لم تعد مشكلة مياه الصرف الصحي تلوث مياه البحر فحسب، بل أن مساربها في القرى والبلدات، لوثت مجاري الأنهر الشتوية، لا بل طاولت أيضا مصادر ينابيع المياه الجوفية، المفترض أنها أهم ثروات لبنان الطبيعية.

صحيح أن هذه المشكلة تعاني منها معظم المناطق اللبنانية، لكنها في المتن الأعلى، تحولت معاناة يومية، وفضيحة في منطقة تشهد بناء سد في منطقة القيسماني، كأولوية على حساب حماية مصادر المياه الموجودة وهي بما تشمل من ينابيع كثيرة، وما تختزن من مياه جوفية ليست بحاجة لسد سيشكل مشكلة بدلا من حل، فضلا عن المخاطر الجيولوجية، والتي حذر منها أكاديميون وخبراء، خصوصا وأن المياه التي سيجمعها السد، ستكون بحاجة لمعالجة في محطة خاصة، فضلا عن تبخر المياه وتلوثها وتسربها، وبغض النظر عن الحاجة إلى السد، فكان من المفترض تخصيص الأموال المرصودة له لصالح بناء شبكات صرف صحي متصلة بمحطات تكرير، وتأهيل شبكات المياه الموجودة التي تتسرب إليها المياه الآسنة والمبتذلة.

معالجة التلوث بالكلور

 

بعيدا من موضوع سد القيسماني، تواجه منطقة المتن الأعلى كارثة بيئية وصحية، طاولت مياه الشفة في عدد كبير من القرى، فبعد انقطاع مياه الشفة لمدة تزيد عن ثلاثة أسابيع، عادت المياه بعد ذلك، إنما برائحة كلور نفّاذة، اشتكى منها الناس، لا سيما من يعاني من أمراض الحساسية، وتبين بعد التدقيق أن سبب وجود الكلور بهذا الشكل “المحسوس”، هو أن مياه الشرب في آبار بلدتي بمريم وبتبيات الجوفية التي تغذي أكثر من 20 بلدة في المتن الأعلى، ومنها: رأس المتن، القريِّة، صليما، العبادية، دير الحرف، رأس الحرف، القصيبة، العربانية، الدليبة، صليما، قرطاضة، قرنايل، بمريم، بتبيات، الخريبة وغيرها، تعرضت للتلوث بسبب وقوعها على مصب للمياه المبتذلة قرب محطة المياه..

وقال رئيس بلدية القلعة رائد أبو الحسن لـ greenarea.info: “هذه المشكلة ليست جديدة، أنما هي من ستينيات القرن الماضي، أي الأعوام 1965 و1966، حيث بدأ العمل على إنشاء محطة تكرير للمياه المبتذلة في المتن الأعلى وبالتحديد بين بلدتي القلعة وفالوغا، وتم شراء ثلاثة عقارات لهذا الغرض، وهي 650، 651، و652، في منطقة فالوغا العقارية، وتوقف الموضوع عند هذا الحد، لتعاد إثارته في العام 1996 بمخطط توجيهي أيام الوزير الراحل إيلي حبيقة، وتم تنفيذ بعض خطوط الصرف الصحي الرئيسية فعلا، والإتفاق على إنشاء محطتين رئيسيتين إحداها على نهر الجعماني في رأس المتن، وأخرى على النهر بين حمانا والقلعة”.

وأضاف: “المشكلة أن المياه المبتذلة لعدد من القرى منها الخلوات، فالوغا، بمريم، الخريبة، فضلا عن خط من حمانا، مع إمكانية مد خط صرف من بتخنيه أيضا، تصب جميعها في الوادي في منطقة تسمى (جسر الدرجة)، ما أدى إلى تلف الأراضي والأشجار، وأصبحت الأراضي غير صالحة للزراعة، نتيجة لزيادة عدد السكان، ووجود عدد من النازحين السوريين في القرية يزيد على ألفين بشكل دائم منذ 5 سنوات، فقد شكل هذا الأمر مزيدا من الأعباء لجهة زيادة في استهلاك المياه، والصرف الصحي ومشكلة النفايات المزمنة”.

وأشار أبو الحسن إلى أن البعض يعتقد أن مشكلة المياه المبتذلة آنية، إلا أنها في الحقيقة أخذت كل هذا الوقت لتصل إلى هذه الدرجة من التلوث، فالبئر الارتوازي على عمق 450 مترا، ووصلت إليه المياه المبتذلة بعد كل هذا الوقت، وقد اقترح بعض الناشطين البيئيين تحويل مجرى المياه حوالي 200 متر، إلا أنه وكما نرى فإن هذه مياه جوفية، وقد تتلوث على هذا البعد”.

وعند سؤاله عن الحلول، قال: “حاليا، بتعقيم المياه، ونسعى لتنفيذ المخططات السابقة بدعم من اتحاد بلديات المتن الأعلى، وتم تحديد موعد قريب مع وزير المياه والطاقة، لشرح الموضوع، وإحالته إلى مجلس الإنماء والإعمار، للعمل على تجديد الخرائط وتنفيذها”، وقال: “تعاني المناطق في كافة أنحاء لبنان من المياه المبتذلة، فمياه الصرف الصحي تحول إلى مجاري المياه من سواق وأنهار، وقد ظهرت هنا بسبب تفاقم هذه المشكلة”، وأضاف “المشكلة الأخرى أن الجهات المانحة ومنها الاتحاد الأوروبي لا تقدم المنح لبناء محطة تكرير إلا اذا ازداد عدد اللاجئين السوريين عن نسبة معينة، متناسية حجم العبء على اللبنانيين والبلديات نتيجة هذا النزوح، وبالتالي فلا يوجد بلد يعاني كما نعاني في لبنان في كل قطاعات الحياة”.

وأبدى أبو الحسن تفاؤله أن “هذه المشكلة ستحل بشكل سريع، خصوصا وأن النائب وليد جنبلاط وكتلته النيابية تتابع الموضوع وأنه مستاء من هذا الوضع، وأن التجاوب ملحوظ من المسؤولين والمعنيين، ولا تقاعس، وتم تكليف مسؤول داخلية الحزب التقدمي الإشتراكي هادي أبو الحسن بمتابعة الملف، خصوصا وأن هذه المحطة ستخدم حوالي 14 ألف نسمة”.

مواد خاصة بالتعقيم من فرنسا

 

وعلمنا من مصادر خاصة أيضا، أن المشكلة بدأت من بلدة بتبيات، وبالتحديد من بئر بتبيات الأرتوازي بالمياه المبتذلة من القرى السابق ذكرها، والذي يحتوي كمية المياه الأكبر ويضخ كمية مياه تصل إلى 115 متر مكعب بالساعة، مقارنة مع بئر بمريم الذي تصل كمية المياه فيه إلى 85 متر مكعب بالساعة، واحتاجت القرى للمياه، فتم ضخ المياه إلى بمريم فتلوثت، وبادرت مصلحة مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان باستقدام مواد خاصة بالتعقيم من فرنسا.

وفي ما تواتر إلينا من معطيات، فإن “مجلس الإنماء والإعمار” يتابع الأمر بالتنسيق مع اتحاد البلديات، قد قطع شوطا كبيرا في هذا المجال، بعد لقاء بين رئيس اتحاد المتن الأعلى مروان صالحة مع المعنيين في المجلس، وتم تحويل الملف بعد دراسة المقترحات، من أجل القيام بدراسة متكاملة والبدء بالتنفيذ، وعلمنا أيضا أن عدد النازحين السوريين بلغ في المتن الأعلى ما بين 10 آلاف و12 ألف نسمة.

600 ألف دولار تبخرت!

 

وقال عضو بلدية رأس المتن رجا صالحة لـ greenarea.info أن “حجم التلوث كان كبيرا لكن الخطر انحسر جزئيا، ويظل قائما ما لم تعالج فالوغا، حمانا، بمريم وبتخنيه مشكلة الصرف الصحي بشكل كامل”، وعن طرح حل من خلال تأمين محطة تكرير للمياه المبتذلة، قال صالحة أن “كلفة تشغيل أي محطة تكرير باهظة ومكلفة، نسبة للكمية المراد تكريرها والبالغة 2000 متر مكعب، فضلا عن العجز والإهتراء في مؤسسات الدولة وغياب الصيانة، وبالتالي تتفاقم المشاكل إن لم تكن الخطط مدروسة بشكل متكامل ومستدام”.

وقال صالحة: “علمنا أن المكاسب والرسومات المجموعة من قبل مصلحة المياه وصلت قيمتها إلى 600 ألف دولار، تم تجييرها لوزارة الطاقة والمياه بهدف القيام بمشاريع إنمائية عديدة في المناطق، لكنها تبخرت”.

سمية الكلور

 

وقال رئيس مكتب مصلحة مياه بيروت وجبل لبنان في المنطقة يونس الجرماني أن “المشكلة بدأت مع المياه المبتذلة التي لوثت البئر الارتوازية في بلدة بتبيات، وقد تابعت المصلحة الموضوع بشكل كامل، وقمنا بإجراءات صارمة لمتابعة ومعالجة التلوث بشكل كامل، واستقدمنا مواد خاصة لتعقيم كافة الخزانات والتوصيلات، وفحصنا المياه ووجدناها سليمة”.

وعن شكوى المواطنين من كمية الكلور المضافة، أكد الجرماني أن “كمية الكلور المضافة مدروسة وبكميات مسموح بها، وبكل الأحوال يهمنا صحة الناس، إن كان من سلامة المياه من التلوث أو من السمية بالكلور”.

وألقى البعض باللائمة  على اتحاد البلديات في المتن الأعلى، وأن الإتحاد يلبي احتياجات القرى الآنية، إنما يهمل التخطيط الشمولي، الذي يخدم هذه القرى، ولا سيما في هذا الملف بالذات وبشكل متكامل ومستدام، فالمشاريع المتكاملة لحل الأزمات الكبيرة مثل محطات التكرير ومعامل النفايات، لا تحظى بالإهتمام والتخطيط الكافيين ليتم حل المشكلات المتفاقمة بشكل جذري.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This