يتمتع الدكتور جو شوارتز  Joe Schwarcz المتخصص في الكيمياء من جامعة ماكغيل McGill University الكندية (المعروف تحببا بـ “الدكتور جو”) بأسلوبه السلس والسهل في مقاربة الكيمياء والعلوم بهدف تعميم العلم وجعله في متناول الجمهور والتفريق بين الحقيقة العلمية والموروث الشعبي، وهو يدير “مكتب العلوم والمجتمع” OFFICE FOR SCIENCE & SOCIETY، فضلا عن أنه مؤلف لعدد من الكتب والمقالات في الصحف الكندية كما يقدم برنامجا إذاعيا أسبوعيا.

وفي مقال نشر قبل أيام في صحيفة كندية، لفت انتباهنا ما ذكره شوارتز عن تاريخ استعمال مادة أزرق الميثيلين methylene blue كمادة تستخدم في الطب والصباغة، وصولا إلى استعمالها مؤخرا لتحسين الذاكرة الحديثة، خصوصا لدى المرضى الذين يعانون من صعوبات من هذه الناحية، ومنهم بشكل خاص مرضى ألزهايمر.

 

تاريخ أزرق الميثيلين

 

أزرق الميثيلين المعروف بالإسم الكيميائي methylthioninium chloride، هو عبارة عن مادة بلورية تنتج اللون الأزرق عندما تذوب في الماء، ولكنها تتحول إلى محلول شفاف عند إضافة الغلوكوز، وعند تحريك المحلول يعود أزرق الميثيلين ليتفاعل مع الأوكسجين، ويستعيد لونه الأزرق، واستخدمت هذه الخاصية في العديد من المجالات العلمية.

أما في سياق هذا الموضوع، فقد بدأ الدكتور شوارتز مقالته عن أن هذه المادة تميزت في بداية العصر الفيكتوري أي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، بالتحول من الصبغيات الطبيعية المستخلصة من النبات إلى الصبغيات المصنعة، وتميزت ثورة الصبغيات هذه باكتشاف اللون “البنفسجي” mauve من مادة الأنيلين على يد العالم الكيميائي البريطاني ويليام هنري بيركن William Henry Perkin، والذي كان لا يزال شابا في محاولته لتصنيع الكينين quinine، وهو من العقاقير المضادة للملاريا من المواد الكيميائية الموجودة في قطران الفحم Coal Tar، وكان في تلك الفترة الكيميائي الألماني هاينريش كارو Heinrich Caro المختص في كيمياء الصبغيات يعمل على الملونات الطبيعية عندما تم ارساله من قبل شركته إلى إنكلترا لمعرفة المزيد عن إنتاج الصبغيات الاصطناعية، وبدلا من العودة، عمل مع شركة للكيماويات في مانشستر، ليعود في نهاية المطاف إلى ألمانيا، ويصبح بعدها أول رئيس للأبحاث في شركة Badische-Analin und Sodafabrik، المعروفة بالاسم المختصر، BASF، وتمكن كارو من تصنيع أزرق الميثيلين، كصباغ جديد للقطن.

وبحسب شوارتز فإن هذا النوع من الأصباغ المصنعة الجديدة وجدت استخداما إضافيا خارج صباغة الأقمشة، فقد اكتشف الباحثون أن هذه المادة قادرة على صباغة انتقائية لأنواع مختلفة من الخلايا والميكروبات لسهولة مشاهدتها تحت المجهر، وفي العام 1887 وجد الأخصائي البولندي في علم الأمراض تشيسلاف شيسنسكي Czeslaw Checinski أن أزرق الميثيلين يصبغ الطفيليات المسببة للملاريا، وهيPlasmodium malariae  وPlasmodium falciparum بشكل انتقائي، وفي وقت لاحق أشار الطبيب والعالم الألماني بول إرليخ Paul Ehrlich أن أزرق الميثيلين ليس قادرا على صباغة هذا النوع من الطفيليات فحسب، بل أن هذه المادة قادرة على القضاء عليها!

 

وقف تقدم مرض ألزهايمر

 

وقال شوارتز في هذا المجال أنه “مع حلول العام 1891، كان إرليخ يستخدم هذا الصباغ لعلاج ضحايا الملاريا، ما جعل الميثيلين الأزرق الدواء الصناعي الأول من نوعه المستخدم في الطب، وكان هذا تقدما كبيرا بالنظر إلى أن الكينين، المادة الكلاسيكية المضادة للملاريا، وكان لا بد من استخراجها من شجرة الكينا cinchona tree في أميركا الجنوبية، بينما يمكن إنتاج أزرق الميثيلين على نطاق واسع، إلا أن أزرق الميثيلين لم يكن فعالا كما الكينين، وهي مشكلة تابعها طالب لدى إرليخ وهو الألماني ويلهلم رول Wilhelm Rohl، والذي كان يعمل لدى شركة “باير” Bayer الطبية، وقام رول بما يفعله الكيميائيون عادة، بمحاولة تحسين هذا الدواء بتغييرات بسيطة في التركيب الجزيئي ما أعطى في النهاية مادة كيناكرين quinacrine الفعالة المضادة للملاريا، ثم تبعه في العام 1934 هانز أندرساغ Hans Andersag في شركة باير أيضا، وقام بتعديل مادة الكيناكرين وابتكار مادة الكلوروكين والتي ستصبح في نهاية المطاف العلاج الأساسي لمرض الملاريا، والذي لا يزال يستخدم حتى هذا اليوم، وخلافا لأزرق الميثيلين أو الكيناكرين، فإن الكلوروكين لا يلون الجلد أو العينين باللون الأزرق المميز لأزرق الميثلين”.

وأشار شوارتز إلى أنه “قد يكون لأزرق الميثيلين تطبيق آخر، خصوصا لجهة إمتصاصه من قبل تجمعات البروتين تاو tau protein في الجهاز العصبي، وهذا البروتين هو السمة المميزة لمرض الزهايمر، واكتشف كلود ويشيك  Claude Wischikوكان يعمل في جامعة كامبريدج، أن أزرق الميثيلين لا يلون بروتينات الـ “تاو” فحسب، بل يفكك هذه البروتينات ليؤسس في نهاية المطاف شركة الأدوية الاسكتلندية TauRx، بهدف إجراء التجارب مع مركب مستخلص من أزرق الميثيلين ويأمل أن يوقف تقدم مرض الزهايمر”، وأضاف شوارتز “أما على هذا الجانب من المحيط، فقد وجد الباحثون في جامعة تكساس تحسنا في الذاكرة في دراسة على عينة صغيرة من المرضى مؤلفة من 26 من البالغين الأصحاء، وأظهرت هذه الدراسة أيضا، عن طريق التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي لدى من تناول هذه المادة، أن أزرق الميثيلين يمكن أن يسبب زيادة النشاط في مناطق الدماغ ذات الصلة بالذاكرة، مقارنة بمن لم يتناولها”، وختم شوارتز أنه “إذا كان هذا المركب الصناعي قد يعمل كمحسن للذاكرة، وكعلاج ممكن لمرض الزهايمر، فإنه سيضيف فصلا جديدا إلى تاريخ أزرق الميثيلين الملون”.

 

 

 

 

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This