السفير
سبق لعلي عواضه أن أسس لرياضتَيْ «الكاياك» و «الرافتينغ» المائيتين على نهر العاصي في الهرمل. يومها لم يكن أصحاب المتنزهات على العاصي يعرفون هاتين الرياضتين كمصدر رزق وكرياضة للإفادة من النهر العاصي جرياً نحو سوريا.
انطلقت نوادٍ كثيرة اليوم على العاصي، وصار علي عواضه منذ بداية العام 2000 على ليطاني الجنوب، وتحديداً عند جسر الخردلي، يشيع منذ العام 2005 «الكاياك» في الليطاني.
عندما تصل إلى الخردلي وتجد «نادي الليطاني للكاياك» فارغاً من زبائنه ورياضييه الكثر، اعلم أن الليطاني والخردلي ليسا بخير.
كان علي عواضه يستقبل في ناديه كل موسم، والعام الماضي منها على سبيل المثال لا الحصر، نحو أربعة آلاف شخص في الصيف من آذار ولغاية تشرين الأول. زبائن يقصدونه من بيروت وجبل لبنان ومناطق لبنانية مختلفة، تجذبهم الرياضة نفسها ومعها الليطاني والاستقرار الأمني الذي يتمتع به الجنوب.
كان مردود عواضه يصل إلى نحو ثمانين ألف دولار في الموسم «لم ننتج عشرة آلاف دولار هذا العام، وهذا كان قبل الحديث عن تلوّث النهر»، كما يؤكد لـ «السفير». مع التلوث «أصابت رصاصة قلب الناس والنهر».
لا يحكي عواضه عن نفسه فقط. يقول إن أرزاق نحو خمسة آلاف عائلة على امتداد نهر الليطاني انتهت مع تلوث النهر وإهماله. يوزع عواضه الخمسة آلاف عائلة على أصحاب المتنزهات والاستراحات ومعهم العاملون فيها وكذلك القطاعات المرتبطة بالسياحة من «السوبرماركت» إلى اللحام وغيرهما.
هناك تسمع ماذا يعني الليطاني في حياة الجنوبيين «نحن نتحسّر على التنمية المستدامة التي كنا نؤسس لها على الليطاني»، يقول عواضه. «رياضات بيئية وأندية تحترم النهر ونظافته، وسياحة بيئية تفيد الناس وتشكل مصدر دخل لهم مع حرصهم على نظافة النهر وسلامة مجراه»، يضيف.
يسأل عواضه «هل فعلاً ليطاني الجنوب ملوّث كما ليطاني البقاع؟»، ليتابع قائلاً إن «أهل الجنوب كانوا يظنون أن النهر في منطقتهم لا علاقة له بليطاني البقاع وبتلوثه، كون النهر ينتهي بقاعاً في بحيرة القرعون». بقي أمل الجنوبيين على حاله بنظافة نهرهم إلى أن علموا أن مصلحة الليطاني تضخ أربعة أمتار مكعبة من البحيرة إلى مجرى ليطاني الجنوب لري أراضي القاسمية.
يقول عواضه إن ضخ المياه يأتي «لوضع حوضي النهر بقاعاً وجنوباً في سلة تلوث واحدة وبالتالي لجلب الأموال لتنظيف الليطاني ككل، وبذلك يمكنهم التصرف بالمال»، في إشارة إلى فساد الطبقة السياسية وعدم ثقة الناس بكل ما تفعله.
يطلق عواضه على ما يحدث على ليطاني الجنوب اليوم توصيف «الضربة التنموية التي أصابت صميم قلب الجنوب». ويُعطي أمثلة عن «أبو شربل» الذي كان يستضيف صيفاً وينتج ضعف نادي الكاياك «كان يكون عنده بالـ 400 شخص، بس فلّس السنة، وكذلك الغدير والملوك وغيرهما من الاستراحات». صارت منطقة الخردلي التي كانت تعجّ بالسيارات وتزدحم طيلة أيام الصيف مهجورة لا يُرى فيها أحد.
بالقرب من نادي عواضه وعلى ضفة الخردلي استأجر أحد أبناء الجنوب متنزهاً بـ 25 ألف دولار للموسم الحالي. فوق استثماره وضع آلافاً أخرى من الدولارات لتحسين المكان واستعدّ للموسم الصيفي. جاءت وحول المرامل والكسارات والمقالع لتغرق الليطاني بالوحول وتفجّرت قنبلة تلوث النهر في الإعلام فخاف الناس وهجروا النهر ومنتزهاته. ترى الرجل الذي دفع أموالاً استدانها للاستثمار يمشي وكأنه يهذي وحده نتيجة خسائره.
يقارن عواضه بين خسائر متنزهات الخردلي وناديه خلال عدوان الـ 2006 الإسرائيلي «يومها كنت مجهزاً أنا وغيري لموسم الصيف وجاءت إسرائيل ودمّرتنا». ويومها لم تعوضهم الدولة خسائرهم. قالوا لهم إن الأولوية هي للناس والبيوت. يقول عواضه إنه وأصحاب المتنزهات رمّموا دمار العدوان «ولكن ماذا نفعل بتلوث النهر؟ كيف نعيد الليطاني إلى ما كان عليه؟».
يتحدث عواضه ايضاً عن نحو 12 طالباً جامعياً يعملون في النادي صيفاً ليدفعوا اقساطهم شتاء «هؤلاء بقوا من دون عمل هذا الصيف بسبب التلوث». وهو قد استدان لكي يرسل ابنته للتعلم في فرنسا، قسّط كلفة تصليح محرك آلية «البيك آب» وقيمتها 700 دولار بعدما كان قد دفع ثمنها «كاش» من الشركة في مواسم سابقة. ويتوقف عند ديون الناس لتستثمر صيفاً، سائلاً «مَن سيدفع عن الناس ديونها؟ ومَن يؤمن مصاريف شتائها؟».
ما يقوله عواضه يلتقي مع حسرة ابن إحدى الضيع الجنوبية الواقعة جنوب النهر. يقول إنه لا يريد أن يذكر اسمه. ترك الرجل ضيعته وحمل زوجته وأولاده واستأجر استراحة على الليطاني، كما يفعل منذ سنوات، وسكن في غرفة صغيرة ليجني معيشته للشتاء. مع الحديث عن تلوث النهر جاءتهم دوريات قوى الأمن تسأل عن مجارير المتنزهات «بينما مغاسل الرمول في الجنوب تعمل ليلاً نهاراً على مرأى من عيونهم»، يقول، ثم يضيف «بس فيهم لينا لهوديك ما بيقدروا، والرشوة هونيك كبيرة نحن مشحّرين».
يستذكر موسمه في الأعوام السابقة «عندي تلاتين طاولة كانت تتعبّى ناس، وكان في ناس يقعدوا ع الحصر وع الأرض». أما اليوم بالكاد تقصده عائلة واحدة «وأحياناً نجلس انا وزوجتي وأولادي وحدنا طيلة النهار». كانت يومية الرجل تصل إلى مليون ليرة وأكثر كل يوم من نهاية الأسبوع «ونضل نطلع مصاريفنا بالإيام العادية». حمل هذا العام الخسائر فقط «بعد ما طلعنا حتى ضمان الأرض»، يقول فيما تسأل زوجته بحسرة «من وين بدنا نجيب المصاري لنبعت الأولاد ع المدرسة».
تعتبر الخردلي الضحية الأولى لتلوث الليطاني على صعيد خسائر المتنزهات والاستراحات، فهي المنطقة الأولى المفتوحة بعد سهلَي الميدنة والجرمق على حافة كفرمان بعد خروج النهر من وادي قرى قضاء جزين، حيث لوّثته المرامل ومغاسلها ومعها المقالع وسكوت المسؤولين عنها، يخرج موحلاً ملوثاً بعد ما يصله من ملوثات البقاع من مجارير منازل ونفايات صناعية.