كانت استراحات القاسمية التي يبلغ عددها نحو عشرين متنزهاً متنفساً ليس للمنطقة فقط بل حتى لأبناء مدينة صور الذين يفضلون النهر على البحر. هناك تحت أشجار الصفصاف والحور وغيرها من الأشجار المائية، كان الأهالي يهربون من شمس الشاطئ وخطر البحر على أطفالهم ويقصدون أفياء النهر. تساعدهم الأسعار المقبولة والإمكانية المتاحة لجلب طعامهم معهم، فلا يتكلف بعضهم أكثر من عشرة آلاف ليرة بدل أجرة الطاولة.
ما إن انتصف الصيف حتى جف ليطاني القاسمية، ليظهر مستنقعاً رقيقاً هنا وآخر هناك. لون الماء العكر والمائل إلى الاخضرار يحكي عن الجراثيم المعششة. تقول إحدى السيدات التي تعمل في استراحة قريبة من مجرى النهر إن صاحب الاستراحة جاء بصهريج ماء وأفرغه في مجرى النهر ليوهم الناس بوجود بعض الماء.
يختلف الوضع في القاسمية عن المتنزهات في الجزء الأعلى من حوض الليطاني جنوباً. التقط أصحاب المتنزهات التحولات سريعاً وهرعوا إلى إنشاء برك ماء يسمونها مسابح لاجتذاب الرواد. وفعلاً تجد الكثير من الناس في تلك البرك وحولها. لا يتجاوز حجم البركة أحياناً الستة أمتار بستة أمتار أو عشرة ومع ذلك تعج بالعشرات من أطفال ونساء ورجال. لا أحد يسأل عن نوعية المياه وما إذا كانت تخضع للتعقيم أو تمر بالمصافي اللازمة.
يقول رامي خليل، صاحب أحد المتنزهات إنه كان يستقبل نحو 220 طاولة في نهاية الأسبوع. مع انقطاع ماء النهر وجفاف مجراه وتلوثه هجر الناس متنزهه فأسرع إلى إنشاء مسبح بمواصفات جيدة، كما يقول. اليوم صار يأتيه نحو خمسين طاولة حداً أقصى «بيضل أحسن من بلاش».
على ضفاف النهر في أول القاسمية تصل أصوات الأطفال إلى الطريق العام. هناك أنشأ أحد أصحاب المتنزهات مسبحاً أيضاً. وهناك تجد نحو خمسين شخصا في بركة لا يزيد طولها عن ستة أمتار وعرضها كذلك. يقول الياس مسعد، أحد أبناء صور، إنه لا يثق بنظافة الماء «ولكن ليس لدينا خيارات كثيرة، زوجتي لا تحب البحر وتخاف على أطفالنا من شمسه الحارقة صيفاً، ولا قدرة لنا على قصد متنزهات بعيدة ومرتفعة الكلفة».
وعليه، تحول نصف متنزهات القاسمية حتى الآن من الاستثمار على الليطاني إلى إنشاء برك مائية يستعملونها كمسابح لاجتذاب الرواد. وهنا يقول رامز عيسى إنه سيبيع متنزهه وسيفتح محلاً في المنطقة لتجهيز المسابح «لم يعد هناك نهر اسمه الليطاني، أعتقد أن جميع المتنزهات ستتحول إلى مسابح»، يقول ليبرر تحوله الاستثماري، آملا نجاحه «بعتقد بيمشي الحال أكتر، فكل متنزهات الليطاني، وليس في القاسمية فقط، ستكون مضطرة لإنشاء مسابح كبديل من النهر وهذا سيزيد الطلب على تجهيزات المسابح ومستلزماتها».
ليس من نهر اسمه الليطاني يصب في القاسمية. ذلك المجرى الخالي من المياه والذي تحول إلى ما يشبه المستنقع في برك صغيرة متفرقة ليس النهر الجميل الذي قيل إنه يمتد بطول سبعين كيلومتراً من غرب بعلبك إلى القاسمية زارعاً الحياة على ضفتيه أينما جرى وحل.
هذا المجرور الذي يشق بساتين الحمضيات بعد الطريق العام في القاسمية قبل مدينة صور بقليل هو نهر الموت التي يزرع الأمراض بين الناس ويفسد مواسم المزارعين ويصدّر الخضار الملوثة إلى كل لبنان من البقاع والجنوب. علّ المسؤولين اليوم، مع من سبقهم إلى الوزارات المعنية بنهر الليطاني، راضون عما ارتكبت أياديهم.