نشر خلال الاسابيع الماضية عدد من المقالات الأكاديمية والتقارير الصحفية، تناولت الكلفة المالية للخطة المرحلية لمعالجة النفايات الصلبة في بيروت وجبل لبنان (باستثناء جبيل)، والتي اقرها مجلس الوزراء في شهر آذار (مارس) الماضي.
أبرز هذه المقالات تلك التي نشرها “المركز اللبناني للدراسات” وحملت توقيع الباحث والأستاذ الجامعي جاد شعبان، مستخدما الارقام والاكلاف التي ظهر بعض منها بشكل دقيق، وبعضها الآخر تم توقعه بالاستناد إلى مقاربات ومعلومات ومصادر متعددة، وخلص المقال إلى ان الكلفة المتوقعة لمعالجة طن النفايات ضمن الخطة الجديدة، سجلت ارتفاعاً عن الكلفة الحالية التي تتقاضاها الشركات التي تتولى ادارة القطاع، ضمن عقود موقعة بينها وبين الدولة اللبنانية عن طريق “مجلس الانماء والاعمار”.
في المقابل عمد عدد من الزملاء الصحفيين إلى اعداد تقارير حول كلفة معالجة طن النفايات بالمقارنة بين عرض الاسعار في المناقصة الجديدة التي فازت بها شركة الجهاد للمقاولات وبين كلفة المعالجة في العقد الموقع عام ١٩٩٨ مع “شركة سوكومي”، والذي انتهى مطلع العام ٢٠١٥ ولا يزال يُعمل به ضمن صيغة تسيير المرفق العام.
الفرق بين عرض الاسعار والعقد القانوني
إن وضع جداول مقارنة بين اسعار خدمة إدارة النفايات المنزلية الصلبة بالاستناد إلى العقود الحالية، واسعار العروض المقدمة ضمن المناقصات التي اطلقها “مجلس الانماء والاعمار”، وآخرها مناقصة فرز ومعالجة النفايات المنزلية الصلبة لمحافظتي بيروت وجبل لبنان ما عدا قضاء جبيل، لا تعتمد الاصول العلمية المرعية الاجراء في احتساب الخدمات التي تستند إلى معادلات اسعار متحركة، على أساس مبالغ مقطوعة مضافة اليها اسعار على اساس الشطور والكميات.
على سبيل المثا،ل فإن عقد الفرز والمعالجة الموقع بين “شركة سوكومي” و”مجلس الانماء والاعمار”، يتضمن العديد من الخدمات التي لا يمكن احتسابها على اساس سعر افرادي للطن، بل بالاستناد إلى معادلة اسعار قائمة على اساس الشطور، اي احتساب المبلغ المقطوع السنوي لقاء كمية النفايات ضمن الشطر الاول، يليها الكميات الاضافية التي تحتسب على اساس الشطر الثاني، يليها الشطر الثالث.
وتبين الأرقام المالية للعام ٢٠١٤، وهي آخر سنة تعاقدية فعلية بين الشركة والادارة، ان المعدل الوسطي لسعر فرز ومعالجة طن النفايات بلغ ٤٦.٦٥ دولارا أميركيا للطن الواحد.
في المقابل، فإن عرض الاسعار الذي تقدم بها العارض الفائز في مناقصة فرز ومعالجة النفايات التي اعلنت نتائجها بتاريخ ٢/٩/٢٠١٦، بلغت قبل تقديم الحسم التجاري، ٤٨ دولارا اميركيا للطن الواحد، علماً ان السعر الفائز هو اقل بثلاثة اضعاف عن السعر المقدر من قبل الاستشاري، الامر الذي يطرح علامات استفهام حيال جودة ونوعية الخدمات التي سيتم تقديمها.
يقود هذا إلى الاستنتاج أن سعر خدمة الفرز والمعالجة لا يمكن الاعتداد بها، الا بالاستناد إلى العقد المفترض توقيعه بين العارض الفائز والادارة، والذي يفترض ان يستند إلى الكمية الاجمالية الفعلية للنفايات، وليس كميات تقديرية (٢٦٠٠ طن بالاستناد إلى تقدير مجلس الانماء والاعمار للمناقصة الأخيرة)، وإلى الخدمات المنصوص عنها في دفتر الشروط، واي خدمات اضافية تطلبها الادارة والمفترض ان يتم تنفيذها بالاتفاق بين الطرفين.
ومعلوم ان القدرة الحالية لمعمل التسبيخ في “الكورال” لا تتجاوز ٣٠٠ طن حالياً، وينتج عنها سباخ بدرجات ونوعيات مختلفة، ومرفوضات يعاد طمرها. وبالتالي، فإن احتساب الكلفة الحقيقية لعملية التسبيخ يجب ان تستند إلى كمية المرفوضات الناتجة عن التسبيخ، والتي يفترض احتساب كلفة طمرها، لمعرفة الكلفة الحقيقية للسباخ بالاستناد إلى نوعيته.
تفيد المعطيات المالية ان إجمالي مدفوعات تكاليف النظافة مع الشركات المتعاقدة في المنطقة الخدماتية التي تضم محافظتي بيروت وجبل لبنان ما عدا جبيل، بلغ قرابة ١٨٩ مليون دولارا اميركيا في العام ٢٠١٤ بحسب جداول وزارة المالية، في حين أن الارقام التي تم تداولها سابقاً ويجري تداولها حالياً حول الاكلاف بالاستناد إلى سعر الطن الواحد، تفوق – اذا ما تم احتسابها على اساس الكمية الاجمالية التي ترفع يومياً – نصف مليار دولار اميركي سنوياً، الامر الذي يؤكد عدم مصداقية هذه الارقام، واستنادها إلى معادلات حسابية لا تمت إلى الاصول العلمية بصلة.
نورد هذه المعطيات للقول انه لا يمكن الخروج بمقارنات ذات مصداقية علمية واقتصادية، إلا بالاستناد إلى الاكلاف الحقيقية الناتجة عن احتساب قيمة العقود الموقعة، وهو ما لن يتم تبيانه ضمن تنفيذ خطة العام ٢٠١٦، إلا حين يتم توقيع جميع العقود وبدء تسيير الاعمال واحتساب الكميات المرفوعة وجداول الصرفيات من وزارة المالية.
خطة المطامر الشاطئية… أي كلفة؟
قد يكون من المبكر تحديد الكلفة الاجمالية لخطة آذار (مارس) ٢٠١٦ المقرر ان تمتد لفترة أربع سنوات، لان اجزاءً مهمة منها لم تلزّم بعد، وهي العائدة لمناقصة جمع ونقل النفايات في الشوف وعاليه وبعبدا، المفترض ان تعرف نتائجها الاسبوع المقبل، ومناقصة كنس وجمع النفايات ضمن نطاق بيروت الادارية، والتي يفترض ان تقوم بتلزيمها بلدية بيروت، وهي لم تعلن بعد عن دفتر الشروط وموعد اطلاق المناقصة، رغم مرور اربعة اشهر على قرار انفصالها في الكنس والجمع عن المناقصات المركزية التي يقوم حالياً “مجلس الانماء والاعمار” بترسيتها وتلزيمها.
واحدة من الاشكاليات الاساسية في احتساب كلفة الخطة الجديدة، يتعلق بالحوافز المقررة للبلديات، سواء كانت نقدية أو مشاريع خدمات عامة، ومعلوما ان احتساب هذه الحوافز المقدرة بحوالي خمسين مليون دولار يستدعي ايضاً احتساب الحوافز التي أعطيت في المرحلة السابقة، سواء النقدية بموجب القانون الذي اقر في مجلس النواب، والقرار الاخير لمجلس الوزراء لاعطاء حوافز أخرى مقابل طمر النفايات المتراكمة عن ازمة تموز (يوليو) ٢٠١٥ في مطمر الناعمة، أو الخدمات العامة مثل مشروع إنتاج الكهرباء من الغاز المنبعث من مطمر الناعمة.
لا يمكن احتساب كلفة الخطة السابقة، دون ادخال كلفة استملاكات أرض مطمر الناعمة التي دفعتها الدولة اللبنانية. في المقابل يدافع انصار الخطة الحالية عن كلفتها بالقول، انه لا يمكن ان تشمل احتساب معالجة جبل برج حمود، وهو مشروع كان سينفّذ سواء بوجود مطمر جديد بقربه أو بدون ذلك، وأن هذه الأشغال ملحوظة أصلاً ضمن مشروع “لينور” المقرر بموجب مراسيم نافذة.
بالعودة إلى الأرقام الدقيقة، يتبين أن الكلفة المقدرة للخطة الجديد على أربع سنوات:
إنشاء وتشغيل مطمر الكوستابرافا الغدير (لأربع سنوات) |
53،2 مليون د.أ |
إنشاء وتشغيل مطمر برج حمود/الجديدة (لأربع سنوات) |
99،6 مليون د.أ |
تشغيل وصيانة معامل الفرز والمعالجة (لأربع سنوات) |
73،6 مليون د.أ |
كلفة الجمع والنقل في كسروان وجبيل (لأربع سنوات) |
43,3 مليون د.أ |
تقدير كلفة الجمع والنقل في الشوف وعاليه وبعبدا (لأربع سنوات) |
59,1 مليون د.أ |
تقدير كلفة الكنس والجمع والنقل في بيروت الادارية (لأربع سنوات) |
50,6 مليون د.أ |
نقل ومعالجة /250/ طن من نفايات بيروت في معمل صيدا (لأربع سنوات) |
40 مليون د.أ |
تقدير كلفة ضم الشوف وجزء من عاليه إلى الخطة (لأربع سنوات) |
30 مليون د.أ |
تقدير كلفة لمناقصات الاشراف والمراقبة والتدقيق على عقود الكنس والجمع والنقل والفرز والمعالجة والطمر (لأربع سنوات) |
10 مليون د.أ |
الكلفة المتوقعة للخطة لأربع سنوات |
459،4 مليون د.أ |
ويقول انصار الدفاع عن كلفة الخطة الجديدة انه ينبغي حسم قيمة /65/ مليون دولار أميركي من أصل كلفة مشروع برج حمود – الجديدة، وهي العائدة لمعالجة جبل النفايات والردم والحماية البحرية العائدة له، وبالتالي، تصبح الكلفة المحددة لمدة أربع سنوات 394،4 مليون د.أ، يمكن أن تصل إلى /420/ مليون د.أ كحد أقصى، أي حوالي /120/ د.أ للطن الواحد، مقارنة مع /133/ دأ للطن الواحد في المرحلة السابقة. في المقابل يحتسب انصار مقولة ارتفاع كلفة الخطة الحالية اكلاف الحوافز المالية، ويقدرون على هذا الاساس كلفة الخطة الحالية بحوالي 570 مليون دولار أميركي، اي اعلى بما لا يقاس عن المرحلة السابقة.
وبديهي القول ان هذه الارقام تبقى تقديرية، اذ ان كلفة طمر مواد مسبخة ردئية غير قابلة للاستخدام الزراعي تزيد من الكلفة النهائية، وكذلك، فإن القبان المثبت عند مدخل كل منشاة يفترض ان يحتسب بشكل دقيق الكلفة النهائية بالاستناد إلى الكمية، ليتم احتساب الكلفة النهائية للطن على اساس الكمية الاجمالية، وعلى اساس العقد المفترض توقيعه مع المتعهدين الفائزين ليتم على اساس ذلك احتساب الكلفة النهائية.
خطة المطامر الشاطئية… أي مدة؟
تعول الحكومة على الفترة الزمنية التي يمكن لمطمر برج حمود – الجديدة – البوشرية، ومطمر الغدير – الشويفات، وتقول ان هذه الفترة سوف تمتد لاربع سنوات. وقدر “مجلس الانماء والاعمار” كمية النفايات التي ستتم معالجتها قبل دخولها إلى المطمر بحوالي ٢٦٠٠ طنا، بما فيها الكمية التي ستتم معالجتها في معمل التخمير اللاهوائي في صيدا، والمقدرة بحوالي ٢٥٠ طن يومياً، والكمية التي سيتم معالجتها في مركز التسبيخ في الكورال والتي يفترض ان ترتفع من ٣٠٠ طن يومياً عند بدء التشغيل إلى ٧٠٠ طن يومياً، عند توسيع قدرة المعمل في غضون عام من بدء التلزيم، واذا اضفنا كمية النفايات القابلة لاعادة التدوير والبالغة حوالي ٢٥٠ طنا يومياً من الكمية الاجمالية (٩.٥ بالمئة على ابعد تقدير)، واضفنا مرفوضات النفايات الناتجة عن معمل الكورال (١٠٠ طن في العام الاول، وقرابة ٢٥٠ طنا في السنوات اللاحقة) تصبح الكمية الاجمالية الواردة إلى المطمرين في السنة الاولى قرابة ٢٠٠٠ طن يومياً، وقرابة ١٦٠٠ طن في السنوات الثلاث اللاحقة، وذلك دون احستاب حوالي ٦٥٠ طن اضافية في منطقتي الشوف وعاليه والتي لم يعرف مصيرها بعد. وبعملية حسابية بسيطة يمكن تقدير الفترة الزمنية التي يمكن للمطمرين ان يستوعبا الكمية الواردة اليهما بحوالي سنتين ونصف السنة، استهلك منها نصف سنة للنفايات المكدسة ضمن ما عرف بمواقف التخزين المؤقت.
يقود هذا الاحتساب إلى خلاصة مفادها ان أزمة النفايات التي بدأت في تموز (يوليو) ٢٠١٥، واجترحت الحكومة حلاً مؤقتاً لها في آذار (مارس) ٢٠١٦، سوف تعود بقوة في منتصف العام ٢٠١٨، حيث ستكون الحكومة امام معضلة البحث عن مطامر جديدة، وبالتأكيد لن يكون هناك اي جهوزية على مستوى رفع قدرة المعالجة من خلال بناء معامل جديدة. وحينها يمكن للكلفة الحقيقية لهذه الخطة ان تتضح، لان التدهور البيئي الذي نتج عن تعثر المرحلة السابقة سوف يكون مضاعفاً، وبالتالي، فإن الاكلاف الاكثر دقة، هي تلك التي تحتسب التدهور البيئي الناتج عن تعثر او توقف قطاع باكمله، واثر هذا التوقف على المستويات الاقتصادية والبيئية والصحية والاجتماعية.