عادل وهبي – الحياة
بات الزبّال في لبنان يستحق يوماً له، مثلما للمعلم يوم وللجندي يوم وللممرّض يوم… هذا الشخص المجهول عادة يؤدي خدمة هي من أقسى الخدمات وأخطرها، لا سيما اليوم، بعدما باتت «الزبالة» في لبنان تهدد البشر والبيئة والماء والهواء… هذا الشخص الذي يتعرض لأخطر الأوبئة والميكروبات، مخاطراً بحياته وسط القاذورات التي تفوق الوصف، يستحق فعلاً لفتة من الدولة والشعب وتحية وطنية وإنسانية. ولكن في وطن مهترئ و «معفّن» يتآكله صدأ الفساد والسرقة والنهب… وإذا لم تبال الدولة بالزبالة ذاتها ولا بصحة الناس والتلوث الرهيب الذي جعل بيروت في صدارة المدن الملوثة فهي لن تلتفت إلى الزبال، هذا آخر همومها.
لم أحب يوماً كلمة زبال. هذه الكلمة التي على وزن «فعّال» لغوياً لا تليق بهذا الإنسان العظيم الذي يضحي بصحته وحياته لينظف ما يتركه البشر من فضلات وأوساخ. هو لا «يزبّل» بتاتاً بحسب ما يوحي به اسمه، هو ينظف، ويجب أن يسمى المنظّف، ولو أن هذه الكلمة لها معناها في عالم الجرائم والمجرمين. نحن نزبّل أما هو فيزيل زبالتنا.
كان الزبال دوماً، ولا يزال، شخصاً لطيفاً، ودوداً وأليفا، يطرق الأبواب وينقل أكياس الزبالة ويضعها على عربته أو يرميها في صندوق الكميون. وكان الزبالون يقصدون البيوت في عيد رأس السنة يطلبون عيديتهم وكان الناس لا يحرمونهم إياها تقديراً لهم. الزبال شخص من أشخاص المدينة والحي، ليس غريباً عن الناس الذين يلمّ زبالتهم، ليس غريباً حتى، ولم يكن لبنانياً. أما اليوم، فقست عليه الظروف وجعلت مهنته خطرة ورمته أمام أكداس من الزبالة لا تمكن زحزحتها. زبالة من هنا ومن هناك، في الأحياء، في الساحات، في الأحراج، على الشواطئ، على الطرق والأوتوسترادات. ترى الزبالين كأنهم كائنات صغيرة وسط تلال الزبالة وجبالها ووديانها وسهولها… ماذا يفعل هؤلاء؟ ماذا في مقدورهم أن يفعلوا؟
كلما شاهدت أكوام النفايات الرهيبة تذكرت مسرحية «أبو موسى الزبال» للكاتب السوري ممدوح عدوان. هذه المسرحية شاهدناها على أحد مسارح بيروت يؤديها ببراعة الممثل الكبير رفيق علي أحمد. وفي خلاصتها أن الزبال كان ما أن يلم الزبالة حتى ينبّش فيها باحثاً عمّا يقيته من الفضلات أولاً ثم مفتشاً عن أسرار عائلات الحي التي تظهر في زبالتهم، فالزبالة تفضح وتكشف الوجه الآخر للناس. تُرى هل يعمد أحد الكتّاب المسرحيين اللبنانيين إلى وضع نص عن واقع الزبالة الذي يفوق التصور والخيال؟
قال صديق ممازحاً إنّ على وزارة السياحة الناشطة هذه الأيام أن تستفيد من الزبالة وتجعل منها مادة للترويج السياحي في البلاد، فالزبالة باتت معلماً من معالم لبنان الفريدة ويمكن إغراء السواح عبر تشييد فنادق من الزبالة مثلما فعل أهل الإسكيمو عندما بنوا فنادق من الثلج وتمكنوا من جذب السواح إلى بلادهم الباردة. لنتصور وزارة السياحة تبني فنادق من الزبالة مع مقاه وساحات. سيكون هذا المشروع مربحاً، أولاً سيساهم في حل مشكلة الزبالة المتفاقمة، ثم سيكون سبّاقاً في اختراع طريقة لبنانية غير مألوفة للترويج السياحي.