية، ما أدى إلى بروز مشكلة كبيرة للمستشفيات.
وإذ يشير هارون إلى أن مشكلة النفايات الطبية قد وجدت طريقها إلى الحل الآن، يشدد على وجوب أن يكون هناك استثناء للمستشفيات على صعيد النفايات العادية إذ لا يمكن للمستشفيات أن تغص بالنفايات وسمومها وهي المكان المخصص لعلاج المواطنين.
بدوره، يؤكد المدير العام لجمعية «اركنسيال» روبن ريشا أن الجمعية لم تتوقف عن جمع النفايات بل قامت بتخفيض العملية بعد خطوة «سوكلين»، وهذا حدث لنصف يوم فقط. ويقول: «تكدست النفايات المعقمة أمام مراكزنا وكنا على استعداد لأن ننقلها بأنفسنا إلى المطامر. لكن لم يكن هناك مكان ننقلها إليه. فأرسلنا تحذيرا إلى الجهات المعنية ثم حلت المشكلة بعد تدخل وزير البيئة». ويضيف: «قمنا الآن برفع وتيرة المعالجة للتخلص من النفايات المتراكمة».
وفيما علمت «السفير» أن هناك اتجاها لتحميل المسؤولية إلى أحد موظفي المستشفى، باعتباره أخطأ، إلا أن ذلك يثير الكثير من علامات الاستغراب حول أداء المستشفى في إدارة نفاياته الطبية وتسليمها بشكل لامسؤول لمقاول ربما يكون جاهلا بمدى خطورة مثل هذه النفايات على صحة الإنسان. أما الأغرب من كل ذلك فهو الاستهتار الرسمي بمثل هذه المخالفات من دون اتخاذ إجراءات عقابية مضاعفة بحق المؤسسات الصحية المخالفة تحديدا لأنها مؤسسات رعاية صحية!