يقود التوقف عند وظائف الوزارات المعنية بحوض الليطاني وصلاحياتها، الخبير البيئي الدكتور ناجي قديح إلى أيام العثمانيين وقوانينهم التي ما زال بعضها سارياً، «لقد حدد حرم كل نبع ماء بـ 500 دراع من كل جهة (375 متراً لكل نبع)، يمنع فيها حفر أو رمي النفايات من كل الأنواع»، فأين تطبيق هذا القانون مثلاً؟
ويشير القانون أيضاً إلى ضرورة احترام حوض النهر الذي يضمّ كل الأراضي والتلال والجبال المسلطة في اتجاه الوادي الذي يسير به النهر، وهو ما يوازي (بالنسبة لليطاني) 25 في المئة من مساحة لبنان تقريباً، و «هذا مطلوبة حمايته»، وفق قديح.
في الواقع ليس هناك أي حماية في لبنان لليطاني بقاعاً وجنوباً وعبر كل المكبات العشوائية والنفايات السائلة من صرف صحي وصناعي ومعه المبيدات الزراعية وكذلك حرم الينابيع والآبار في كل القرى والبلدات والمدن، التي تشكل كياناً متداخلاً مع حوض النهر.
ويقول قديح «لدينا قوانين وتشريعات لم يتم احترامها منذ الاستقلال وحتى اليوم»، وهي «تشريعات ممتازة وتحدد الممنوع والمسموح بكل وضوح وتوزع الصلاحيات على كل الوزارات، ولكن العلة في التنفيذ».
ويسخر قديح من رفع هذه الوزارة اليوم دعوى على ملوّثي النهر من هنا وهناك، ليسأل «أين كان المسؤولون عن منعها عندما ارتكبت المخالفات؟».
ويشير إلى أن وزارة الطاقة مسؤولة عن المياه كماً ونوعاً وفق قانون تنظيم المياه، لكنها لا تفعل شيئاً لليطاني، فقط «يطلبون اعتمادات لإنشاء جسور ومحطات تكرير لا تشغّل».
وتتركز مهمة وزارة البيئة في السهر على نقاوة المياه وحماية البيئة من النفايات على أنواعها، «بينما تُحصَر المحاسبة بمقهى على النهر، وهذا سخافة في التعامل مع مشكلة تلوث الليطاني».
أما المجلس الوطني للكسارات والمقالع التابع لوزارة البيئة فأين موقعه وصلاحياته من الالتفاف الوقح على القانون، كما يقول قديح، و «استبداله بمهل إدارية ورخص تمويهية تحت عنوان استصلاح الأراضي». وعليه، تُسهِم الكسارات والمرامل ومعها غسل الرمول في تلويث الليطاني (خاصة جنوباً) بغض النظر عن الآليات السخيفة التي تبرر ما يحصل.
أما وزارة الصناعة فمسؤولة عن كل الملوّثات الصناعية، ويكفي أن نذكر أن 650 مؤسسة صناعية ومعملاً ومزرعة تلوث ليطاني البقاع وحده. أخيراً أين القانون 444 لحماية البيئة والذي ينص على أن الملوث يدفع ويتحمّل المسؤولية.
ويحدد قديح الجهات الرقابية بوزارات الطاقة والمياه والصحة والبيئة والزراعة والصناعة والأشغال العامة والداخلية، ومعها المجلس الوطني للكسارات والمقالع، والمحافظات والبلديات، وهنا يتبين أن «الدولة كلها مجرمة، بينما ينشغل أركانها في التفتيش عن المسؤول».
وطبعاً يتحمل المواطنون فرداً فرداً مسؤولياتهم كصناعيين أو مزارعين أو حتى مجرد سكان على ضفاف النهر وبالقرب من ينابيعه كما أصحاب ملاحم أو محال عادية قد يرمون نفاياتهم فيه.