حرك الاعتصام الذي نظمه حزب الكتائب لمنع اقامة مطمر برج حمود، والتسوية السياسية التي افضت الى فك الاعتصام واستكمال مشروع الردم، قضية الانتقال السريع من الحل المركزي عبر المناقصات التي كلف “مجلس الانماء والاعمار” اطلاقها لمدة اربع سنوات، الى الحل اللامركزي القائم على استعادة البلديات أو اتحادات البلديات لدورها في ادارة النفايات ضمن نطاقها.
يربط معارضو مشروع المطمر، بين تسريع عملية الانتقال، وبين ضمان عدم توسع المطمر افقياً وعمودياً وفق التصميم الذي وضعه الاستشاري على الخرائط، والذي يؤمن للمطمر قدرة استيعابية لحوالي مليون ونصف المليون طن من النفايات خلال اربع سنوات. لكن الجانب الاهم في الانتقال الى الحل اللامركزي والذي يغفله ابرز المتحمسين لهذا الخيار، ان هذا الانتقال يدحض الحجة حول ضرورة الانتقال في المرحلة المستدامة الى خيار تحويل النفايات الى طاقة، وهو خيار مكلف من الناحية الاقتصادية، ودقيق وحساس جداً لناحية التقنية والرقابة البيئية، لكن المتحمسين لهذا الخيار، وهم كثر، يعتبرون ان خيار الانتقال الى تقنية التفكيك الحراري، هو المعبر الالزامي بعد ان سدت جميع السبل من الناحية اللوجستية والسياسية، تجاه امكانية الانتقال الى مطمر جديد بعد استنفاذ مطمري الكوستابرافا وبرج حمود – الجديدة لطاقتهما الاستيعابية والمقدرة بحوالي ٣ ملايين طن على ابعد تقدير.
قضية لامركزية النفايات والازمة المستمرة منذ تموز (يوليو) العام ٢٠١٥، كانتا اول من امس، مدار بحث في جلسة نقاش عقدها “مركز المشرق للدراسات الاستراتيجية”، بالتعاون مع تجمّع “معاً لوطن”، تحت عنوان “المخاطر المحدقة بأزمة النفايات وسبل مواجهتها”، شارك فيها ممثلون عن الوزارات المعنية وعن أحزاب سياسية وناشطون بيئيون ومنظمات المجتمع الأهلي.
الامين العام للمجلس الاعلى للخصخصة زياد حايك كان اول المتحدثين، وباسم تجمّع “معاً لوطن”، طارحاً فكرة “تحرير قطاع النفايات” وانشاء الهيئة الناظمة لقطاع النفايات، على اعتبار ان هذه المقاربة المتعلقة بالحوكمة هي المدخل لتفكيك العقد والعقبات التي تواجه ادارة هذا القطاع.
ركّز حايك في مداخلته على أننا أمام أزمتين: أزمة ثقة وأزمة نفايات. فالضبابية في اتخاذ القرارات على مستوى السلطة التنفيذية وغياب المساءلة والمحاسبة، أنتجت غياباً تامّاً للثقة بين الدولة والمواطن، وأضحت أن الثقة مفقودة بين أصحاب القرار المركزي والفعاليات المحلّية والمجتمع الأهلي من جهة، ولدى أهل الحكم في ما بينهم من جهة أخرى. نتجت عن أزمة الثقة هذه ضبابية إضافية في تحديد الموجبات والمسؤوليات والحقوق بين كافة الأطراف من المواطن إلى السلطة المحلّية ومقدّم الخدمات والقطاع الخاص والسلطة المركزية.
وتضاف إلى مشكلة الثقة هذه مشكلة قطاع النفايات بحد ذاته، وقد اختصرها حايك بعدم وجود رؤية متكاملة تحظى بموافقة جميع الأطراف، وتكون أساساً لشراكة حقيقية وبتضارب الأراء والأولويات حول سبل المعالجة (كيفية الفرز، التدوير، التسبيخ، الطمر، إنتاج الطاقة… إلخ) وغياب قرار حكومي واضح من الفرز من المصدر وهي ضرورة يجب أن يتوافق عليها كافة الأطراف المعنية.
كما اقترح حايك مجموعة من التوصيات ابرزها: الكف عن شيطنة الحلول المتداولة والسياسات والإقتراحات بشكل مطلق، والكف عن تقاذف التهم بين الأطراف المعنية (بلدية، وزارة، وزير، مزود خدمة، مقاول ومجتمع مدني) والتشكيك بنواياها. تشكيل هيئة إشرافية تشارك في أعمالها كل الجهات، ومن مهام هذه اللجنة وضع الأطر العامة للإدارة المتكاملة لمعالجة النفايات ووضع التصنيفات للنفايات والمعايير البيئية والتشغيلية، التي تأخذ بعين الإعتبار الخصوصية الجغرافية والإقتصادية والإجتماعية لكافة المناطق. تتشكل هذه اللجنة من أخصائيين من الوزارات المعنية (بيئة، داخلية، مالية وزراعة) تترأسها وزارة البيئة. أمّا منهجيّة عملها فتقوم على مشاركة تجمع البلديات واتحاد البلديات والفنيين والجمعيات المطلبية والخدماتية. هذه اللجنة تتحوّل في مرحلة لاحقة، وحين يتمّ إقرار قانون لها، إلى هيئة منظّمة لقطاع النفايات. لكن حايك اغفل الاشارة الى ان هذه التوصيات يجب ان يتم ربطها بتعديل مشروع قانون النفايات الذي لا يزال في ادراج اللجان النيابية منذ العام ٢٠١٢، وان اي اقتراح تشريعي لادارة النفايات، يستدعي حكماً ادخال تعديلات على مشروع القانون المذكور، الذي وللمفارقة، يغفل او يتغافل المعنيين بهذا الملف وجوده، واهمية إقراره كمدخل نحو الادارة المستدامة لهذا القطاع.
في الجلسة ايضاً كانت ثمة مداخلات لفريق “مجلس الانماء والاعمار” تلاها كل من مدير البرامج في المجلس الدكتور ابراهيم شحرور، ومفوض الحكومة لدى المجلس الدكتور وليد صافي.
اعتبر شحرور في مداخلته ان عقبة اللامركزية تكمن في قدرة البلديات على الاتفاق في ما بينها على مواقع لاستخدامها سواء للجمع والنقل، ومراكز للفرز والمعالجة، وصولاً الى الطمر والحرق، وبالتالي يصبح الحديث عن اعتماد اللامركزية كمخرج من الازمة الحالية دون الاتفاق المسبق على المواقع وتحديدها جغرافياً، وتحديد طبيعة اشغالها سواء عن طريق الاستملاك او الايجار او الاشغال، كلاماً نظرياً غير قابل للتطبيق.
المقاربة نفسها قدمها مستشار وزير الداخلية والبلديات خليل جبارة، الذي اكد ان الفريق الفني المركزي الذي يرأسه وزير الداخلية لم يلمس حتى اللحظة جدية من قبل اتحادات البلديات لتحديد مواقع للمعالجة بالاتفاق في ما بينها، مؤكداً ان هذا الموضوع هو العقبة الاصعب التي واجهت الحكومة المركزية، وستواجه البلديات الامر الذي يؤخر الانتقال نحو اللامركزية.
كما تناول المجتمعون الإشكاليات الاخرى والتحديات التي تحول دون نظام لامركزي فاعل. وتوافق المجتمعون على أن اللامركزية هي مبدأ ضروري لإدارة هذا القطاع. ولكن اللامركزية الفاعلة تنطلق من مركزية قويّة تحدد النظم والمعايير، تدرّب السلطات المحلية وتزودها بالقدرات التقنية والمالية، وتراقب حسن الإدارة وتحاسب على الخطأ أو الهدر.
في الجلسة ايضاً، اعتراض واضح سجله تجمع شركات النفط على مشروع انشاء مطمر برج حمود، حيث يفترض ان تواجه الشركات هذا المشروع بدعوى قضائية امام مجلس شورى الدولة.
كما طالب عدد من المشاركين، من منظمات المجتمع المدني مساعدة البلديات والمساهمة في بناء قدراتها إن كان في عملية التعاقد أو الإدارة أو الفرز أو التواصل مع القطاع الخاص لا سيما المصانع والمزارعين. كما حذر عدد من المتحدثين من ازمة مقبلة حينما تنتهي مدّة الخطّة المؤقّتة، خصوصا وأنّه لم تتضح بعد الرؤية الكاملة للمرحلة المستدامة، لا سيما عن طريق اطلاق مناقصات تحويل النفايات، رغم تحمس بلديات عديدة وابرزها بيروت لهذا الخيار، لكن لم تجد بعد حلاً واضحاً وعملياً لموقع انشاء معامل/محارق تحويل النفايات الى طاقة والتي يفترض ان تكون ضمن النطاق البلدي لبيروت.