تعتبر الغابة مورداً بيئياً متجدداً ذا قيمة اقتصادية، وما عاد ينظر إليها على أنها مصدر للأخشاب فحسب، بل أصبحت المجتمعات تنظر للغابة كمصادر لمنتجات عديدة، ومن هنا، برز مفهوم الاستعمال المتعدد لأراضي الغابات، وتطور مفهوم الادارة المستدامة للغابات الذي يهتم برعاية الموارد الحرجية وأراضي الغابات واستعمالها بأسلوب ومعدل يحمي تنوعها الحيوي وإنتاجيتها ومقدرتها على التجدد.
نظراً لأهمية القطاع الحراجي، قامت في سوريا في ثمانينات القرن الماضي حملة تشجير واسعة اعتمدت كثيراً على النوع الحراجي الواحد، ووصلت حالياً إلى ارتفاعات متوسطة كبيرة (حسب شروط الموقع)، إن كان تشجير طريق مطار دمشق الدولي أو الطريق الدولي إلى بيروت، حيث ترى تجمعات كبيرة من أشجار النوع الواحد من الصنوبر البروتي (قرب ميسلون، غابة النبي هابيل عند مفرق طريق لبنان والزبداني)، أو الطريق الدولي إلى المحافظات الشمالية (باتجاه التنايا والنبك والقلمون).
من الواضح أن الحكومة قد أولت الاهتمام بتحسين ظروف النمو المحيطة بمشاريع التشجير الاصطناعي، إلا أنه بعد هذه الفترة من الزمن، تبين أن أشجار النوع الواحد لم تحقق أي تنوع حيوي، ولم يلاحظ تجدد طبيعي في تلك المواقع، وهنا لا بد من تسليط الضوء على هذه النقطة حتى تتوجه الابحاث في الجامعات الى ما يسمى تشجيع اختلاط الأنواع الحراجية حتى تتوافق مع أهداف “الريو”.
إن المشاجر الصناعية ذات النوع الحراجي الواحد معروفة غالباً بفقرها بالفلورا والفاونا، مهما كان مصدر النوع الحراجي محلياً أم مدخلاً، فضلا عن ذلك فقد تم الاعتراف وعلى نطاق واسع بالمزايا التي يقدمها خلط الأنواع على مستوى التنوع الحيوي للمجموعة الحراجية، وهناك تشجيع واسع النطاق لهذا الخلط النباتي، فالخلط بين أنواع مختلفة يعد عاملاً مفيداً في الحصول على تنوع حيوي مرتفع على مستوى المساحات الصغيرة على الاقل، وقد أشار العديد من الباحثين إلى أن خلط الأنواع الحراجية يسمح بمقاومة أكبر للأخطار الطبيعية ويعد عاملاً مهماً في الاستقرار البيئي للمجموعات الحرجية.
انطلاقا من فكرة خلق حالة مختلطة وبنية غير منتظمة والحفاظ عليها، جعل البعض يتحدث حالياً عن ما يدعى بتربية الغابات القريبة من الطبيعة، والتي تمثل صدى لنقاش حماسي قديم، وكنا قد اختلفنا مع وزارة الزراعة كثيراً حول هذا الموضوع. كل ذلك يشير إلى ضرورة إعادة توجيه ممارسات إدارة الغابات نحو تحويل جزء من المجتمعات النقية والمنتظمة إلى مجتمعات مختلطة، ترتكز إدارتها بشكل رئيس على عملية التجدد الطبيعي Natural Regeneration.
وهذا المفهوم يتناسب مع فرضية عدم وجود انتظام للمجتمعات الحرجية، حيث تنمو أنواع في ظل أشجار أنواع لمجتمعات أخرى، وبناء عليه بدأت تظهر وتنتشر مصطلحات وأفكار واهتمامات جديدة في هذا المجال بشكل تطبيقات عملية أو مقالات علمية.