نادرا ما يُسلَّط الضوء على حجم التلوث الذي يسببه قطاع النقل البحري في العالم، لا سيما وأن لهذا النوع من التلوث تبعات خطيرة، لا تقل عن سائر الملوثات الناجمة عن قطاع النقل البري والجوي، خصوصا وأن الاتفاقات العالمية بشأن تغير المناخ، لم تتناول الانبعاثات الصادرة عن الشحن البحري والملاحة الجوية، بما في ذلك “اتفاق باريس” للمناخ المنعقد في كانون الأول (ديسمبر) الماضي 2015.
هذا مع العلم أن هذا القطاع بات أكبر ملوث للبيئة بمادة الكبريت على مستوى العالم، ووفق دراسات حديثة، فإن محتوى أوكسيد الكبريت Sulfur Dioxide في زيت الوقود الثقيل يزيد بما يصل إلى 3500 مرة في مقارنة مع كمية الكبريت الموجودة في الديزل البري، وعن أحدث مستويات أوروبية لــ “الديزل” في السيارات.
الأمطار الحمضية
ويتسبب أوكسيد الكبريت الذي يتكون في الهواء بـ “الأمطار الحمضية” Acid Rain التي تساهم في تلف المحاصيل الزراعية، من خلال تفاعل ثاني أوكسيد الكبريت مع الأوكسجين في وجود الأشعة فوق البنفسجية الصادرة عن الشمس، وينتج ثالث أوكسيد الكبريت الذي يتحد بعد ذلك مع بخار الماء الموجود في الجو، ليعطي حمض الكبريتيك، الذي يبقى معلقا في الهواء على هيئة رذاذ دقيق تذروه الرياح من مكان لآخر.
وتؤدي الأمطار الحمضية إلى زيادة حمضية المياه، نتيجة نقلها لحمض الكبريتيك والآزوت، فضلا عن أن الأمطار الحمضية تجرف معها عناصر معدنية مختلفة، بعضها في شكل مركبات من الزئبق والرصاص والنحاس والألومنيوم، مؤديةً إلى حدوث تسمم للأحياء، ولا سيما في المسطحات المائية المغلقة كالبحيرات. كما تؤثر الأمطار الحمضية على الغابات، وتجردها من أوراقها وتحدث خللاً في التوازن البيئي للتربة.
عوادم السفن
وتجدر الإشارة إلى أن “المنظمة البحرية الدولية” International Maritime Organization أو الــ IMO التي تنظم النقل البحري الدولي، بدأت في الانخراط التدريجي في هذه القضية. ومنذ ثمانينيات القرن الماضي، تمكَّنت “الاتفاقية الدولية لمنع التلوث الناجم عن السفن” MARPOL من تقييد الانبعاثات من الزيوت والسوائل الملوثة والمواد الضارة، والصرف الصحي، والقمامة في المحيطات، وذلك في أعقاب سلسلة من الحوادث التي تسببت فيها ناقلات النفط العملاقة.
وفي العام 1997، تم اعتماد قيود لتلوث الهواء، نتيجة النقل البحري، ولكنها لم تدخل حيز التنفيذ سوى في عام 2005، فالانبعاثات الناجمة عن عوادم السفن تعتبر أحد أهم مصادر تلوث الهواء، وتمثل نسبة 18-30 بالمئة من كل انبعاثات أوكسيد النيتروجين و 9 بالمئة من انبعاثات أكاسيد الكبريت.
وتمثل الانبعاثات الصادرة عن عوادم السفن من أكاسيد الكبريت حوالي 60 بالمئة من إنبعثات أكاسيد الكبريت العالمية لوسائل النقل، كما تعادل كمية أكاسيد الكبريت المنبعثة من أكبر 15 سفينة، كل الكمية المنبعثة من جميع السيارات في العالم مجتمعة.
ويقدر الآن، حجم تلوث الهواء الناتج عن السفن بـ 40 بالمئة من تلوث الهواء على الأرض.
تقليص التلوث البحري
وفي سياقٍ متصل، تستقبل العاصمة البريطانية لندن، اجتماعا لـ “لجنة حماية البيئة البحرية” Marine Environment Protection Committee التابعة لـ “المنظمة البحرية الدولية” International Maritime Organization ما بين 24 و 28 تشرين الأول (أكتوبر) لبحث فرض سقف عالمي على انبعاثات أكسيد الكبريت اعتبارا من 2020 أو 2025 مما سيؤدي إلى تراجع انبعاثات الكبريت (SO2) من الحد الأقصى الحالي الذي يبلغ 3.5 في المئة من محتوى الوقود إلى 0.5 في المئة.
ومن ناحية ثانية، يتأهب قطاع الشحن البحري العالمي لقرار تنظيمي قد يمثل خطوة مهمة لجهة تقليص التلوث البحري، لكنه قد يضاعف تقريبا تكاليف الوقود في قطاع يترنح بالفعل من أسوأ انكماش له منذ عشرات السنين.