حقق المغرب إنجازا دوليا مهما على طريق الاستدامة والممارسات الصديقة للبيئة، بعد إعلان فوز مشروع “حصاد الضباب” Fog harvesting، يوم أمس الأربعاء 29 أيلول (سبتمبر) الذي أنجزته جمعية “دار سي حْمَاد” Dar Si Hmad، بـ “جائزة الأمم المتحدة لتغير المناخ” United Nations climate change award، ويقوم هذا المشروع على فكرة بسيطة قائمة على تحويل الضباب الى ماء، وقد أثبت جدواه، إذ غيّر حياة سكان خمس قرى جنوب غربي المغرب، في منطقة صحراوية نائية، وجنبهم مشقة قطع عشرات الكيلومترات يومياً للحصول على ماء الشرب.
يعتمد المشروع على تركيب أربعين شبكة عملاقة فوق “جبل بوتمزكيدة”، المشرف على خمس قرى متاخمة لمدينة سيدي إيفني Sidi Ifni، من أجل جني الضباب المخيم على الجبل.
ويتم بعد ذلك معالجة قطرات المياه التي تقع في ما يعرف بـ “فخ الشباك”، من خلال خلطها مع مياه الآبار، ثم يتم نقلها عبر أنابيب مباشرة إلى منازل القرى المجاورة عبر شبكات توزيع.
وبفضل هذا المشروع، الذي تم تصنيفه من قبل الأمم المتحدة كـ “أكبر نظام لجني الضباب التشغيلي في العالم”، لم تعد النساء ولا الأطفال يقضون وقتا كبيرا من أجل استقدام المياه من الآبار البعيدة، ولكنها تصلهم إلى غاية بيوتهم.
وسيتم تسليم الجائزة إلى الجمعية غير الحكومية المغربية “دار سي حماد” خلال الفعاليات الخاصة بمؤتمر الأطراف في الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة بشأن التغيرات المناخية “كوب 22” COP22، الذي سينظم في مدينة مراكش، في الفترة ما بين 7 و18 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل.
تقليد الطبيعة
وثمة عوامل عدة ساعدت في نجاح المشروع، ولا سيما منها كثافة الضباب بسبب بعض العوامل الرئيسية، من الضغط الجوي المرتفع، إلى التيارات البحرية الباردة وصولا إلى الحاجز الذي يشكله “جبل بوتمزكيدة”.
وتمثل هذه التقنية تقليدا لما تقوم به الطبيعة في تحويل الضباب الى ماء سائل، وتتميز بأنها صديقة للبيئة في الوقت عينه، كونها تساعد في الحفاظ على منسوب المياه الجوفية في المنطقة وعدم استنزافها، وهذه مشكلة قد تتسبب بظاهرة التصحر، وهي تواجه العديد من الدول الفقيرة بمواردها المائية.
وتكمن أهمية المشروع في أنه بات منذ أشهر عدة قيد التشغيل، ويستفيد منه الآن 92 منزلاً يحصل أصحابها على الماء الصالح للشرب، في خطوة قابلة للتعميم على أكبر عدد من القرى القريبة من الجبال.
حصاد الضباب
يعتبر حصاد الضباب من الوسائل البديلة لتوفير المياه، ويستند إلى تقنيات حديثة، تمكن من جمع المياه من الضباب عندما تتوفّر الظروف الملائمة لحدوث تكثيف في كتلة من بخار الماء فوق سطح الأرض على ارتفاعات متفاوتة، ويمكن استغلال هذه الخاصيّة لتوفير مصدر بديل للمياه في المناطق التي يكثر بها الضباب، حيث تبرز أهمية تقنية حصاد الضباب في المناطق الساحليّة والجافة مثل بيرو وتشيلي، عندما يتكوّن هناك الضباب بكثرة في ما يعرف محليّا بظاهرة Camanchaca، ومن الممكن الإفادة من هذه المشاريع في المناطق الجبلية في حال توافر أنواع معيّنة من السحب على ارتفاعات محدّدة.
الفكرة ليست جديدة، فقد تم استخدامها لأكثر من 30 سنة بنجاح في المناطق الجبلية والساحلية في تشيلي، الإكوادور، المكسيك والبيرو، ويمكن تطبيقها في المناطق المتشابهه في طبيعتها الطوبغرافية فضلا عن الظروف المناخية المؤاتية.
جمعية “دار سي حماد”
تعنى “جمعية دار سي حْماد” بالتنمية والتربية والثقافة، وهي منظمة غير حكومية، لا تتوخى الربح تتمركز أعمالها في “أكادير”، “إفني” ومنطقة “أيت باعمران” في جنوب غرب المغرب، ومن أهدافها توفير سبل عيش مستدامة وخلق فرص للمجتمعات محدودة الموارد من أجل التعلم والازدهار، وهي تدعم الثقافة المحلية وتخلق مبادرات مستدامة من خلال التعليم ودمج واستخدام الحداثة العلمية.
وتسعى الجمعية إلى إنشاء وإرساء مشاريع عدة ترمي إلى تحسين إدارة الموارد المحلية، ودعم إقامة الأنشطة الهادفة لتحسين أسلوب العيش بشراكة مع السكان المحليين، وتعمل على تفعيل خمسة مشاريع جوهرية ذات بعد تنموي، هي: مشروع حصاد الضباب، المدرسة الإثنوغرافية، برنامج التعلم الإلكتروني، مدرسة الماء وبرنامج “رايز ويذ رايڤ” RISE & THRIVE.