مفاهيم كثيرة تكاد تكون مفقودة في مجتمعنا اللبناني، وان كان مفهوم الوطنية هو الاساس بنظر مختلف الاحزاب والجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني، الا ان الواقع الذي يعيشه لبنان اليوم مع أزمة النفايات المكدّسة وملوثات متعددة الجهات، تضع مفهوم التربية البيئية في سلّم الاولويات.
ومع مشهد النفايات المكدّسة على طرقات لبنان، والتخبّط الحاصل حكومياً وبلدياً، استنفرت بعض الجهات، فتوالت الدعوات لادخال مفهوم “التربية البيئية” في المناهج التعليمية!
وهذا المفهوم غير المتداول على نطاق واسع في لبنان، بات من الضروري توضيح بعض أهم مرتكزاته.
فسّر مفهوم التربية البيئية على المستوى الدولي بأنه “عملية تهدف الى توعية سكان العالم بالبيئة الكلية وتقوية اهتمامهم بالمشكلات المتصلة بها، وتزويدهم بالمعلومات والحوافز والمهارات التي تؤهّلهم أفراداً وجماعات للعمل على حل المشكلات البيئية، والحيلولة دون ظهور مشكلات جديدة. وهذه العملية مستمدة مدى الحياة حتى توجد مساهمة غير منقطعة ومسؤولية متواصلة لبناء هذه البيئة”.
في المقابل، تعددت التعريفات، خصوصاً على المستوى العالمي من خلال المؤتمرات البيئية، وكذلك حاول الكثير من الباحثين الخوض في هذا المجال، الا ان ما يمكن استخلاصه هو أن التربية البيئية هي من الوسائل التي تحقق أهداف حماية البيئة وصيانتها، وهي تشكل بعداً هاماً من أبعاد التربية الشاملة والمستدامة، لتعديل سلوك الإنسان وتنميته إيجابياً لإعداده للحياة وتكيفه معها، وتطبيعه اجتماعياً مع الوسط الذي يعيش فيه مع بيئته الطبيعية جنباً الى جنب.
وقد عرّفت جامعة ألينوي الشمالية في الولايات المتحدة الأميركية التربية البيئية بأنها “نمط من التربية يهدف الى معرفة القيم وتوضيح المفاهيم وتنمية المهارات اللازمة لفهم وتقدير العلاقات التي تربط بين الإنسان وثقافته وبيئته البيوفيزيائية، كما أنها تعني التمرس على اتخاذ القرارات ووضع قانون للسلوك بشأن المسائل المتعلقة بنوعية البيئة”.
وعرّف مؤتمر تبليس (في ولاية جورجيا في الاتحاد السوفيتي سابقاً) عام 1977 التربية البيئية بأنها “عملية إعادة توجيه وربط لمختلف فروع المعرفة والخبرات التربوية بما ييسر الادراك المتكامل للمشكلات، ويتيح القيام بأعمال عقلانية للمشاركة في مسؤولية تجنب المشكلات البيئية والأرتقاء بنوعية البيئية”.
كما عرّف هذا المفهوم في اجتماع هيئة برنامج الأمم المتحدة للبيئة بباريس عام 1978 بأنه “العملية التي تهدف الى تنمية وعي المواطنين بالبيئة والمشكلات المتعلقة بها وتزويدها بالمعرفة والمهارات والاتجاهات، وتحمل المسؤولية الفردية والجماعية تجاه حل المشكلات المعاصرة والعمل على منع ظهور مشكلات بيئية جديدة”.
واذا اردنا التعمق في تفسير مفهوم “التربية البيئية”، لتخطّت اعداد اكوام النفايات المجمّعة في شوارع البلد وأقضيته. ويقول الباحث البيئي جون باينز “ان العديد من تعريفات التربية البيئية لا يعني شيئاً لأحد باستثناء أولئك الذين صاغوا تلك التعريفات. ولا أنوي أن أحذو حذوهم في تعريف التربية البيئية”. فيقول ببساطة أن التربية البيئية هي “الجانب من التربية الذي يساعد الناس للعيش بنجاح على هذا الكوكب. وأي شيء يسهم في ذلك يعتبر تربية بيئية”.
وفيما يغيب هذا المفهوم غياباً تاماً عن المناهج التعليمية في لبنان، الا أنه، رغم التأخير، وتطبيقاً لمبدأ ان العلم في الصغر كالنقش في الحجر، بدأت تلوح في الافق بوادر ادخال هذا المفهوم في صلب المناهج التعليمية.
في هذا الاطار، كشف وزير التربية الياس بو صعب عن انه كان يضغط منذ سنة ونصف السنة على المركز التربوي في مواضيع المناهج والإمتحانات، وقام المتخصصون بتخفيف محاور معينة أو إضافة محاور أخرى مطلوبة، على سبيل المثال تمت إعادة العمل في مواضيع التغذية والبيئة والتنمية المستدامة في علوم الحياة”.
وكشف أنه طلب “تخصيص ساعات في المناهج الجديدة التي يتم العمل عليها من أجل فرز النفايات في المنزل، فضلا عن موضوع المخدرات والعنف وموضوع قبول الآخر، إضافة إلى موضوع التلامذة ذوي الإحتياجات الخاصة وضرورة قبولهم وإدماجهم برفاقهم”.
في المقابل، سلّط المؤتمر السنوي الثالث والعشرين للمدارس الكاثوليكية بعنوان “التربية والبيئة: واقع ومرتجى”، الذي نظمته اللجنة الأسقفية والأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية، الضوء على المشاكل البيئية التي يعاني منها لبنان والعالم، ودور المؤسسات التربوية الكاثوليكية في تعميم التربية البيئية بما يتلاقى ورسالة البابا فرنسيس “كن مسبحاً”، والتي وضع فيها أسساً عامة وخاصة لكيفية التعاطي مع البيئة لخلق بيئية نظيفة وصديقة للإنسان.
خلص المؤتمر الى سلسلة من التوصيات، اهمها: مواكبة خارطة طريق بيئية ترتكز على ما أعلنه البابا فرنسيس، لجهة أنه لا يمكن أن نخضع، أو أن نكون لا مبالين حيال خسارتنا التنوع البيئي والبيولوجي، وتدمير النظام البيئي بسبب تصرفاتنا اللامسؤولة، وانانيتا، وضع رؤية شاملة وفاعلة حول المشكلة البيئية تتضمن الأسس المهنية، وقيم الالتزام الإنساني والمسيحي. فضلاً عن وجوب تضمين كل مشروع مدرسي هدفاً تربوياً ييربط بين الهموم البيئية وكيفية تدريب التلاميذ.
من بين تلك التوصيات، ادخال التربية البيئية إلى المنهج الدراسي، وتأهيل الأساتذة على كيفية نقل المعلومات إلى التلاميذ، فضلاً عن تطوير “المدارس الخضراء” بهدف تقريب التلاميذ من مبادئ الحفاظ على البيئة. ووضع الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية في لبنان مشروعاً عاماً للتربية البيئية ودعم دور العائلة في التربية البيئة.
وانتهت التوصيات بالتمني على المركز التربوي للبحوث والإنماء إدخال التربية البيئية على برامجها التربوية المعتمدة، وتشجيع المؤسسات التربوية على دعم حماية البيئة والتنمية المستدامة.
على أمل ان لا تبقى التوصيات توصيات وان يتحوّل حديث الوزير بو صعب حقيقة يستفاد منها، فإن التربية البيئية هي برنامج تعليمي يهدف الى توضيح علاقة الإنسان وتفاعله مع البيئة الطبيعية، وما فيها من موارد لتحقيق اكتساب التلاميذ خبرات تعليمية تتضمن الحقائق والمفاهيم والاتجاهات البيئية ومواردها الطبيعية.
الا انه في المقابل، فان هذا الجهد التعليمي يفترض ان يكون موجّهاً نحو التعرف وتكوين المدركات، لفهم العلاقة المعقدة بين الانسان وبيئته بأبعادها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والبيولوجية والطبيعية، حتى يكون واعياً بمشكلاتها وقادرا على اتخاذ القرار نحو صيانتها والإسهام في حل مشكلاتها، من أجل تحسين نوعية الحياة لنفسه ولأسرته ولمجتمعه وللعالم. وبالتالي فإن اليد الواحدة لا تحدث اي تغيير، والدعوات موجهة الى الجميع كي ننهض يداً بيد بوطن أفضل وبيئة مستدامة.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This