قبل حوالي عشرين عاماً أُحرقت “محرقة العمروسية” للنفايات، وبعدها بفترة وجيزة أقفل مركز برج حمود للمعالجة على طريقة ستة وستة مكرر، ففقدت عندها الخطة الوطنية لمعالجة النفايات ركيزتيها دون أن يعمد المعنيون الى دق النفير والتنبه الى ضرورة تعديل المقرر، وكانت النتيجة انطلاقة مشوهة لمسار استمر عشرين عاماً، انتهى بإقفال مكب الناعمة ولا يزال يجرجر نفسه حتى اليوم.
خلال أسبوعين فقط أُحرقت معامل معالجة النفايات في عدة مدن أو تجمع بلدات لبنانية، في ظاهرة فريدة لا رابط جغرافياً بينها، أو سبب معلن، من بعلبك إلى جبل لبنان والشمال فالجنوب، دون ان تثير هذه الظاهرة ردود فعل أو تساؤلات تتجاوز الفعل الجرمي المباشر في بلد يعاني الامرين من آفة النفايات فيه.
هل من مشروع يحضر على مستوى البلد ككل؟ هل من مافيا جديدة تحضر اليوم على ضوء التفاهمات المنتظرة مع الانفراجات – إذا حصلت – على ملف الرئاسة؟ أسئلة عديدة تطرح، ولكن المشكلة لا تزال بحصر المقاربة بالمفرق، في حين أن التلزيمات الأخيرة للقطاع برهنت انه لا يزال محتكراً لصالح جهة واحدة، وان نوعت تسمياتها أو ادخلت شركات مسجلة بعدة دول وهي ملك لها.
أمام هذا الواقع والذي يذكر بأن تاريخ الانحراف في ملف النفايات يعود الى إحراق محرقة العمروسية – وفق المخطط المرسوم حينها – فهل ان ما نشهده اليوم من حرق وتعطيل لمراكز الفرز والمعالجة في المناطق هو ايضاً تحضير لشيء جديد لا نعرفه؟
المشكلة ان حجم الفضيحة الظاهر أمامنا كبير ومخزٍ، ولا حراك أو تصدٍّ له، فكيف بالمخبأ او المجهول او المستتر؟ ما يجري اليوم هو تأجيل لانفجار الأزمة وتكبير لها وليس حلاً ابداً، وما يترافق مع هذه المعطيات من حرق للمعامل تقويض للحلول اللامركزية وعودة التركز بشكل اكبر واخطر وسط صمت قاتل يشبه ما يحصده اللبنانيون وقاطنوه اليوم من جراء سياسات التلوث… والعلاجات الرسمية للأزمات فيه.