لا يختلف المشهد في أيلول 2015 عن المشهد في أيلول 2016، عادت النفايات لتفترش الشوارع وتتكدّس فيها. فجّر موقف «الكتائب اللبنانيّة» المُعارض لإنشاء مطمر في برج حمود «خطّة شهيب»، بعدما كان أوّل من وافق عليها في آذار الماضي. اعتكفت «سوكلين» عن لمّ وجمع النفايات، وانطلق صراع بين القوى السياسية صاحبة النفوذ في المتن الشمالي. ما علاقة كل ذلك بمشروع «لينور»؟
ما من أفق زمني لنهاية أزمة النفايات، فبرغم فضّ مناقصة الفرز والمعالجة وفوز شركة “الجهاد للتجارة والمقاولات” في بيروت وجبل لبنان (باستثناء جبيل)، وقبلها فوزها بمناقصة تلزيم مطمر الكوستا برافا، وفوز شركة “داني خوري” بمناقصة مطمر برج حمود، لا يشي تأجيل نتائج مناقصة الكنس والجمع، وخلافات الطاشناق والكتائب بشأن مطمر برج حمود، لا يشيان بحلول قريبة.
بطلا الصراع الأساسيان على نفايات المتن هما الطاشناق والكتائب. تقف خلف كلّ منهما جمعيّات بيئيّة تتناحر حول الخطّة الأنسب. بالنسبة للكتائب وبعض الجمعيّات البيئية، ما يحصل راهناً في برج حمود هو جريمة. يشير المنسّق العام للإئتلاف البيئي رجا نجيم الى واقعة رمي النفايات عشوائياً في موقف برج حمود من دون أي فرز أو معالجة منذ آذار الماضي. بالنسبة لمعارضي المطامر على الشواطىء، فإن كلفة ردم البحر تكفي لإنشاء معامل معالجة وفرز، ومطامر صحيّة في المقالع المتروكة، ومرافئ شحن، وتفعيل عمليّة الفرز من المصدر ولمّ النفايات. وكفيلة أيضاً بتحويل المتن إلى منطقة نموذجيّة في معالجة النفايات، وترميم بيئتها المشوّهة من الكسّارات والمقالع وتلوّث الشاطئ. أمّا بالنسبة للطاشناق وبعض الجمعيات (مثل تجمّع بلدتي-المتن)، فلا يختلف الحلّ العملي عن الخطّة المقرّة في مجلس الوزراء (خطّة شهيب)، مع مطالب بتحسين بعض بنودها المتعلّقة باللامركزيّة، عبر تفعيل دور البلديات وتحصينها، وإنشاء معامل فرز ومعالجة، وتسوية جبل النفايات في برج حمود، واعتماد الطمر الصحيّ لما تبقى من النفايات المعالجة، بحسب ما يقول رئيس جمعيّة بلدتي شاكر نون.
عودة “لينور” من شباك النفايات
في الواقع، هناك من يعتقد أن بالإمكان استخدام ازمة النفايات لوضع اليد على عقارات مستحدثة، أي من ردم البحر وإقامة سنسول على طول شاطئ المتن الشمالي، تمهيداً لتطبيق مشروع “لينور” المؤجّل منذ التسعينات.
أبصر مشروع “لينور” النور عام 1997 بموجب القرار 64 الصادر عن مجلس الوزراء (بسعي من رفيق الحريري وميشال المرّ آنذاك)، بغية استكمال مشروع التمدّد العقاري البحري، الذي انطلق عام 1985 في عهد الرئيس أمين الجميل عندما منح “جوزف خوري” امتياز ردم البحر من ضبيه إلى أنطلياس (نفّذ في التسعينات بعد انسحاب الحريري منه). وكلّف مجلس الإنماء والإعمار في التسعينيات إجراء مناقصة لتنفيذ مشروع “لينور”، الا ان مجلس الوزراء، في عهد سليم الحصّ وإميل لحود، الغى المشروع.
يقضي مشروع “لينور” بردم البحر في ساحل المتن الشمالي، من الدورة إلى ضبيه، وإنشاء محطّة لتكرير الصرف الصحي، ومعالجة مكبّ النفايات في برج حمود، وإنشاء طريق خدمة مع كافة التقاطعات من مرفأ بيروت حتى ضبيه، ونقل خزانات الوقود من الدورة إلى البحر، واستحداث أوتوستراد بحري… ويرمي المشروع الى منح المستثمر جزءا من العقارات المستحدثة من ردم البحر.
في ذروة ازمة النفايات، وُضع انشاء مطمر برج حمود كجزء من مشروع “لينور”. لزّم المطمر إلى شركة “داني خوري” (ابن شقيق جوزف خوري). تبين من دفتر الشروط ان لا علاقة للاشغال الجارية هناك بالطمر الصحيّ للنفايات، وإنما تتعلّق بأشغال الردم والحماية البحريّة ومعالجة جبل النفايات، أي تنفيذ المرحلة الأولى من مشروع “لينور” على نفقة الدولة، ما يجعل تنفيذ المرحلة الثانية منه أسهل بعدما تكبّدت الدولة تكاليف هذا الجزء. يؤكّد خبراء بيئيون لـ”الأخبار” أن جبل النفايات باقٍ بارتفاع 15 متراً، على أن تتوسّع مساحته، وتوزّع نفاياته بين الجديدة وبرج حمود لردم البحر، وهناك الخطر الأكبر، نظراً لاحتوائه على براميل نفايات سامّة تحتاج لمعالجة بيئيّة لا للطمر. وتبلغ المساحة المنوي ردمها في برج حمود 250 ألف متر مربّع، وفي الجديدة 350 ألف متر مربّع لإيجاد نقطة تلاقٍ تتصل بالضبية، مع ما يقتضيه ذلك من نقل خزانات شركات النفط إلى أطراف المتن (الضبيه شمالاً أو الكارنتينا جنوباً).
أجندات أطراف الصراع
كان حزب الكتائب موافقا على “خطّة شهيب”، وشارك في لقاءات الأحزاب والجمعيّات البيئيّة واتحاد بلديّات المتن، التي انطلقت بداية هذا العام في وزارة البيئة لوضع خطط تعزيز اللامركزيّة في خطّة الحكومة، وأدّت هذه الاجتماعات إلى موافقة وزارة البيئة على خطّة معالجة غير مركزيّة تقضي باعتماد الفرز من المصدر، واستعمال 5 مواقع كسارات ومقالع (بصاليم وأبو ميزان وأنطلياس من ضمنها) لمعالجة النفايات، وطمر الكمية الباقية من النفايات (15%)… الا ان مشاركة الكتائب لم تدم طويلاً، فمنذ نحو الشهرين انشق عن البقية وتفرّد بخطواته وصولاً إلى إغلاق طريق المطمر في برج حمود. بالنسبة لخصوم الكتائب، يحاول رئيس الحزب سامي الجميل رفع السقف للدخول في المرحلة الثانية من تنفيذ مشروع “لينور”، مستفيداً في الوقت نفسه من رفع شعبيّة حزبه “الهرم” عبر تحويله إلى حزب يحاكي قضايا المجتمع والناس مستعيناً بجمعيّات بيئيّة ومدنيّة.
مصالح الكتائب لم تتقاطع مع مصالح الطاشناق، الاخير غضّ النظر منذ آذار الماضي عن رمي “سوكلين” النفايات عشوائياً في برج حمود من دون أي فرز، إلى أن وصلت إلى 150 ألف طن، وذلك لتثبيت خطّة الحكومة، التي تبنّت للمرّة الأولى حلاً لجبل النفايات في برج حمود، الذي استنزف صحّة السكّان وشوّه بيئة المنطقة (حيث نفوذ الطاشناق الأكبر). كذلك طمعا بـ35 مليون دولار سنوياً ستدخل إلى صندوق البلديّة نقداً (ما تسمى الحوافز للبلديات حيث المطامر)، ومشاريع إنمائيّة وأشغال مختلفة (تقررت للتعويض عن استقبال المطمر)، إضافة إلى حق استعمال جزء من الأراضي المردومة.
مشروع المرّ
يراهن النائب ميشال المرّ على الوقت. يعتقد أن إبقاء النفايات في الشارع سيزيد النقمة الشعبيّة، فترتدّ على المعارضين وتدفعهم إلى المساومة. بالنسبة للمرّ الفوضى الحاصلة تحيي أمله باعتماد خطّته العالقة منذ أشهر في وزارة الداخلية وإحالتها إلى مجلس الوزراء. فطوال الفترة الماضية لم يبادر إتحاد بلديات المتن إلى أي حلّ، وكأن المشكلة حاصلة في زيمبابواي، وبعد ثبات عميق دعا إلى اجتماع (اليوم الثلاثاء) يضمّ كلّ الجمعيّات والبلديات والأحزاب للبحث عن مخرج. علماً أنها خطّة معالجة مركزيّة تقضي بإنشاء معمل في الكورال يعمل بتقنيّة التحلّل الحراري (لا تعتمد الفرز) ومعالجة الطن بعشرة دولارات فقط!