يئس الناشط البيئي ميشال صوان من قرية كفرحبو – قضاء المنية الضنية، من إمكانية مواجهة ووقف المجازر التي تطاول الطيور المقيمة والمهاجرة، وهي ترقى إلى إبادة جماعية تهدد التنوع الحيوي، وتضع مئات الأنواع من الطيور على حافة الانقراض، فضلا عما اندثر منها، لا سيما الطيور المستوطنة، فيما بدأ لبنان يخسر بعض مسارات هجرة الطيور بسبب عمليات القتل الواسعة التي تتعرض لها، وهذه واحدة من أكثر النتائج الكارثية الناجمة عن عشوائية الصيد، خصوصا وان الطيور في هجرتها الموسمية عبر لبنان، تقضي على الحشرات الضارة التي تشكل ضررا على القطاع الزراعي.
وفي حديث لموقعنا greenarea.info، قال صوان: “إن المجازر التي تشهدها منطقة الضنية، وخصوصا في منطقة عيّاشة هي جرائم موصوفة”، ولا يخفى على أحد ما يعانيه هؤلاء الناشطون من مضايقات ومعاناة، إذ يضيف صوان “عاديت الجميع، من أقارب وأصدقاء، وضحيت بوقتي وعملي وصحتي، حتى أن من وعدوا بالمساعدة في التصدي لهذه الظاهرة لم يفوا بوعودهم”. وأضاف “لهذا السبب ما عدت أشارك في مؤتمرات ولقاءات بيئية، لأنني بت على قناعة بأن مشكلتنا سببها المسؤولين الرسميين، المفترض أنهم معنيون بحماية البيئة، فضلا عن تراخي الجمعيات البيئية والأهلية وبعض وسائل الاعلام والافراد والجماعات”.
صرخة صوان وغيرها من صرخات ومناشدات الحريصين على سمعة لبنان وعلى تنوعه الحيوي لم تلقَ سابقا ولن تلقى اليوم من يتلقفها بإجراءات وتدابير صارمة، فالصيادون تحولوا إلى قَتَلة، يمارسون “هواية الإبادة” على تخوم منزل صوان، وغير بعيد عن أرض يملكها، يدخلون إليها خلسة، دون علمه وعلى مرأى من القوى الأمنية دون خوف من عقاب أو على الأقل من إنذار وتنبيه، وتتناثر الطيور ميتة أو مصابة بجراح وكسور في أرضه وحولها، وتنتشر هذه المجازر بالإضافة إلى قريته كفرحبو، في عياشة، عزقي، حيلان، وبشنّاتة، ويعمد إلى علاج بعض منها بحكم دراسته العلمية وخبرته التي اكتسبها مع الأيام، وهو يتابع حاليا دراسته لنيل درجة الدكتوراه في مجال العلاج الفيزيائي، بالإضافة إلى عمله في هذا المجال في “نادي السلام – زغرتا” لكرة القدم، إلا أنه عاشق للبيئة بالفطرة، ويرسمها صورا ويوثقها ليراها الجميع.
وقال صوان: “المجازر تحصل في قريتي كفرحبو، ومنها صورة الصقر الذي تركوه بعد صيده، وما يطاول طائر السنونو من مجازر لا توصف، عدا عن صيد عدد كبير من ديك (دجاجة) الماء Coots، واسمها العلمي Fulicaفي منطقة عيّاشة، وهو طائر لا يؤكل لحمه، فضلا عن صيد طيور جارحة مهددة بالإنقراض، إضافة إلى صيد طير السرو وطائر مالك الحزين واللقلق ومشاهد مؤذية كثيرة أخرى”.
وأضاف: “قمت مع أحد الاصدقاء ببناء قفص لحماية الطيور المصابة وعلاجها، بعد أن بات عددها كبيرا مع وجود 35 نسرا و12 شاهينا (نوع من الصقور) و15 صقرا و4 لقالق، لانه ما عاد في مقدورها الطيران لأكثر من عشرة أمتار”. وتابع صوان “اشتريت 3 طيور تنتمي لفصيلة البوم بـ 180 دولارا من أحد الصيادين، وهذا مبلغ كبير بالنسبة لي، وبعد معالجتها وإعادة إطلاقها، فوجئت باصطيادها بعد 24 ساعة”.
على صفحته الخاصة على “فيسبوك” يحاول صوان توثيق بعض الارتكابات بحق الطيور وما تتعرض له من مجازر، فضلا عن مساهماته في الندوات البيئية والتثقيفية بهدف التوعية حول الصيد، وهو يعبر عن معاناته في مقاربة الملفات البيئية في لبنان، كما ترجم مقالة نشرها موقعنا greenarea.info عن صيد اللقلق، وأرسلها لناشطين بولنديين وأصيبوا بصدمة، كون هذا الطائر بالنسبة لهم يعتبر طائرا قوميا، ويحافظون عليه، وفي محاولة تفادي وعدم تكرار هذه الحالات وتأليب رأي عام لبناني وعالمي على هذه الانتهاكات البيئية، يقوم حاليا بالتعاون مع ناشطين بولنديين وناشطين بيئيين لبنانيين بالتحضير لمشروع توعوي حول الصيد البري يستهدف طلاب المدارس، كما أنشأ صفحة خاصة لـ “التصوير الفوتوغرافي“، لتوثيق مشاهداته في منطقة الشمال، وزياراته لكافة أنحاء لبنان.
وذكر لـ greenarea.info “أسرق الوقت بين دراستي للحصول على درجة الدكتوراه في العلاج الفيزيائي ووظيفتي مع نادي السلام لأعتني بطيوري الجريحة، وممارسة هوايتي في التصوير، رغم ما أعانيه من آلام لمشاهداتي ومحاربة الصيادين والأفراد لي، والتكاليف الباهظة التي أتكبدها على المستوى الشخصي والمادي”.
بالنهاية ليست البيئة والنشاط البيئي حكرا على وزارة لا تمارس من صلاحياتها إلا الإسم فحسب، ولا الجمعيات البيئية التي تصرخ على المنابر ولا تقوم بأي عمل رادع على أرض الواقع، بل هي مبادرات من أفراد ناشطين يمارسون قناعاتهم ويضحون براحتهم، ويشعرون بوجع الحياة البرية نتيجة مجازر تلم بكائناتها، وبالألم من تبرؤ معظم الصيادين من المشاعر الإنسانية، إذ يرمون شباكا ويعتمدون الأضواء الكاشفة والوسائل الإنتقائية لتعذيب وصيد الطيور، مع استخدام ماكينات تقلد اصواتها، محرم استخدامها دوليا، ولا تباع في بلد المنشأ، ليختالوا في مجتمعاتهم بالقيام بإبادات جماعية، لمخلوقات لا تستطيع الدفاع عن نفسها إلا بالأنين الذي تردده صدى جبال شمال لبنان ووديانه ومسطحاته المائية، وهو حال لا يختلف عما تواجهه الطيور والمخلوقات البرية في شتى الأراضي اللبنانية التي أصبحت مقبرة كبيرة دون شواهد لكثير من الأحياء البرية، فيما لا من مجيب لنداء البيئيين ولا رادع لما يقترفه المجرمون.