منذ بدأت أزمة النفايات في تموز (يوليو) ٢٠١٥، ذاع صيت بلدة الناعمة في ساحل قضاء الشوف التي اختيرت في العام ١٩٩٨ لانشاء مطمر صحي لنفايات محافظتي بيروت وجبل لبنان، على أساس أن يطمر فيها مليونا طن من النفايات لفترة عشرة سنوات، فكانت النتيجة أن طمر فيها وفي القرى المجاروة (عين درافيل وبعورته) أكثر من ١٩ مليون طنا من النفايات على امتداد ثمانية عشر عاماً.

بالاستناد الى كتاب “مجلس الانماء والاعمار” رقم 6305/1 تاريخ 5/12/2012، يتبين أن مطمر الناعمة للنفايات المنزلية الصلبة لبيروت الكبرى وبعض المناطق المجاورة يمتد على مساحة (296736 متراً مربعاً)، يقع 90.72 بالمئة منه ضمن منطقة عين درافيل العقارية  بمساحة (269210 متراً مربعاً)، أما الجزء الآخر من هذا المطمر، بمساحة (27526 متراً مربعاً) فيقع ضمن منطقة بعورتا العقارية، أي ما نسبته 9.28 بالمئة، لكن الناعمة كانت المدخل الوحيد الى هذا المطمر، فسمي باسمها، وتحمل سكانها على امتداد هذه السنوات رائحة انبعاثات النفايات التي كانت تطمر يومياً، واحياناً كثيرة بما يفوق الطاقة الاستيعابية اليومية لاعمال الطمر.

بتاريخ ١٩ أيار (مايو) ٢٠١٦ دخلت آخر شاحنة محملة بالنفايات الى مطمر الناعمة – عين درافيل (901 ألف طن دخلت خلال شهرين عبر 32368 نقلة شاحنة). ومع الاغلاق النهائي لهذا المطمر الذي كان يستوعب نفايات ما يزيد عن ٢٩٢ مدينة وبلدة وقرية في محافظتي بيروت وجبل لبنان، دخلت الحكومة اللبنانية في سباق مع الوقت لتجهيز مطامر بديلة في المواقع المقترحة، التي وافق عليها مجلس الوزراء في الجلسة التي عقدت بتاريخ 12 آذار (مارس)، لا سيما مطمر برج حمود، الجديدة – البوشرية – السد، ومطمر مصب نهر الغدير في الشويفات المعروف باسم مطمر “الكوستابرافا”، في حين تركت نفايات قضاءي الشوف وعاليه، ومن ضمنها نفايات بلدة الناعمة، والبالغة قرابة 650 طنا يومياً لفترة غير محددة ترمى بطريقة عشوائية.

تؤكد مصادر متابعة لهذا الملف، ان الاتفاق داخل مجلس الوزراء في ١٢ آذار (مارس) ٢٠١٦، استبعد قضاءي الشوف وعاليه من “كوتا” الطمر في الكوستابرافا، المفترض ان يستوعب يومياً ما ينتج عن معالجة ١٤٠٠ طن من نفايات قضاء بعبدا ومدينة بيروت والضواحي، لكن التدخلات السياسية التي أفضت الى القبول بفتح مطمر الناعمة لاستيعاب النفايات المتراكمة، توصلت الى توسيع “كوتا” الطمر في الكوستابرافا لتشمل ست مناطق واقعة ضمن قضاء عاليه وهي: بعورتا، الناعمة، الشويفات، عرمون، وبشامون وعين عنوب، على اعتبار ان هذه المناطق واقعة في النطاق الجغرافي المجاور لمطمر “الكوستابرافا”، وبالتالي، فإن إدخالها في “كوتا” الطمر في هذا الموقع الذي كان يواجه باعتراض سياسي وشعبي عارم، يسهل الحل المنشود.

استمر هذا الاتفاق الضمني بين القوى السياسية، وتحديداً بين الحزب التقدمي الاشتراكي والحزب الديموقراطي اللبناني وحزب الله، وترجم عبر تفاهمات شملت بلديات المنطقة، نفذته شركة سوكلين التي تجمع النفايات من هذه المناطق بتوجيهات من “مجلس الانماء والاعمار”، لكن أعمال التخزين في “الكوستابرافا”، والتي لا تزال مستمرة الى اليوم، والتأخير في ترسية مناقصة مطمر “الكوستابرافا” دفعت باتحاد بلديات الضاحية الى رفع الصوت، خوفاً من عودة أزمة النفايات الى الضاحية مع وصول ارتفاع مواقف التخزين المؤقت في “الكوستابرافا” الى حدود عشرة امتار، فتم تكريس أمر واقع يخالف الاتفاق السياسي قضى باستبعاد بلديات قضاء عاليه، باستثناء عرمون والشويفات من “كوتا” الطمر في الكوستابرافا، ولاحقاً اعيد ادخال بشامون بعد ان فاضت بنفاياتها، وباتت اعمال الحرق في شوارعها تهدد بكارثة صحية وبيئية ومشاكل أمنية وصلت الى حد اطلاق نار في العديد من الاحياء.

وحدها بلدة الناعمة تركت لمصيرها المجهول، فعمد مجلسها البلدي الى تخزين النفايات في عقار مجاور للأتوستراد الدولي عند المدخل الذي كانت تستخدمه الشاحنات للوصول الى مطمر الناعمة، وبات أهالي البلدة يتندرون على ايام المطمر، إذ ان الوضع الذي فرض عليهم بعد إغلاقه بات اسوأ مما كان عليه قبل اغلاق الطمر. وأمس تقدمت “مجموعة الشعب يريد اصلاح النظام” بإخبار ضد بلدية الناعمة بجرم رمي مئات أطنان النفايات على أوتوستراد الناعمة.

ومع انتشار عادة حرق النفايات بدل تخزينها، عمد عدد من الشبان من اهالي الاحياء الواقعة بين الناعمة وحارة القبة الشويفات الى تجميع النفايات وحرقها بالقرب من المدرسة الالمانية الدولية، وتحديداً في الجهة القريبة من حضانة الاطفال في المدرسة، الامر الذي استدعى تدخلات على اوسع نطاق لانقاذ الاطفال دون سن السادسة، الذين اضطروا الى ارتداء الكمامات طيلة الدوام الرسمي، ولقد تلقت ادارة المدرسة امس، وعوداً بوقف الحرق والرمي العشوائي قرب حرمها، وفتحت وزارة الصحة تحقيقاً بالحادثة، وأنذرت إدارة المدرسة بلدية الناعمة والجهات المعنية انها سوف تغلق المدرسة اذا استمرت التهديدات الخطيرة على الصحة العامة وسلامة طلابها، كما تقدمت المدرسة بشكوى أمام النيابة العامة في جبل لبنان ضد مجهول.

واقع بلدة الناعمة لا يختلف عن قرى ومدن اخرى في قضاءي الشوف وعاليه، التي تحولت الى مزابل ومحارق عشوائية، من الدامور مروراَ بالمناصف وصولاً الى الشوف الاعلى وجرد عاليه مروراً بالشحار الغربي، في وقت لا تزال المشاورات السياسية للتوصل الى اتفاق حول موقع لطمر النفايات الناتجة عن هذين القضاءين دونها عقبات مناطقية ومذهبية وسياسية، لكن المفارقة ان هذه الازمة المفتوحة منذ أيار (مايو) الماضي، لم تلقَ نفس الصدى الذي نتج عن ازمة اقفال مركز التخزين المؤقت في برج حمود، ولسان حال اهل الشوف وعاليه… الى أين؟

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This