إذا ما تتبعنا على مدى عام كامل مجموع الدراسات حول الاحتباس الحراري، المترافقة مع رصد ظواهر مناخية متطرفة في معظم أرجاء العالم، ولا سيما في منطقة الشرق الأوسط ومعظم الدول العربية، نتأكد أننا ولجنا فصلا مناخيا جديدا لا عهد لنا بها من قبل.

فقد حذّر خبراء دوليون من المناخ القاسي الذي ينذر بما هو أسوأ، إذ تعصف درجات الحرارة المحطِّمة للأرقام القياسية صيف 2016 في بلدان كثيرة بدءاً من المغرب العربي وصولا دول الخليج ودول حوض البحر الأبيض المتوسط، في وقت يتنبأ فيه علماء المناخ ومسؤولون في الأمم المتحدة بأن الكثافة السكانية المتزايدة في الشرق الأوسط، سيترتب عليها في غضون العقود المقبلة شحاً شديداً في المياه، ودرجات حرارة مرتفعة جداً بنحو يهدد بقاء البشر، إضافةً إلى تداعيات أخرى ناجمة عن الاحترار العالمي.

 

موجة حر جهنمية

 

وبحسب وكالة الفضاء الأميركية NASA، فإن “الاحترار العالمي يأتي بموجة حر جهنمية إلى الشرق الأوسط وهي في طريقها لتجتاح العالم”، لافتة إلى أن “الطقس القاسي يلقي الضوء على ما سيأتي والقادم أسوأ بكثير”.

وفي هذا المجال، رأى المستشار في المكتب الإقليمي للبرنامج التنموي للدول العربية التابع لهيئة الأمم المتحدة وقد عمل على دراسات حول تأثير تغير المناخ على المنطقة عادل عبد اللطيف أنه “إذا حدث ذلك فمن المرجّح حصول نزاعات وأزمات لجوء أعظم بكثير من تلك القائمة حالياً. يظهر هذا الجو غير المعقول أن التغير المناخي قد بدأ يترك آثاره وهو – إلى الآن – أحد أكبر التحديات التي تواجهها هذه المنطقة على الإطلاق”.

لقد واجهت هذه الدول خلال السنوات القليلة الماضية فصول صيف حارة بشكل استثنائي، ولكن كانت هذه السنة على وجه الخصوص قاسية جداً.

 

الإمارات وإيران

 

وبحسب صحيفة “الإندبندت” The Independent البريطانية، فقد اختبرت أجزاء من دولتي الإمارات العربية المتحدة وإيران مؤشراً حرارياً (وحدة قياس تتعلق بالرطوبة والحرارة على حد سواء) قارب 140 درجة في تموز (يوليو)، في حين سجلت مدينة جدة في السعودية حرارة مرتفعة لم يسبق لها مثيل بلغت قرابة 126 درجة. أما مناخ جنوب المغرب المعتدل نسبياً فقد تغير فجأةً خلال أيلول (سبتمبر) الماضي، إذ ارتفعت درجات الحرارة لتصل إلى ما بين 109 و 116 درجة.

 

الكويت والعراق

 

أما في الكويت والعراق فقد أذهلت درجات الحرارة المراقبين، ففي الثاني والعشرين من تموز (يوليو) الماضي بلغ المؤشر الزئبقي 129 درجة في مدينة البصرة جنوبي العراق. وفي اليوم الذي سبقه وصل المؤشر للدرجة 129.2 في مطربة في الكويت، وإذا ما أكدت “منظمة الأرصاد الجوية العالمية” World Meteorological Organization هاتين الدرجتين، فإنهما ستكونان أعلى درجتين مسجلتين على الإطلاق في نصف الكرة الشرقي.

 

 

ووفقاً لمسؤولين عراقيين، فإنَّ عشرات المزارعين عبر البلاد يعانون من ذبول محاصيلهم، فضلاً عن تناقص الإنتاجية العامة للقوى العاملة. وفي الوقت ذاته شهدت المستشفيات زيادة في أعداد المرضى الذين يعانون من الجفاف والإنهاك الناجم عن الحرارة.

وفي العاصمة بغداد وصلت درجة الحرارة المسجلة في المطار الدولي إلى 109 درجة أو أعلى، وذلك بشكل يومي منذ 19 حزيران (يونيو)، وقد كانت حرارة المدينة أعلى بمقدار 10 أو حتى 20 درجة من معدلها الطبيعي لهذا الوقت من السنة.

وقد أعلنت الحكومة العراقية عن عدة عطل رسمية إلزامية بسبب الحرارة المرتفعة، ومع ذلك فقد واصل العديد من الموظفين الحكوميين العمل نظراً لتوفر أجهزة التكييف في مراكز العمل الحكومية.

ويقول محمد عبد اللطيف الناطق باسم دائرة الأرصاد الجوية في العراق إنَّ السبّب المباشر وراء كل الظروف الجوية السيئة هو منظومة ضغط جوي مزمن، لكن يبدو أن تغيراً جذرياً يحدث الآن في النماذج الطقسية للبلاد، ففي بغداد تضاعف عدد الأيام التي بلغ فيها مؤشر الحرارة 118 درجة أو أكثر في السنوات الأخيرة.

 

علماء المناخ

 

ويعتبر علماء المناخ أن هذا الأمر ليس مفاجئاً، إذ تنبأت دراسة نشرتها صحيفة “التغير المناخي للطبيعة” Nature Climate Change في تشرين الأول (أكتوبر) الجاري بأن موجات الحر في أنحاء الخليج العربي يمكن أن تهدد بقاء الإنسان نهاية القرن الحالي، كما تنبأ باحثون في “معهد ماكس بلانك للكيمياء” Max Planck Institute for Chemistry ومعهد قبرص في نيقوسيا مؤخراً بمصير قاتم ينتظر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهما تشغلان مساحة واسعة تحتضن نحو نصف مليار نسمة.

وتشير فرانسيسكا دو شاتيل Francesca de Châtel، الخبيرة من مركز في أمستردام، وتعنى بمسائل المياه في الشرق الأوسط إلى أن “حكومات المنطقة ليست جاهزة بشكل عام للتعامل مع عواقب التزايد السكاني والتقلبات المناخية”، وقالت: “فشلت هذه الحكومات على مدار سنوات في معالجة هذه المشكلات بشكل مناسب رغم التحذيرات التي أطلقها خبراء مناخ ووكالات الأمم المتحدة وربما يكون قد فات الأوان الآن”.

تتنبأ الأمم المتحدة بأن مجموع السكان ضمن 22 بلد عربي سيزداد من 400 مليون نسمة ليبلغ 600 مليون نسمة عام 2050، الأمر الذي سيفرض ضغطاً هائلاً على البلدان حيث يتوقع علماء مناخ معدل هطل مطري أقل ومياه جوفية أكثر ملوحة بسبب ارتفاع منسوب المياه في البحار، وتواجه معظم بلدان المنطقة أزمات نقص مياه حادة بسبب المناخ الجاف، والاستهلاك المتزايد، والممارسات الزراعية المبدِّدة للمياه.

وتقول دو شاتيل في هذا السياق: “بلدان هذه المنطقة ليست جاهزة للتكيّف مع آثار التغير المناخي”.

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This