تعاني مريضات سرطان الثدي من آثار جسدية لا تقل عن تلك النفسية بعد عملية استئصال الثدي، لذا فإن في الكثير من مراكز هذا النوع من الجراحة، نجد مركزا نفسيا لمتابعة النساء بشكل حثيث بعد عملية استئصال الثدي، فضلا عن متابعتهن لدى أطباء التجميل الذين يستطيعون إعادة تشكيل العضو المستأصل، وقد تلتئم جراح أجساد هؤلاء النسوة، لكن التعافي النفسي يحتاج لوقت أطول وقد لا تتعافى الكثير من النساء من هذا الأمر، وإن كن يستطعن التعايش معه.
إلا أن فنان الوشم فيني مايرز من مدينة بالتيمور في ولاية ماريلاند الأميركية، لفت انتباه النساء والجراحين على حد سواء، ليس لملابسه الغريبة المكونة من بدلة قطن وربطة عنق، وأحذية مصنوعة من جلد التمساح، إنما لفن الوشم الفريد من نوعه ثلاثي الأبعاد 3D، ويقوم بوشم حلمات لمريضات سرطان الثدي لمساعدتهن على تجديد شعورهن بالأنوثة بعد عملية استئصال الثدي، والتخلص إلى حد كبير من شعورهن “بنقص الأنوثة”.
وتعرف مايرز بالصدفة على الأخصائي في عمليات ترميم الثدي الدكتور سكوت سوليفان Scott Sullivan في مركز جراحة الثدي الترميمِية في نيو اورليانز عبر إحدى مريضاته، وساعد مايرز النساء على التعافي من الجراحة الترميمية للثدي من خلال تصميم وشم على شكل حلمة 3D، أو “ناتس” Nats، والتي تعطي مظهر “الحلمة الحقيقية”.
تاتو الحلمة 3D
وقال مايرز في فيديو يتابع رحلة كاتبة قصص الخيال العلمي كايتلين كيرنانCaitlin Kiernan مع وشم الحلمة، ونشرته صحيفة النيويورك تايمز The New York Times مؤخرا “لم أعتقد منذ 20 عاما أنني سأقوم بهذا العمل”، وأضاف: “نقوم بحوالي 1500 إلى 2000 عملية (ناتس) في السنة، لدرجة أننا لا نستطيع أن نشم عددا أكبر خلال مما نقوم به”، وأشار إلى أنه “لن يصدق أحد عدد حالات سرطان الثدي الموجودة هناك”، ويساعد مايرز بإعادة شيء فقدته هذه المريضات في معركة حياتهن ضد سرطان الثدي.
وأصبح تاتو الحلمة 3D العلاج المكمل المفضل بعد إجراء عملية flap التقليدية، وفقا لعيادة مايو كلينيك the Mayo Clinic ، وينطوي هذا الإجراء على أخذ جزء من الأنسجة من منطقة من الجسم ثم تشكيل الثدي الجديد، بدلا من الزراعة التعويضية بزرع السيليكون، وتتم هذه العملية عادة بعد استئصال الثدي حيث يقوم الجراحون بإعادة ترميم الحلمة.
وقال سوليفان: “كنا نقوم بعمل وشم للحلمة بأنفسنا، وكان عملنا صعبا للغاية، إلا أن مريضة لفتت نظري إلى عمل مايرز، وتابعت أعماله في البداية على موقعه على الإنترنت”، وكان وشم الحلمة في البداية يتمثل باختيار ثلاثة ألوان دون عملية المزج لإضفاء ظلال تعطي منظرا حقيقيا.
وقال مايرز أنه “شرف لي أن أكون خاتمة هذه المرحلة من حياة هؤلاء النساء”، ويحول مايرز الحلمة إلى تحفة فنية من الألوان والظلال ليخلق شكل حلمة حقيقية، وقد وصلت سمعته إلى بلاد بعيدة مثل المملكة العربية السعودية والبرازيل.
الرضى الأكثر جدوى
وأشار مايرز إلى أنه لم يكن مستعدا “للدرجة التي يؤثر فيها عملي على هؤلاء النساء، وأن تقوم بهذا العمل البسيط وأن يعني لهن بهذا القدر، فهو أمر يشعرك بالإنجاز والسعادة”، وأضاف “بعض النساء يطلبن أوشاما أخرى مثل النجوم والأزهار وغيرها”.
بعد أن عمل في مجال الوشم خارج بالتيمور لمدة تزيد عن 20 سنة، فقد لفت نظر طبيب التجميل سكوت الذي أراد وضع اللمسات الأخيرة على عمله، ليكون بالشكل الأفضل، وقال مايرز “كان أول عمل لي هو وشم نصف حلمة، وكان التأثير هائلا على من شاهده”.
وقال مايرز “في أحد الأيام وصلت إلى عملي وكان يوم الإثنين، فقلت هذه نهاية العمل في وشم الحلمات، وسأعود إلى عملي الفني في الوشم، وعندها أتاني اتصال من أختي لتخبرني بإصابتها بسرطان الثدي، واعتبرت الأمر علامة للاستمرار في عملي، وتحول بالتالي إلى عمل حياتي”، وكرس مايرز عمله لمساعدة النساء في المرحلة الأخيرة من التعافي من سرطان الثدي، وقال “إنه عمل هام ويشعرني بقناعة كبيرة، ولن أستبدله بأي عمل آخر”، وأضاف “تفقد الرضى الفني عندما تقوم بوشم الحلمة كل يوم، ولكن يمكنك الحصول على هذا الرضى الآخر الأكثر جدوى”.
وتأتي معظم الحالات من مركز جون هوبكنز للسرطان the Johns Hopkins Breast Center في بالتيمور ومراكز طبية عديدة أحرى، وقد بدأ مايرز بتدريب ابنته التي قضت العشرة أشهر الأخيرة في التدرب على الوشم، بينما تتابع دراستها الجامعية، ولتلبية الطلب المتزايد على هذا النوع من الوشم.