سعدى علوه – السفير
مخيم اللاجئين الرقم 066
المكان: سهل زحلة، حوش الأمراء
الزمان: أواخر آب 2016:
ـ أين تسكن يا أحمد؟
ـ أسكن في الخيمة الثالثة من المخيم 066 على نهر الليطاني.
ـ مع مَن تسكن؟
ـ أسكن مع أمي وأبي وأخوتي الستة، وخمسة جرذان: «الجردون قد البسينة الناصحة».
حصل هذا الحوار مع الطفل السوري اللاجئ أحمد. يعدّ ابن الـ 11 عاماً الجرذان والقوارض التي تملأ مخيمهم، ومن ضمنه خيمة عائلته من ضمن السكان: «من أول ما سكنا ونحن منشوفهم عايشين معنا»، يقول.
في المخيم نفسه، يقول سعيد العلي أن الجرذان تقضم الأطفال الرضع أيضاً ولا يقتصر ضررها على تناول المأكولات والملابس.
على ضفة نهر الليطاني، حيث أنشأ اللاجئون مخيمهم العشوائي في سهل حوش الأمراء، زحلة، كانت سيدة تسير بطفلتها الرضيعة محاولة تهدئة صراخها دون جدوى. تعرضت الصغيرة قبل ثلاثة أيام لـ «عضة» جرذ كاد أن ينزع قطعة من يدها الطرية. استدانت عفاف من أكثر من جار وقصدت المستشفى، حيث أعطيت الطفلة اللقاحات المضادة للطاعون وغيره من الأمراض: «قبل ابنتي عضّ الجردون أكثر من رضيع في المخيم»، تقول السيدة كمن يعزّي نفسه.
يتوزع عدد كبير من اللاجئين السوريين على 1400 مخيم في البقاع وحده. هناك نسبة لا بأس بها من هذه المخيمات أنشئت على ضفة نهر الليطاني، ليست تفصيلاً في قضية تلوّث النهر وحوضه. يبدو، الذين هربوا من الموت والحرب في بلادهم، من أبرز ضحايا تلوث المنطقة. هم يقطنون في خيم لا تحميهم من القوارض أو الأفاعي أو الحشرات والزواحف على أنواعها، كما لا يمكنهم صد أبوابهم ونوافذهم أمام الروائح القاتلة.
وثّق لمعاناة هؤلاء نحو 12 فتى وفتاة يخضعون لدورة تدريب على كتابة النصوص وتعليقات قصيرة على صور مع «دار المصوّر» في منطقة بر الياس. طلب المنظمون من المشاركين الصغار الذين يقطن معظمهم في مخيمات على ضفة الليطاني اختيار قصص من واقعهم. اختار معظم اللاجئين الصغار أن يتحدثوا عن حياتهم مع النهر والتلوث من بيئة المخيمات إلى العيش مع القوارض والأفاعي ومياه المجارير. تحدّثوا عن المأكولات التي تفسد بسبب جيرتهم للنهر، عن استيقاظ الأطفال وفي فراشهم جرذ أو فأرة، وعن الأفاعي التي تسحب من تحت الشوادر إلى قلب حياتهم، وتحديداً عن الرعب الذي ينامون ويستيقظون عليه.
تمتدّ مخميات اللاجئين السوريين على ضفة الليطاني في البقاع من منبعه في العلاق إلى الأراضي الزراعية في لالا وبعلول والقرعون في البقاع الغربي مروراً بزحلة وقب الياس وبرالياس والمرج. هناك في المجرى الغارق في النفايات يلعب أطفالهم على الأوساخ باحثين بين الفضلات عن لعب مرمية يتسلّون بها.
يجد هؤلاء في ضفة النهر، التي هجرها من استطاع من اللبنانيين، غايتهم عندما يعجزون عن إيجاد أرض يقبل صاحبها أن يقيموا عليها مخيماتهم.
ومع دق المسمار الأول في الخيمة الأولى تبدأ قصصهم المرعبة مع النهر الذي يجفّ نهائياً في الصيف من المياه ولا يبقى فيه سوى مياه المجارير الصحية ومعها النفايات الصناعية السائلة وتلك الصلبة ومن ضمنها النفايات الطبية.
وعليه، تتحوّل حياتهم في الصيف إلى مجرد جيرة مع المياه الآسنة وتلك الصناعية القاتلة وسط أكوام النفايات المنزلية والطبية وجبالها في مجرى النهر وعلى الجانبين. يسجل في البقاع وحده وجود نحو ثمانية مكبّات للنفايات الصلبة مباشرة على الليطاني.
وبالتالي، يحيا السوريون مع النفايات وروائحها والقوارض التي تحيا عليها، وكذلك بالقرب من المياه الآسنة والصناعية وعصارات المكبات العشوائية، بالإضافة إلى تلك المنشآت التي أسموها مراحيض من التنك في مخيماتهم نفسها.
ومن حولهم تمتدّ الأراضي المزروعة، حيث يتنشّقون روائح المياه المبتذلة التي ترويها عبر مضخّات تعيد رش المياه بكثافة من حولهم فتصبح نهاراتهم لا تُطاق. كل هذا يؤدي إلى انتشار أمراض كثيرة بينهم. يقول سعيد العلي إنه دارَ بحفيده الصغير على خمسة مستشفيات نتيجة إصابته بالتهابات في اللوز وارتفاع كبير في الحرارة، وأن الطبيب قال له «عليك أن تنقل حفيدك إلى مكان آخر غير ضفة النهر». معهم يسكن أيضاً «آلاف الحشرات من ذباب وبعوض». تتسبّب كل لدغة يُصاب بها الصغار بحساسية جلدية والتهابات تستدعي نقلهم إلى الطبيب.
يسكت اللاجئون مضطرين عن سكنهم قرب النهر. هناك يستأجرون الأراضي بسعر أقل، كما يتلقون عروضاً أكبر للعمل في زراعة الأراضي المحاذية. تعمل النساء اللاجئات والأطفال، خصوصاً في قطف المواسم في مقابل خمسة آلاف ليرة عن كل ست ساعات عمل. بعض أصحاب الأراضي أو «الشاويش»، الذي غالباً ما يؤمن لهم العمل والانتقال إليه، لا يمنحون الصغار مالاً بل بعض البطاطا والخضار في مقابل تعبهم. ومع ذلك يقبل السوريون بهذه المعادلة الظالمة لأنها تؤمن مصدر رزق لهم «نطبخ من الخضار وأحياناً نبيع ما يفيض عنا وإن بأسعار أقل من السعر العادي»، تقول أم كمال التي يعمل معها ولداها، أحدهما في السابعة من عمره، فيما لم يُكمل الثاني التاسعة بعد.
وهكذا يمضي السوريون حياتهم مع تلوّث الليطاني صيفاً إلى أن يحلّ الشتاء. حينها وعندما تشتدّ العواصف والأمطار تجتاح المياه خيمهم ومعها نفايات المجرى «نموت في الصيف ونمرض من التلوّث والروائح، فيما يفيض النهر شتاء حاملاً نفايات المجرى إلى داخل خيمنا، كما يُغرق مخيماتنا بالوحول، عدا عن معاناة أطفالنا من البرد والسعال والأمراض التنفسية وازرقاق الأطراف».