يأتي مشروع مدينة المنصورة الجديدة في جمهورية مصر العربية، تلبية لحاجة تفرضها التحديات والضرورة، خصوصا وأن المشروع من شأنه أن يؤمن وحدات سكنية لذوي الدخل المحدود، وسيوفر أماكن وتجمعات ومشروعات من شأنها أن تلجم في حدود معينة نسبة البطالة، فالمدينة الجديدة ستوفر فرص عمل في كافة مجالات الحياة، لا سيما وأنها تستهدف أكثر من مليون إنسان من أبناء الدقهلية.
لكن الأغراض النبيلة وحدها لا تكفي لإقامة مشروع بهذا الحجم، خصوصا وان ثمة أصواتا ترتفع مطالبة بوقف المشروع، فالخبير البيئي المصري الدكتور أحمد رخا، كان قد حذر من “كارثة كبرى” متمثلة في “المنصورة الجديدة”، ورأى أنها “جريمة يساهم فيها من هم في مواقع المسؤولية”، لافتا إلى أن “إنشاء المنصورة الجديدة التى لن يستمر طويلا بسبب التهديات بغرق دلتا النيل”.
من جهة ثانية، أكدت مجموعة البنك الدولي World Bank Group أنه قبل 60 مليون سنة كانت دلتا نهر النيل مغطاة بمياه البحر المتوسط القديم، ثم تقدمت اليابسة على حساب الماء في “معركة” دامت ملايين السنين، انتصرت فيها اليابسة، حيث تكونت نتيجة عمليات الإرساب المتعاقب، دلتا للنهر، وهي الأرض التي يسكنها الآن أكثر من 20 مليون نسمة، ولفتت المجموعة إلى أن دلتا النيل “من بين أكثر خمس مناطق بالعالم تضررا من التغيرات البيئية”.
المراحل الأولى
يقع مشروع المنصورة الجديدة على الطريق الدولي الساحلي، شمالي غرب محافظة الدقهلية، وعلى حدودها مع محافظة كفر الشيخ، في المنطقة التي اختارتها الحكومة المصرية لبناء مدينة مليونية جديدة على مساحة 7 آلاف فدان، هي “المنصورة الجديدة”، وقد وقّع رئيس الحكومة المصرية السابق، إبراهيم محلب في 13 تموز (يوليو) 2014، قرار تخصيصها على مساحة 7606.88 فدان، على ساحل البحر المتوسط، في المنطقة الواقعة بين غربي جمصة، حتى حدود محافظة كفر الشيخ.
قبل تسع سنوات، أعلن محافظ الدقهلية الأسبق اللواء سمير سلام، البدء في الخطوات التنفيذية لإنشاء المدينة الجديدة لتخفيف الضغط عن المدينة القديمة “المنصورة”، وبعد ثورة الخامس والعشرين من كانون الثاني (يناير) وسقوط نظام الرئيس السابق محمد حسني مبارك، أعلن محافظ الدقهلية الأسبق، اللواء صلاح الدين المعداوي، الاستمرار في خطوات العمل بالمشروع، وصرّح وقتها أنه استعرض مع وزير التنمية المحلية مطالب المحافظة التي كان في مقدمتها طلب استصدار قرار جمهوري بإنشاء مدينة المنصورة الجديدة على كامل المساحة (10 آلاف فدان)، باستثمارات قدرها 60 مليار جنيه (7,6 مليار دولار)، لتستوعب مليون مواطن على مدى 20 عاما، وتوفر آلاف فرص العمل لأبناء الإقليم.
لكن نتيجة الأوضاع التي شهدتها مصر في تلك الفترة، توقف الحديث عن المشروع الذي كان في انتظار توقيع رئيس الجمهورية وقتها الدكتور محمد مرسي، في أعقاب التظاهرات التي شهدتها البلاد على حكمه، ثم الإطاحة به بعد تدخل الجيش في الثالث من تموز (يوليو) 2013، ليتجدد الحديث عن المنصورة الجديدة، مع إعادة رئيس الوزراء السابق إبراهيم محلب، تخصيص أرض المشروع وبدء المحافظة في إجراءات التنفيذ.
تقارير علمية
لم تولِ الحكومة المصرية اهتماما بتأثير ارتفاع مستوى سطح البحر على الدلتا، نتيجة التغيرات المناخية التي أثرت على ارتفاع مستوى سطح البحر، ما أسفر عن حدوث تملّح في تربة أراضي شمال الدلتا، وأدى إلى تآكل الشاطئ، وبحسب بعض الدراسات الجيولوجية فإن الدلتا تهبط سنويا بمعدلات متفاوتة، ويرجع عودة هذا الهبوط إلى توقف تراكم الطمي منذ بناء السد العالي، إضافة إلى ارتفاع مستوى سطح البحر نتيجة ارتفاع درجة حرارة الأرض، ما يهدد بغرق الدلتا بين عامي (2040 – 2050).
وأشار تقرير نشرته “منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية” Organization for Economic Co-operation and Development عن التنمية والتغيرات المناخية في مصر، إلى أن “دلتا النيل تتراجع سنويا من ثلاثة إلى خمسة ملليمترات، كما أن ارتفاع مستوى سطح البحر لمتر واحد فقط سيدمر المدن كثيفة السكان – في الدلتا – التي يقوم عليها الاقتصاد المصري”.
كما يحذّر التقرير التجميعي الرابع لـ “الهيئة الحكومية الدولية للتغيرات المناخية” Intergovernmental Panel on Climate Change الـ (IPCC) ومقرها في جنيف، والمنشور في عام 2007، من الآثار السلبية للتغيرات المناخية على دلتا نهر النيل بمصر، ويطرح التقرير سيناريوهين للمساحات التي ستتعرض للغرق، أولهما أنه في حالة ارتفاع منسوب مياه البحر المتوسط 50 سم، فمن المتوقع أن تصل المساحة المعرضة للغرق إلى 1800 كلم مربع، وتهجير نحو 4 ملايين نسمة، بينما يتوقع السيناريو الثاني أنه في حالة ارتفاع منسوب مياه البحر إلى متر واحد، أن يتم تهجير نحو 8 ملايين نسمة وغرق مساحة تصل إلى 5700 كلم مربع.
الأثر البيئي
وبحسب موقع “مدى مصر“، فقد شكلت المحافظة لجنة لتقييم الأثر البيئي للمشروع، من إداريين وأساتذة كليات الهندسة والعلوم والزراعة والتجارة، بجامعة المنصورة، دون أن يكون بينهم مختص واحد في علم المناخ.
وأتى هذا القرار، رغم تصاعد صيحات التحذير مؤخرا من أخطار التغيرات البيئية، واحتمال غرق السواحل الشمالية المصرية عامة، وساحل دلتا النيل بصفة خاصة، الأمر الذي يفترض إعادة النظر في عدد من المشروعات التنموية في هذه المنطقة.
ورغم أن قانون البيئة رقم 4 لسنة 1994، ولائحته التنفيذية الصادرة بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 338 لسنة 1995، ينص على وجوب إخضاع المنشآت أو المشروعات الجديدة، وكذلك التوسعات في المنشآت القائمة، لتقييم التأثير البيئي قبل إصدار تصريح بها. إلا أن الدكتور هشام ربيع – رئيس جهاز شؤون البيئة بالدقهلية – يقول إن الجهة المنفذة للمشروع (محافظة الدقهلية)، أسندت مهمة تشكيل لجنة تقييم الأثر البيئي إلى جهة إشرافية، هي جامعة المنصورة، التي ستجهّز التقرير.
غير أن الدكتور عادل الجنيدي – أستاذ الجيولوجيا بجامعة المنصورة وعضو لجنة تقييم الأثر البيئي للمدينة- يقول إن عمل اللجنة متوقف، وأن أيا من أعضائها لم يكتب تقريره بشأن تقييم الأثر البيئي لأرض المشروع.
مصالح شخصية!
رغم التقارير العلمية الصادرة، تقول المهندسة زينب صالح مدير إدارة التخطيط العمراني بمحافظة الدقهلية، إنهم يسعون لإنهاء إجراءات مشروع المنصورة الجديدة، ويتعاونون مع الجهات ذات الصلة، مثل إدارة العمليات بالقوات المسلحة، التي طلبت خرائط المشروع لوجود 5 مواقع عسكرية في محيطه.
وتضيف صالح أن “المحافظة تتعاون حاليا مع كلية التخطيط العمراني بجامعة القاهرة، لإعداد كراسات شروط المناقصة الخاصة بالمدينة الجديدة، التي ستكون بطول 20 كيلومتر غربي مدينة 15 أيار (مايو)، والمساحة الكاملة للمنطقة هي 9400 فدان، منها 1800 فدان تتبع القوات المسلحة والباقي للمدينة، بحسب صالح.
وتنفي صالح تعرض منطقة المشروع للغمر من مياه البحر المتوسط بسبب التغيرات المناخية، قائلة: “مفيش حاجة من دي خالص”، مؤكدة أن شاطئ جمصة من أفضل الشواطئ، وأنه يزيد بفعل الإرساب بشكل مستمر، متهمة من يرى عدم صلاحية أرض المشروع لإنشاء مدينة بأنهم أصحاب مصالح شخصية.