التوحد Autism أو الذاتوية أو اضطرابات طيف التوحد Autism spectrum disorder (معروفة اختصارا بـ ASD)، هو توصيف عام لمجموعة من الاضطرابات المعقدة في نمو الدماغ، تنعكس على قدرات الطفل، وتتسم بدرجات متفاوتة من صعوبات في التفاعل الاجتماعي والتواصل اللفظي وغير اللفظي والسلوكيات المتكررة.
أنواع التوحد
تم دمج جميع اضطرابات التوحد للوصول إلى عملية التشخيص تحت مظلة واحدة، أي اضطرابات طيف التوحد ASD في أيار (مايو) 2013، وذلك من خلال دليل تشخيصي يسمى DSM-5، وكانت هذه الإضطرابات سابقا، تعرف بالإضطرابات الفرعية، بما في ذلك اضطراب التوحد، اضطراب التفكك الطفولي childhood disintegrative disorder، اضطراب هيلر Heller’s syndrome، اضطراب التطور المنتشر غير المحدد PDD-NOS ومتلازمة أسبرجر.
إحصائيات عالمية ولبنانية
لوحظ ازدياد في حالات التوحد حول العالم خلال السنوات القليلة الماضية، ولا يعود السبب في زيادة حالات المرض إلى ظروف خاصة، بل إلى التطور في تشخيص هذه الحالات، وتقدر حاليا بنسبة 1 إلى 2 طفل بين 100، وفي الولايات المتحدة طفل بين 68، وهي نسبة أكثر بعشر مرات عما كانت عليه خلال العقود الأربعة السابقة، وبنسبة تصل إلى 4 مرات لدى الصبيان، فيشخص طفل ذكر بين 42، أما الإناث فحالة بين 189، أما في لبنان، فوفقا لدراسة أجريت في الجامعة الأميركية في بيروت، فإن نسبة انتشار التوحد في بيروت الكبرى وجبل لبنان باتت تساوي طفلا من 67، وفي حال الافتراض أن هذه الأرقام تعمم على كل لبنان، لعدم توافر بيانات إحصائية تشمل المناطق الأخرى، فيمكن القول إنها قريبة لتلك المسجّلة في الولايات المتّحدة، إلا أن الفارق اللافت للانتباه هو في نسبة الذكور إلى الإناث فهذه النسبة لم تتعدّ 1،05 إلى 1.
أسباب التوحد
أما بالسؤال عن أسباب هذه الإضطرابات، فإن رد العلماء منذ وقت ليس ببعيد، “ليس لدينا أي فكرة”، وأشارت الأبحاث إلى أنه لا يوجد سبب واحد للتوحد، كما أنه لا يوجد نوع واحد من مرض التوحد، وعلى مدى السنوات الخمس الماضية، حدد العلماء عددا من التغييرات النادرة في الجينات، أو ما يسمى الطفرات المرتبطة بالتوحد، وهناك عدد قليل من هذه الطفرات كافية لتسبب مرض التوحد، إلا أن معظم حالات التوحد، يبدو أن سببها مزيج من جينات تزيد خطر الإصابة به، فضلا عن العوامل البيئية التي تؤثر على نمو الدماغ في وقت مبكر من الحياة.
وقد تم ربط العديد من التأثيرات البيئية مع الإستعداد الجيني لمرض التوحد، وتشمل عوامل قبل وأثناء الولادة ومنها: سن الوالدين المتقدمة في فترة الحمل (كل من الأم والأب)، مرض الأم أثناء الحمل والخداج الشديد extreme prematurity وانخفاض الوزن الكبير عند الولادة وبعض الصعوبات أثناء الولادة، وخصوصا تلك الفترات التي تنطوي على حرمان دماغ الطفل من الأوكسجين، كما قد يساهم تعرض الأمهات لمستويات عالية من المبيدات وتلوث الهواء في إنجاب طفل يعاني من التوحد، إلا أنه من المهم أن نأخذ في الاعتبار أن هذه العوامل، في حد ذاتها، لا تسبب مرض التوحد، ولكن عند اقترانها مع عوامل الخطر الجينية، فإنها تظهر زيادة في خطر الإصابة.
… والوقاية
تشير الأبحاث إلى أن خطر مرض التوحد هو أقل بين الأطفال الذين تناولت أمهاتهن الفيتامينات قبل الولادة (خصوصا تلك التي تحتوي على حمض الفوليك) في الأشهر التي سبقت وبعد حصول الحمل، كما أن الباحثين يدرسون على نحو متزايد، دور جهاز المناعة في مرض التوحد.
كما أن كل شخص لديه مرض التوحد هو شخص فريد لجهة القدرات الإستثنائية، فالكثير منهم يتمتعون بقدرات استثنائية في المهارات البصرية والأكاديمية والموسيقية، وعلى الرغم أن حوالي 40 بالمئة منهم يعانون من إعاقة ذهنية (IQ أقل من 70)، فإن العديد منهم يتمتع بمستوى طبيعي أو أعلى من المتوسط في مستوى الذكاء. في الواقع، فعدد من الأشخاص الذين يعانون من طيف التوحد لديهم إعاقة كبيرة وغير قادرين على العيش بشكل مستقل، ويعاني حوالي 25 بالمئة منهم من عدم القدرة على النطق، ولكن يمكن أن يتعلموا التواصل باستخدام وسائل أخرى.
الصور فوق الصوتية والتوحد
وفي هذا السياق، وفي محاولة لمعرفة المزيد عن هذا المرض، خصوصا لجهة حدة الأعراض، وارتباطها بظروف بيئية، نشرت مؤخرا دراسة هامة، في الأول من أيلول (سبتمبر) في دورية “أبحاث التوحد” Autism Research، تناولت أسباب تنوع الأعراض بين من يعانون من التوحد.
واكتشف الباحثون أن التعرض للموجات فوق الصوتية التشخيصية Diagnostic Ultrasound في الثلث الأول من الحمل مرتبط بزيادة شدة أعراض التوحد، ووجدوا أن أكبر ارتباط بين الاطفال هو مع أولئك ممن يعانون من بعض الاختلافات الجينية المرتبطة بالتوحد، وكان هناك 7 بالمئة من الأطفال في الدراسة يعانون من تلك الاختلافات.
وتوصي المبادئ التوجيهية لإدارة الأدوية والعقاقير الأميركية FDA حاليا بألا يستخدم التشخيص بالموجات فوق الصوتية خلال الحمل إلا لضرورة طبية.
وقال الأستاذ في جامعة واشنطن للطب UW The University of Washington School of Medicine، والمختص بالجراحة العصبية وفي الهندسة والرياضيات في جامعة بوثيل Bothell وفي الأبحاث لترجمة تأثير الموجات فوق الصوتية على الدماغ والمشارك في هذه الدراسة بيير مراد Pierre Mourad: “أعتقد أن الآثار المترتبة على نتائجنا تعزز المبادئ التوجيهية لإدارة الاغذية والعقاقير الأميركية”، وقال أن “نتائج هذه الدراسة هي عن الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل، ولم تظهر البيانات أي صلة في تأثير الموجات فوق الصوتية على الثلث الثاني والثالث من الحمل”.
واستخدم الباحثون بيانات من “مركز سيمونز المبسط للمستودع الوراثي لمجموعة التوحد” the Simons Simplex Collection autism genetic repository الممول من “مبادرة أبحاث التوحد لمؤسسة سيمونز” the Simons Foundation Autism Research Initiative. وتم اعتماد البيانات من 2644 أسرة من بين 12 موقعا للأبحاث في كافة أنحاء الولايات المتحدة.
وقالت المؤلفة الرئيسية للدراسة والباحثة المتخصصة في الطب النفسي والعلوم السلوكية في جامعة واشنطن سارة ويب Sara Webb: “لقد كان هذا البحث نضالا حقيقيا، لمعرفة سبب وجود هذا العدد الكبير من الأطفال المصابين بالتوحد، من أين يتطور هذا الاضطراب؟ كيف يصاب الأطفال بمرض التوحد؟ والسؤال الثاني هو: لماذا يختلف الأطفال المصابين بالتوحد كثيرا عن بعضهم البعض؟ هذه الدراسة تدرس في السؤال الثاني بين الاطفال المصابين بالتوحد، فما هي بعض من العوامل التي قد تؤدي إلى طفل ذو نتائج جيدة أو بمعدل ذكاء أو قدرات لغوية أفضل أو أقل؟ وبالتالي يستمر هؤلاء الأطفال بالمعاناة من هذا الإضطراب طيلة حياتهم”.
وقالت ويب: “قارب فريق البحث عمله على أساس نموذج من ثلاثة أجزاء لشرح التباين في الأطفال المصابين بالتوحد، الأول، ضعف وراثي مسبب لهذا الاضطراب. ثانيا، الضغوطات الخارجية، وثالثا الضغوطات الخارجية التي تؤثر على الطفل في وقت معين”، وأضافت ويب: “تم اقتراح عدد من الضغوطات الخارجية لدراسة ارتباطها بمرض التوحد، وقد بحثت هذه الدراسة في واحدة منها فقط وهي الموجات فوق الصوتية”.
دراسات سابقة
أظهرت دراسة سابقة اشترك فيها مراد مع ويب وآخرين ونشرت في “أبحاث التوحد” في العام 2014 أن التعرض للموجات فوق الصوتية في الرحم تسبب بظهور أعراض تشابه التوحد لدى الفئران.
وقال مراد انه وزملاءه يعتزمون الآن “النظر عن كثب إلى روابط بين الموجات فوق الصوتية وحدة التوحد، فضلا عن احتمال – حتى الآن لم يظهر – أن التعرض للموجات فوق الصوتية يمكن أن تسهم في الإصابة بالتوحد”.
وقالت ويب “كأم لطفلين، بناء على ما نعرفه الآن، فلن أقبل بإجراء الموجات فوق الصوتية في الثلث الأول من الحمل ما لم يكن هناك ضرورة طبية”، وأضافت: “اذا استطعنا معرفة هذه المعلومات المطلوبة باستخدام أي وسيلة أخرى، فسأقوم بها، انها نقطة تستحق التفكير دائما أنه عندما نقوم بالإجراءات الطبية، فإن ثمة فوائد كبيرة ولكن تنطوي أيضا على الخطر”.