نشرت “منظمة الصحة العالمية” World Health Organization تقريرا صادما بشأن تلوث الهواء، أشارت فيه إلى أن نحو ثلاثة ملايين شخص يموتون سنويا بسبب تلوث الهواء، فيما عدد ضحايا تلوث الهواء الداخلي فيقدر بنحو 4.3 مليون شخص، وتصل نسبة سكان العالم الذين يعيشون في مناطق يغطيها هواء ملوث للغاية إلى 92 بالمئة، بحسب التقرير الذي اعتمدت المنظمة في نتائجه على بيانات مستمدة من قياسات الأقمار الصناعية، ونماذج النقل البري، فضلا شاشات لمراقبة المحطات الأرضية في أكثر من 3000 موقع في الأرياف والمدن.
وجاء التقرير قبيل أسابيع قليلة من انطلاق فعاليات مؤتمر الأطراف في الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة بشأن التغيرات المناخية “كوب 22″، الذي سينظم في مدينة مراكش، في الفترة ما بين 7 و18 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، ما يعني أن ما خلص إليه التقرير سيرمي بظلاله على المؤتمر، ويفرض تحديات من المفترض أن تحث الدول ومنظمات المجتمع الدولي على اتخاذ خطوات جدية لحسم الكثير من القضايا، ليس لجهة تكريس اتفاق باريس فحسب، وإنما لجهة تسريع الخطوات من أجل تبني الدول اقتصادات خالية من الكربون.
منظمة السلام الأخضر – روسيا
رئيس برنامج الطاقة في “منظمة السلام الأخضر – روسيا” فلاديمير شيبروف، أشار في هذا السياق لـ Euro news إلى أن “المسائل المتعلقة بحماية البيئة التي قد تتسبب في تصاعد معدل الوفيات، لا تحظى بالأولوية في بلادنا، على الرغم من أن روسيا من بين الدول التي ينبغي عليها مناقشة مثل هذه المسائل. وبصرف النظر عن تلوث الهواء، اليوم مئات الآلاف إن لم يكن الملايين من الناس يعيشون على الأراضي الملوثة بالإشعاع.
وأكد تقرير منظمة الصحة العالمية أيضا أن مستويات تلوث الجو مرتفعة، خصوصا في جنوب شرق آسيا وفي غرب المحيط الهادئ والحوض الشرقي للبحر المتوسط.
مركز العلوم والبيئة في الهند
الباحث في “مركز العلوم والبيئة في الهند” نسيم عثمان، قال: “لدينا تلك الصورة أن العالم الأوروبي يمتلك نوعية جيدة من الهواء، كما كنا تعتقد أن وحدها المدن الآسيوية والهندية وكذلك القارة الأفريقية هم الذين يعانون من مشكلة التلوث، لكن هذه التقارير التي نشرت بينت أن الطبيعة الأوروبية تعاني من مشاكل مماثلة”.
وأشارت منظمة الصحة العالمية أن المصادر الرئيسية لتلوث الجو تعود إلى وسائل النقل غير الفعالة، والوقود المنزلي، واحتراق النفايات، ومحطات توليد الكهرباء العاملة بالفحم والنشاطات الصناعية.
ملخص الدراسة
أشارت الدراسة إلى أن نسبة 92 بالمئة من سكان العالم يعيشون في أماكن تتجاوز فيها مستويات نوعية الهواء الحدود التي تعينها المنظمة، وهي معلومات تقدمها خرائط تفاعلية تبرز مناطق موجودة داخل البلدان تتجاوز الحدود التي تعينها المنظمة”.
وتقول الدكتورة فلافيا بوستيرو Flavia Bustreo المدير العام المساعد في المنظمة إن “النموذج الجديد الذي وضعته المنظمة يبيّن البلدان التي توجد فيها البؤر الخطيرة لتلوّث الهواء، ويرسي الأساس اللازم لرصد التقدم المحرز في مكافحتها”.
ويعرض النموذج أيضاً أكثر البيانات الصحية تفصيلاً والمصنّفة بحسب البلد التي أبلغت عنها المنظمة أكثر من أي وقت مضى، في ما يتعلق بتلوّث الهواء في الأماكن المفتوحة (أو الأماكن المحيطة). ويستند النموذج إلى بيانات مستمدة من قياسات السواتل ونماذج النقل الجوي ومحطات الرصد الأرضية في أكثر من 3000 موقع من المواقع الريفية والحضرية على حد سواء، وهو من إعداد المنظمة بالتعاون مع “جامعة باث” University of Bath في المملكة المتحدة.
أثر تلوّث الهواء على صحة الإنسان
يتسبب التعرض لتلوّث الهواء بالمناطق المفتوحة في وقوع نحو 3 ملايين وفاة سنوياً، ويمكن أن يُوقع تلوّث الهواء بالأماكن المغلقة وفيات بالعدد نفسه تماماً، إذ أشارت التقديرات في عام 2012 إلى أن تلوّث الهواء في الأماكن المغلقة وتلك المفتوحة معاً، تسبب في وقوع 6.5 مليون وفاة (11.6 بالمئة من مجموع الوفيات في العالم).
وتُبتلى البلدان المنخفضة الدخل وتلك المتوسطة الدخل بنسبة 90 بالمئة تقريباً من الوفيات الناجمة عن تلوّث الهواء، بواقع يقارب وفاتين من أصل ثلاث وفيات في إقليمي جنوب شرق آسيا وغرب المحيط الهادئ.
وتُعزى نسبة أربع وتسعين بالمئة من الوفيات إلى الأمراض غير السارية، وخصوصاً منها أمراض القلب والأوعية الدموية والسكتة الدماغية ومرض الانسداد الرئوي المزمن وسرطان الرئة، ويزيد أيضاً تلوّث الهواء من مخاطر الإصابة بالتهابات الجهاز التنفسي الحادة.
وتضيف الدكتورة بوستيرو إن “تلوّث الهواء لا يزال يخلّف آثاره على صحة أكثر فئات السكان ضعفاً من نساء وأطفال ومسنّين، ولكي ينعم الناس بالصحة، فإن عليهم أن يستنشقوا هواءً نقياً من المهد إلى اللحد”.
وتشمل المصادر الرئيسية لتلوّث الهواء وسائط النقل غير الكفوءة وحرق الوقود والنفايات في المنازل ومحطات توليد الطاقة العاملة بالفحم والأنشطة الصناعية، على أن نشاط الإنسان لا يتسبب في كل أشكال تلوّث الهواء، حيث يمكن أيضاً أن تتأثر نوعية الهواء بالعواصف الترابية، ولا سيما في المناطق القريبة من الصحاري.
تحسين البيانات المتعلقة بتلوّث الهواء
دقّق النموذج في البيانات المستمدة من السواتل والمحطات الأرضية لتعظيم موثوقيتها، وحُلِّلت فيه معدلات التعرض لتلوّث الهواء على الصعيد الوطني، بالاستناد إلى فئات السكان ومستويات تلوّث الهواء بواقع استبانة شبكية مساحتها 10 كلم × 10 كلم تقريباً.
وتحدّثت الدكتورة ماريا نيرا María Neira مديرة إدارة شؤون الصحة العمومية والمحددات البيئية والاجتماعية للصحة في المنظمة، قائلةً إن “هذا النموذج الجديد هو خطوة كبيرة إلى الأمام على طريق إجراء تقديرات أكثر موثوقية، كذلك عن العبء العالمي الجسيم للوفيات التي يتجاوز عددها 6 ملايين وفاة، بواقع وفاة واحدة من مجموع وفيات العالم البالغ تسع وفيات، من جراء التعرض لتلوّث الهواء في الأماكن المغلقة وتلك المفتوحة. ويوجد الآن المزيد والمزيد من المدن التي تتولى رصد معدلات تلوّث الهواء، وتتسم البيانات المستمدة من السواتل بطابع أكثر شمولية، ونحن عاكفون على تحسين عملية تنقيح التقديرات الصحية ذات الصلة”.
خرائط تفاعلية
تقدم الخرائط التفاعلية معلومات عن المعدلات المُرجّحة لتعرض السكان للمواد الجسيمية الديناميكية المنتشرة في الجو التي يقل قطرها عن 2.5 ميكرومتر، بالنسبة إلى البلدان كافة، كما تبيّن الخرائط البيانات المستمدة من محطات الرصد، في ما يتعلق بقيم الجسيمات التي يتراوح قطرها بين 10 و2.5 ميكرومتر في حوالي 3000 مدينة وبلدة.
وتضيف الدكتورة نيرا بالقول إن “الإسراع في العمل بشأن معالجة تلوّث الهواء لن يحدث في أجل قريب بما فيه الكفاية، وثمة حلول متوفرة بشأن وسائط النقل المستدام في المدن وإدارة النفايات الصلبة، وسبل الحصول على الأنواع النظيفة من الوقود المنزلي وعلى مواقد الطهي، فضلاً عن الوصول إلى الأنواع المتجددة من الطاقة وخفض الانبعاثات الصناعية”.
حدّد زعماء العالم في أيلول (سبتمبر) 2015 هدفا ضمن أهداف التنمية المستدامة، بشأن الحد بدرجة كبيرة من عدد الوفيات والأمراض الناجمة عن تلوّث الهواء بحلول عام 2030. وأقرّت المنظمة في أيار (مايو) 2016 “خارطة طريق” جديدة بشأن الإسراع بالعمل في مكافحة تلوّث الهواء وأسبابه، وهي خارطة تدعو قطاع الصحة إلى رفع مستوى رصد تلوّث الهواء على الصعيد المحلي، وتقييم آثاره على الصحة والاضطلاع بدور قيادي أكبر في ميدان وضع السياسات الوطنية المؤثرة في مجال مكافحة تلوّث الهواء.