حيّر فيروس نقص المناعة المكتسبة “الإيدز” (AIDS أو الـ SIDA) العالم منذ اكتشافه في العام 1978، وتسبب بوفاة ما يزيد عن 39 مليون شخص حسب منظمة الصحة العالمية، التي أشارت إلى انه من اكثر مسببات العدوى القاتلة في العالم.
استمرت الحرب ضدّ هذا الفيروس لسنوات طويلة، إلا أن واقع الدراسات والابحاث اليوم تفتح المجال أمام اسئلة كثيرة، ربما يكون أهمها: هل يعلن الأطباء انتصارهم على مرض الايدز نهائيا؟
قطع العالم شوطاً طويلاً منذ عام 2000 صوب بلوغ الغاية العالمية المتعلقة بوقف انتشار فيروس نقص المناعة المكتسبة وبدء انحساره. وانخفض معدل الإصابة بحالات العدوى الجديدة بنسبة 35 بالمئة منذ عام 2000، فيما انخفضت الوفيات الناجمة عن الإيدز بنسبة 25 بالمئة.
وفيما اتفق زعماء العالم على غايات مؤقتة طموحة بشأن الاسراع في تتبّع الجهود الرامية إلى وضع حد للايدز، وسجّل هذا الامر كغاية يجب الوصول اليها في سبيل تحقيق هدف التنمية المستدامة ووضع حد للوباء بحلول عام 2030، بات القضاء على هذا المرض أمرا ممكنا.
فقد أثبتت الدراسات الاخيرة أن واحدا من بين كل 10 أطفال يمتلك نظاما وراثيا يجعله في مأمن من تطور مرض الإيدز. ووجدت الدراسة التي نشرت في Science Translational Medicine، أن 60 بالمئة من الأطفال المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية HIV لا يتم علاجهم، ويموتون في غضون عامين ونصف العام. ووجد الباحثون آلاف الأطفال ممن يحملون فيروس نقص المناعة البشرية في كل ملليليتر من الدم، وعلى الرغم من ارتفاع نسبة الفيروس في دمائهم، لم يظهر الجهاز المناعي لديهم أي علامة على زيادة نشاط الفيروسات كما كان مقاوما لانتشار المرض.
قام الباحثون بتحليل عينات دم 170 من الأطفال المصابين بالفيروس في جنوب أفريقيا، حيث لم يتلق أي منهم علاجا مضادا لهذا الفيروس، واكتشفوا وجود طفرة في جهازهم المناعي منعت تطور الفيروس ولم يصابوا بمرض الإيدز.
إجراء المزيد من البحوث
ووفقا لمجلة HIV Plus، يرث الأطفال الأكثر حظا الجينات المقاومة لفيروس نقص المناعة البشرية من كلا الوالدين، أو حتى من أحد الوالدين، الأمر الذي يجعل الأطفال أكثر استعدادا لمقاومة هذا الفيروس.
هذه الدراسة فتحت الباب واسعا أمام الابحاث المستقبلية من اجل إيجاد علاج فعال للمرضى، كما يمكن ان تشكل الشرط الاساسي المسبق للقضاء على العدوى الناجمة عن هذا الفيروس وفقا لمؤلف الدراسة، فيليب غولدر الذي اوضح أن “ثمة حاجة ماسة لإجراء المزيد من البحوث لتحديد آلية المناعة عند الأطفال، وهذا سيتيح لنا المزيد من المعلومات أيضا حول كيفية تطور الإصابة بفيروس المناعة البشرية، الأمر الذي سيعطينا النهج الضروري للعلاج”.
في هذا السياق، نجحت مجموعة من الأطباء لأول مرة في إضعاف المرض حتى القضاء عليه نهائيا، وأعلن علماء من خمس جامعات بريطانية، هي: أوكسفورد وكامبريدج وإمبيريال كوليج لندن وكلية لندن الجامعية وكينغز كوليج لندن، بدعم من هيئة الخدمات الصحية الوطنية في بريطانيا، التوصل إلى علاج نهائي لهذا المرض، حيث لم يتم العثور على أثر للفيروس في جسم مريض خضع لعلاج تجريبي جديد.
وأعلن الأطباء البريطانيون عن أول شفاء لرجل مصاب بمرض الإيدز، وقالت صحيفة “ذي ساندي تايمز” أن الرجل البريطاني البالغ من العمر 55 عاما كان أول من تعافى تماما من مرض الإيدز. كما أن الرجل الذي لم تذكر الصحيفة البريطانية اسمه، هو الأول من بين خمسين شخصا ينتظر استكمال فترة اختبار العلاج عليهم، وهذا ما يعتبر أول علاج للإيدز قد يثبت فعاليته.
وقال الباحثون إنهم توصلوا إلى خليط من عدة عقاقير مختلفة، محفزة لفيروس نقص المناعة الخامل، ولقاحٍ قادر على تحريض نظام المناعة في الجسم على تدمير الخلايا المصابة بالفيروس، وقد أثبتت جدواها، ما يبشر بإمكانية القضاء عليه نهائيا، حيث أنهم نجحوا في الانتقال لأول مرة من مرحلة حصار المرض وإضعافه من أجل إطالة حياة المريض، إلى مرحلة القضاء عليه نهائيا.
وينتظر استكمال فترة اختبار العلاج الذي يعتبر أول علاج يتتبع ويلاحق فيروس نقص المناعة ويدمره في كل جزء من الجسم، بما في ذلك الخلايا النائمة التي تتجنب العلاجات الحالية فتبقى حية، وفي حال إثبات فعاليته فإنه سيوفر الأمل بالقضاء نهائيا على المرض. وقد أثبتت الاختبارات الأولى أن الفيروس لم يعد موجودا في دم الرجل، ولكن من الضروري الانتظار بضعة أشهر للتأكد من أنَ العلاج قد قضى على المرض نهائيا أم لا.
شهادة حية… ونصيحة بالتروي
وأشار المريض، وهو عامل في مجال الرعاية الاجتماعية في لندن في حديث لصحيفة “صنداي تايمز”، إلى أن فحص الدم الأخير الذي أجراه قبل أسبوعين كان خاليا من الفيروس.
في المقابل، أشار المدير العام للمعهد الوطني لمكتب البحوث الصحية من أجل بنية تحتية للبحوث السريرية مارك صاموئيل، إلى أن “هذه هي إحدى المحاولات الجادة لإيجاد علاج كامل وناجز للإيدز، وهذا تحد هائل”، مضيفا إنهم ما يزالون في بداية الطريق “لكن التقدم يعد كبيرا”.
من جهتها حذرت البرفسورة ساره فيدلر من جامعة إمبيريال كوليج لندن من استباق الأحداث قائلة، إن الدراسة قد تستغرق أعواما من أجل التأكد من نجاح العقار الطبي الجديد ومن قدرته على القضاء على الفيروس.
يقوم العلاج الكلاسيكي المضاد للفيروسات بإسكات خلايا معدية نشطة، إلا أنه لا يمس بقية خلاياT الليمفاوية المعدية. ويعني ذلك أن الأدوية المستخدمة حاليا قادرة على متابعة نشاط فيروس الإيدز وليس التخلص منه. وأشار العلماء إلى أن أسلوبهم الجديد يمر حاليا بمرحلة التجربة، وأنه غير مخصص لاستخدامه في المستشفيات على نطاق واسع.