قد يكون من قبيل الصدفة، ان تستضيف مراكش للمرة الثانية، مؤتمر الدول الاطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، في نفس الظروف الدبلوماسية التي طغت على الاستضافة الاولى لهذا المؤتمر قبل عقد ونصف من الزمن.
في العام 2001 كانت ثالث أكبر مدن المملكة المغربية، على موعد مع COP7 مؤتمر الدول الاطراف السابع، وكان مقدرا لهذا المؤتمر ان يكون المحطة الابرز قبل دخول “اتفاقية كيوتو” حيز النفاذ في العام 2002، وذلك بعد ان اعتمد مؤتمر الأطراف في دورته الثالثة في كانون الأول (ديسمبر) 1997 “بروتوكول كيوتو” لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، الذي بموجبه تعهدت الدول الصناعية والدول في مرحلة التحول لاقتصاديات السوق بتحقيق أهداف تخفيض الانبعاثات. حينها كان يفترض ان يصادق على “بروتوكول كيوتو” 55 دولة على الاقل تنتج ما لا يقل عن 55 بالمئة من انبعاثات غازات الدفيئة العالمية، كي تدخل حيز النفاذ، وكان مقدراً لمؤتمر مراكش ان يلعب دور المحفز للدول التي لم تكن قد وقعت او صدقت بعد على “اتفاقية كيوتو” ان تقوم بهذه الخطوة وان تتعهد بتخفيض اجمالي انبعاثات ستة من غازات الدفيئة بمتوسط 5 بالمئة دون مستويات 1990 في الفترة من 2008-2012. هذا وقد دخل “بروتوكول كيوتو” حيز التنفيذ في 16 شباط (فبراير) 2005، ووقع عليه لحد الآن 192 طرفا، لكن كما هو معلوم شكل تنصل الادارة الاميركية الجديدة بقيادة جورج بوش من توقيع سلفه بيل كلنتون على مسودة كيوتو، المسمار الاول في نعش هذه الاتفاقية التي شكلت لاحقاً الانتكاسة الاكبر للجهود الدولية من اجل الحد من تغير المناح الناشئ عن أنشطة بشرية.
في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، تستعد مراكش لاستضافة مؤتمر الاطراف الـ 22 في ظروف دولية مشابهة لتلك التي سادت عام 2001، وبقدر ما يبدو المشهد بعد توقيع اتفاقية باريس، أكثر تفاؤلاً، فانه يبدو اكثر تعقيداً وخطورة، ورغم موجة التفاؤل العارمة التي سادت اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة مطلع الشهر الجاري، فإن جرس الانذار المبكر بدأ يقرع، مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الاميركية المتزامنة مع مؤتمر مراكش، وما قد تفضي اليه من نتائج، تعيد خلط جميع الاوراق، فيما لو قدر، للمرشح الجمهوري، دونالد ترامب الوصول الى البيت الابيض.
موجة التفاؤل الابرز، بقرب دخول اتفاقية باريس حول تغير المناخ حيز التصديق قبل نهاية العام 2016، كانت في الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل اسبوع، حيث انضم 60 طرفا يمثلون 48 بالمئة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية إلى الاتفاقية حتى الآن، ليتحقق بذلك واحد من اثنين من المتطلبات الخاصة بتنفيذ اتفاقية باريس.
وتحتاج الاتفاقية التي تم تبنيها في كانون الاول (ديسمبر) عام 2015 الى تصديق 55 دولة تمثل مجتمعة 55 بالمئة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية للتصديق قبل دخولها رسميا الى حيز التنفيذ. ويهدف الاتفاق الى الحفاظ على متوسط الارتفاع العالمي لحرارة الأرض تحت مستوى درجتين مئويتين، من اجل تجنب المزيد من العواقب الوخيمة لتغير المناخ مثل الجفاف والفيضانات وذوبان الأنهار الجليدية وارتفاع منسوب مياه البحر.
ويدخل اتفاق باريس لتغير المناخ حيز التنفيد بعد مضي 30 يوما على مصادقة 55 دولة على الاقل، والمسؤولة عن نسبة 55 بالمئة من انبعاث الغازات الدفيئة.
وسلم الرئيس الأميركي باراك أوباما ونظيره الصيني شي جين بينغ، وثائق تصديق بلديهما على الانضمام إلى اتفاقية باريس للمناخ الى الأمين العام للأمم المتحدة. وتكتسب مصادقة البلدين على الاتفاقية اهمية خاصة نظرا لأنهما يصدران معا 40 بالمئة من الانبعاثات العالمية للغازات الملوثة، تنتج الولايات المتحدة منها 15 بالمئة. وينص اتفاق باريس على عقد اجتماعات منتظمة كل خمس سنوات ابتداء من عام 2018 لاستعراض التقدم المحرز والنظر في كيفية تعزيز مستوى الطموح.
ورغم محاولات الساسة الاميركيين ، وابرزهم وزير الخارجية جون كيري، التأكيد على ان لا شيء سيوقف عجلة اتفاقية باريس، بدأت الاصوات ترتفع من داخل الادارة الاميركية وخارجها، على ان كل شيء متوقع في حال وصول دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة. ومعلوم ان ترامب اطلق سلسلة من المواقف المشككة بتغير المناخ، وقدم تعهدات غير مسبوقة لقطاع استخراج وصناعة النفط حول استمرار الاستثمار في هذا القطاع، رغم ان اتفاقية باريس تنص صراحة على ضرورة وقف هذه الاستثمارات في مهلة اقصاها نهاية العام 2020، وذلك لضمان الحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية “أقل بكثير من درجتين مئويتين” مقارنة بعصور ما قبل الصناعة (1880 _ 1899). وبغية ذلك، وضعت الدول هدفاً نصب أعينها يتمثل في خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 50 بالمئة بحلول عام 2050 و 100 بالمئة بحلول عام 2100، وهو هدف لا يمكن تحقيقه دون الوقف الكامل لاستخدام الوقود الاحفوري.
ومن المفترض ان يواصل مؤتمر مراكش ما بدأه مؤتمر باريس، وأن يكون مؤتمر أفعال لترجمة العديد من المحاور المتفق عليها في اتفاق باريس إلى أرض الواقع ومن بينها التكيف مع الوضع، والشفافية، ونقل التكنولوجيا وبناء القدرات والخسائر والأضرار.
وتركز التقارير العلمية على ضرورة أن تبلغ الانبعاثات العالمية ذروتها عام 2015، وتعود مستوياتها عام 2020 إلى ما كانت عليه عام 1990، ومن ثم تعود وتنخفض بنسبة 80 بالمئة من هذا المعدل عام 2050.
وتقول المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة، أن مستوى تركيز الغازات المسببة لمفعول الدفيئة بلغ معدلات قياسية جديدة في العام 2015. وأن تركيز ثاني أوكسيد الكربون ارتفع بواقع 397.7 جزءا في المليون في الغلاف الجوي في العام 2013. وفي النصف الشمالي من الكرة الأرضية، تخطت مستويات تركيز ثاني أوكسيد الكربون عتبة 400 جزء في المليون خلال فصل الربيع، وهي الفترة التي تكون فيها كميات هذا الغاز هي الأكبر. ويقول خبراء المناخ إنه بات من شبه المستحيل الحفاظ على درجة حرارة الأرض، فالوقوف عند ارتفاع يصل في حدّه الأقصى إلى درجتين مئويتين، يتطلب إعادة تركيز الغازات الدفينة على ما يعادل 350 جزءاً في المليون من ثاني أوكسيد الكربون، وهو هدف فشلت حتى اللحظة جميع السيناريوهات التي تطرح داخل أروقة الأمم المتحدة، بما فيها نص اتفاقية باريس، في الوصول اليه.
ويمكن تلمس العقبات التفاوضية التي تنتظر مؤتمر الاطراف في مراكش، من خلال الاضاءة على ما تم الاتفاق عليه، في الدورة الرابعة والأربعبن للهيئتين الفرعيتين لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، التي عقدت في بون في شهر أيار (مايو) الماضي. فالبرغم من التقدم المحدود الذي تم إحرازه بشكل عام بشأن مد الجسور إلى مراكش، وبعد مغادرة الوفود مدينة بون، عبر الكثيرون عن تقديرهم بأن الاجتماع وفر المساحة اللازمة لمزيد من التبادلات المتعمقة لوجهات النظر. وشعر العديد بأن الاجتماع ساعد في توضيح فهم البلدان والمجموعات لمختلف وجهات النظر والمجالات المحتملة للتقارب والتباعد، وما يكمن وراء مواقفهم وكيفية التعامل مع تلك المخاوف، خصوصاً لجهة تطبيق بنود اتفاقية باريس، بعد دخولها حيز النفاذ.