تتعدد وتختلف الأنظمة الغذائية حول العالم، حتى أن لكل دولة تقاليد وعادات، لكن الأمور تبدلت في عصرنا الراهن، فتغيرت هذه العادات، أو تكاد، في عصر العولمة، حتى باتت الأنظمة الغذائية متشابهة إلى حد بعيد، وهذه نتيجة حتمية للأنماط المعيشية السائدة، بغض النظر عن مدى كونها أنظمة صحيّة.
وفي هذا المجال، تكثر الدراسات المتعلّقة بتأثيرات النظام الغذائي، على أدق تفاصيل حياة الإنسان، وان كانت هذه الدراسات تتناقض، في بعض الأحيان في نتائجها، إلّا أنّها تجمع على أهمية محتويات النظام الغذائي الواجب اتباعه، لما لها من أهمية تنعكس بشكل مباشر على صحة الإنسان.
النظام الغربي يؤذي الإنسان والبيئة
حذر عالمان أميركيان، من تسبب الأنظمة الغذائية الغربية الحالية، في زيادة الإصابة بالأمراض المزمنة وتراجع متوسط العمر، وقال العالمان إن صناعة الأغذية الغربية، أسفرت عن زيادة انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري الضارة بالبيئة.
في التفاصيل، أوضح كل من الباحث الأميركي دافيد تيلمان David Tilman ومايكل كلارك Michael Clark، من جامعة مينيسوتا الأميركية، في الدورية العلمية المتخصصة “نيتشر” Nature، أن تناول اللحوم والدهون والسكرياّت، لا يحد فقط من متوسط عمر الإنسان، ولكنه يؤثر سلباً على البيئة أيضاً، وحذرا من أن مواصلة اتباع مثل هذه الأنظمة الغذائية، يمكن أن يؤدي إلى زيادة انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري، بنسبة تصل إلى 80 بالمئة بحلول عام 2050، بسبب عمليات إنتاج هذه المواد الغذائية.
وأضاف العالمان أن الزراعة وعمليات تصنيع الأغذية، تتسبب في إطلاق نحو 25 بالمئة من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري في العالم، ويؤثر ذلك بصفة خاصة على وزن الماشية.
وأوضح الباحثان أن ارتفاع متوسط الدخل، وارتفاع مستوى التحضر والتمدّن، أديا إلى تغير العادات الغذائية على مستوى العالم. فقد تم في الغرب استبدال الأنظمة الغذائية الغنية بالخضروات، بالأطعمة المحتوية على كميات كبيرة من اللحوم ونوعيات الأطعمة المحتوية على ما يعرف باسم “السعرات الحرارية الفارغة”، وهي أطعمة ذات قيمة غذائية محدودة للغاية.
وتابع تيلمان وكلارك أن التغييرات الزراعية الناتجة عن ذلك أدت إلى ارتفاع انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري على نحو كبير، وأدت أيضاً إلى زيادة إزالة الغابات، ما تسبب في انقراض أنواع معينة من النباتات.
وأشار العالمان إلى أن اتباع الأنظمة الغذائية الغربية أدى إلى زيادة معدلات الإصابة بالسكري من النوع الثاني، وأمراض القلب التاجية وغيرها من الأمراض المزمنة، التي أسفرت عن تراجع معدلات متوسط العمر.
النظام النباتي أكثر ضرراً على البيئة!
في المقابل، وكنتيجة متناقضة لما سلف ذكره، توصلت دراسة في الولايات المتحدة، نشرت في دورية Environment Systems and Decisions، ونقلها موقع “الانديبندنت” إلى أن إتباع نظام غذائي صحيّ غني بالفواكه والخضراوات، قد يكون أكثر ضرراً على البيئة، على المدى الطويل من تناول بعض اللحوم.
ولفتت الدراسة إلى أنَّ الخس يعتبر أكثر سوءاً بثلاثة أضعاف في انبعاثات الغازات الدفيئة، من أكل لحم الخنزير المقدد، وفقاً لباحثين من “جامعة كارنيغي ميلون Carnegie Mellon University“.
من ناحيته، قال بول فيشباك، الباحث المشارك في الدراسة، والأستاذ في جامعة كارنيغي ميلون في العلوم الاجتماعية: “الكثير من الخضراوات تتطلب المزيد من الموارد أكثر مما كنت أعتقد. فالباذنجان، والكرفس والخيار، تبدو سيئة مقارنة بلحم الخنزير أو الدجاج”.
وحللّت الدراسة تأثير تغيير النظام الغذائي على البيئة، لتكون النتيجة ببساطة تقليل عدد السعرات الحرارية المستهلكة، من دون تغيير نسبة اللحوم وأنواع الغذاء الأخرى، خفض الانبعاثات مجتمعة، الطاقة واستخدام المياه بنحو 9 بالمئة.
كذلك، الانتقال إلى تناول الأطعمة الصحيّة يؤدي إلى زيادة استخدام الطاقة بنسبة 43 بالمئة، واستخدام المياه بنسبة 16 بالمئة، والانبعاثات بنسبة 11 بالمئة، وحتى لو امتنع الشخص عن تناول اللحوم وتخفيض السعرات الحرارية إلى المستويات الموصى بها، فإن تأثيرها على البيئة من شأنه أن يزداد من خلال استخدام الطاقة بنسبة 38 بالمئة، والمياه 10 بالمئة والانبعاثات 6 بالمئة.
الأنظمة الغذائية السيئة
لا تقتصر تأثيرات النظام الغذائي على البيئة فحسب، بل تتعداها الى أدق التفاصيل المتعلقة بصحّة الانسان، إذ حذّرت دراسات بريطانية من أن الأنظمة الغذائية السيئة، تؤدي إلى مشاكل متزايدة في الخصوبة، في المملكة المتحدة والولايات المتحدة ودول غنية أخرى.
وتشير الدلائل إلى أن السيدات ربما يعانين في البدء، بتكوين عائلة إذا ما اتبعن نظاما غذائيا مرتفع المحتوى من الدهون، أما الرجال فمن المرجح أن تقل خصوبتهم إذا ما تناولوا طعاما غير صحيّ، وخصوصا الأطعمة التي تحتوي على الكثير من الدهون غير المشبعة.
وذكرت صحيفة “ديلي ميل” البريطانية، أن ثلاث دراسات جديدة، تشير إلى أن الأطعمة العالية الدهون تدمر المبيضين وتنتج أجنة ذات نوعية رديئة، فضلا عن أنها تقلّل من عدد الحيوانات المنوّية.
ونقلت الصحيفة عن الدكتور إدغار موكانو استشاري أمراض النساء بجامعة روتوندا في دبلن، قوله “إن الأنظمة الغذائية السيئة هي دون شك، واحدة من الأسباب الرئيسية لمعاناة الزوجين في إنجاب الأطفال اليوم أكثر من الماضي”.