ترتفع  نسبة التلوث البيئي بمختلف مكوناته يوماً بعد يوم، وبغض النظر عن الاسباب، تظل النتائج المترتبة على هذه المشكلة كارثية، فانتشار التلوث في التربة والماء والهواء، ساهم الإنسان بشكل كبير في زيادته وتفاقمه، وفي زيادة أخطاره أيضا.

أكثر أنواع الملوثات هو التلوث الهوائي أو تلوث الغلاف الجوي، فتلوث الهواء يتأثر بكل من تلوث التربة، حيث تنتقل الملوثات الموجودة في التربة عبر الهواء فتصبح ضمن جزيئاته، فتخل بتركيبها الأصلي ويحدث الخلل، ويتأثر تلوث الهواء أيضا بتلوث الماء، فعندما يكون الماء ملوثا هذا يعني أنّه إذا تبخر بفعل أشعة الشمس فإنّه يصل للهواء ويكون سببا في تلوثه، وأيضا التلوث الحديث المتمثل بالموجات الإلكترونية والكهرومغناطيسية التي تسير عبر الهواء ولها تأثير عليه، فضلا عن المفاعلات النووية والكيميائية التي لها تأثير خطير على الهواء من ما تنتجه العوادم كالدخان، الذي يتسرب للتربة والماء، فتصل للهواء بطريقة غير مباشرة.

 

تلوث الغلاف الجوي

 

أما أسباب تلوث الغلاف الجوي، فتختلف بين طبيعية وبشرية. بالنسبة الى تلك الطبيعية، فتتمثل بالبراكين والزلازل وحرائق الغابات والأعاصير، والتلوث بالمواد المشعة كانحلال غاز الرادون، والتلوث بالغازات كالغازات غير الميثانية الناتجة من مركبات البنزين والتولوين والزيلين، وغاز الميثان. اما الأسباب البشرية، فتتمثل بوسائل المواصلات وما ينتج من عوادمها كأول أوكسيد الكربون، أو بسبب الروائح الكريهة المنبعثة من شبكات الصرف الصحي والقمامة، وما ينتج من دخان المصانع وحرق الفحم الحجري، وخصوصا ثاني أوكسيد الكربون لأن زيادة نسبته خطر على الغلاف الجوي رغم بعض فوائده، التلوث الإشعاعي وهو أخطر أنواع التلوث فهو بلا رائحة أو لون ويسبب أمراضا خطيرة للكائنات الحية، التلوث النووي والكيميائي وهو ناتج عن المصانع النووية والأسلحة الحربية النووية، والتلوث الصلب ببعض المعادن كالنحاس والكادميوم والرصاص، أو التلوث الناتج من استخدام بعض المستحضرات كمثبت الشعر (السبراي) أو مواد التنظيف.

بدأت مشكلة تلوث الهواء تظهر بشكل فعلي وجدي بعد الحرب العالمية الثانية وظهور البترول، وما تلاهما من ثورة صناعية ورخاء اقتصادي. فقد انتشرت المصانع المختلفة التي تعمل على الفحم والبترول، كما انتشرت السيارات وآليات النقل المختلفة، مما أدى إلى ارتفاع حاد في نسبة الملوثات الهوائية وذرات الغبار في الجو. لقد انصب اهتمام الناس بالتطور الصناعي والاقتصادي بدون النظر إلى أبعاده البيئية، وقد سبب هذا التطور على حساب البيئة العديد من الكوارث البيئية التي ظهرت في ما بعد، والتي أودت بحياة الكثير من الناس.

 

حموضة الغلاف الجوي الى انخفاض!

 

في هذا السياق، أظهرت دراسة جديدة أن حموضة  الغلاف الجوي، بسبب التلوث الناتج عن الانشطة البشرية، قد انخفض الى المستوى الذي كان عليه قبل بدء التلوث الصناعي في العام 1930.

الدراسة التي نشرت في مجلة environmental science and technology، استندت الى تشريح الغطاء الجليدي في غرينلاند الذي يشكّل “ارشيفاً” فريداً لتكوين المناخ والغلاف الجوي منذ زمن بعيد.

ويتكون الغطاء الجليدي من الثلوج المتراكمة التي لا تذوب والتي تضغط على الجليد، ومن خلال الحفر في قلب الجليد لكيلومترات عدة، تمكن الباحثون من تحليل كل الطبقات واحدة تلو الاخرى لاستدراك تغيرات الطقس، واستنتاج تركيز الغازات المسببة للاحتباس الحراري والملوثات في الغلاف الجوي.

ومن مسببات وجود الأسيد في الغلاف الجوي، الانفجارات البركانية الكبيرة من جهة والانبعاثات الناتجة عن النشاط الصناعي، ويمكن قياس حموضة الجليد ببساطة عبر تمرير الاداة الخاصة التي تصل الى لب الجليد.

وعند وجود مستوى عالٍ من الحموضة، فإن هذا المقياس يمكن مقارنته بالعودة الى الفترة الجليدية الاخيرة قبل 125000 سنة. اما اذا اردنا قياس مستوى الحموضة في الغلاف الجوي في السنوات الـــ 100 الاخيرة، فالامر صعب، لان طبقات التغيرات السنوية تتواجد على عمق 60 متراً حيث الثلج هو اكثر عرضة للاختراق ولم يتحوّل بعد الى جليد صلب.

 

مؤشرات التلوث من سنة إلى أخرى

 

في المقابل، فإن هذه السنوات المئة الاخيرة اثارت اهتمام الباحثين، لانها الفترة التي حصلت فيها اكبر نسبة من التلوث الصناعي، واستخدام المركبات وانماط الحياة المستهلكة للطاقة.

لهذا السبب، تشير هيلس استريد كيير، المتخصصة في مركز الجليد والمناخ في معهد بور نيلز في جامعة كوبنهاغن، الى انه تم استنباط آلية جديدة تسمح للخبراء قياس مستوى حموضة الثلج بالاستعانة بالـ spectrometer. فعبر غرس قسطل على عمق الجليد يبدأ الجليد بالذوبان ببطء، فتتجه المياه الى مختبر يسجّل المؤشرات الكيميائية.

بهذه الطريقة تقول كيير “يمكن ايضاً قياس مستوى الحموضة، ويتم تسجيل الرقم الهيدروجيني مع تحوّل الوان المياه عند اضافة الصبغة التي تمثل درجة الحموضة، الامر الذي يسمح مباشرة برؤية التقلبات سنة تلو أخرى”.

لسنوات عديدة، سعى الباحثون إلى إيجاد حل لمشكلة قياس درجة الحموضة في الطبقات السنوية التي يسهل اختراقها من الجليد وقد نجحوا اليوم. هذه الطريقة لتحليل التدفق المستمر أو طريقة CFA اخترعت  أصلا في سويسرا، ولكن هيلي استريد كيير قادت مواصلة تطوير النظام بحيث أنه يمكن أيضا قياس مستوى الحموضة.

وبالإضافة إلى كونها قادرة على قياس نسبة الحموضة بدقة، يمكن لنظام الـ CFA  تمييز مصدر الانبعاثات بين طبيعية كثورات البراكين وحرائق الغابات الكبيرة او من الصناعة. الامر الذي يجعل النتائج جديدة وثورية في هذا المجال.

في هذا السياق، لاحظ الباحثون ان نسبة التلوث الحمضي في الغلاف الجوي بسبب الصناعة قد انخفضت بشكل كبير منذ بدء النشاط البشري المسبب لهذا التلوث في العام 1930، والذي وصلت نسبته الى الذروة بين عامي 1960 و 1970.

وفي العام 1970 اعتمدت كل من اوروبا والولايات المتحدة الاميركية مبدأ تنظيف الهواء، الامر الذي أجبر على اعتماد مبدأ الفيلترات في المصانع الذي يخفض نسبة انبعاثات الحموضة. وهو الامر الذي نرى نتائجه اليوم.

وبالتالي “فإن التلوث الناتج عن حموضة الغلاف الجوي قد انخفض الى المستوى الذي كان عليه قبل انطلاق الثورة الصناعية عام 1930” تقول كيير.

ولتخليد الامر، تم بالفعل استخدام أسلوب الرقم الهيدروجيني الجديد على العينات الجليدية في غرينلاند والقطب الجنوبي من قبل فرق البحث من نيوزيلندا والولايات المتحدة والدنمارك.

قد يعتبر الكثيرون ان الخبر مفرح الا ان السؤال الاكبر يبقى :  اذا التزمت اميركا بفلترة دخان المصانع… فماذا عن الصين والهند وروسيا وسائر دول الاقتصادات الناشئة ؟

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This