مع إنهاء مجلس الإنماء والإعمار جميع المناقصات التي أقرّتها خطة النفايات الحكومية، يسقط رهان أهالي إقليم الخرّوب، المنطقة المُستثناة من هذه الخطة، على شمول نفاياتهم بها. أكثر من سنة ونصف، وأهالي الإقليم يُعانون من أزمة معالجة النفايات، ويرزحون تحت عبء الحرق الدوري والمكبّات العشوائية. تُفيد الوقائع بأن لا حلّ قريباً للأزمة، فيما تتجه بعض بلديات المنطقة إلى اتخاذ حلّ فردي و{قريب» يقيها تداعيات الحلول المركزية البعيدة
نحو 500 مليون ليرة، هو مُعدّل الكلفة السنوية التي تتكبّدها كل بلدية من بلديات إقليم الخروب، من أجل نقل نفاياتها ومعالجتها بطريقة بدائية وعشوائية، وفق تقدير رؤساء هذه البلديات، التي لا تزال تنتظر حلّاً يقيها سموم النفايات منذ نحو سنة ونصف.
هذه المنطقة “المُزنَّرة” بالمكبّات العشوائية، والتي تعاني حالياً من الحرق العشوائي للنفايات، استُثنِيَت من خطة النفايات الحكومية. ولم تنجح كل “المُناشدات” والمُطالبات بشمول نفايات المنطقة ضمن الخطة الحكومية، وبقيت مُستثناة منها. أمّا السبب، بحسب قناعة الكثير من الأهالي، فهو معاقبة ناس المنطقة على تمرّدهم السياسي وعدم قبولهم بخيارات “اللاعبين” فيها، القاضية بإقامة مطمر في الإقليم.
عملياً، سقط خيار شمول نفايات المنطقة بالخطة الحكومية لإدارة النفايات المنزلية الصلبة، ذلك أن جميع المناقصات التي أقرّتها الأخيرة انتهت وبوشر السير في معظمها على نحو يستثني نفايات المنطقة. أما “الصراع” الدائر حول موقع معمل الفرز المُقترح لمعالجة نفايات الإقليم وقضاءي الشوف وعاليه، فهو لا يزال قائماً بسبب عجز اتحاد بلديات الإقليم عن التوصل إلى حل يُرضي جميع الأطراف المعنية.
تُفيد المُعطيات المُستجدة، بأن الاتحاد يبحث حالياً في خيار جدّي و”حاسم”، على حدّ تعبير مصادر الاتحاد، يقضي بإنشاء معمل فرزٍ ومعالجة يستقبل نفايات الإقليم فقط. هذا الخيار، يأتي بعد الرفض التام من قبل الاتحاد والبلديات وأهالي المنطقة لاقتراح وزير الزراعة المُكلف متابعة ملف النفايات أكرم شهيب الأخير، الذي كان يقضي بمعالجة نفايات الشوف وعاليه أيضاً إلى جانب نفايات الإقليم في المعمل المُقترح.
أمس، زار وفدٌ من الاتحاد معمل الفرز والمعالجة في بكفيا للاطِّلاع على التقنيات المستخدمة فيه لمعالجة النفايات. كذلك، ينتظر اتحاد البلديات تقريراً مفصَّلاً من شركة إيطالية تُعنى بمعالجة النفايات وفرزها حول التقنيات المستخدمة، لتقديمه مرفقاً بالخطة إلى وزارة الداخلية للموافقة عليه، في خطوةٍ مماثلةٍ قامت بها بلدية غوسطا ــ كسروان لإنشاء معمل فرزٍ خاص بها، بعد استحصالها على موافقة وزير الداخلية نهاد المشنوق بذلك.
لم يُعلن الاتحاد بعد موقعَ المعمل المُزمع انشاؤه، تقول مصادر الاتحاد إن الأخير “استبعد إنشاء المعمل في نطاق بلدات برجا والإقليم والجية وبعاصير”، فيما تُشير المعلومات إلى أنَّ “جمعية تجار الإقليم وجدت أرضاً في بلدة جون ــ إقليم الخروب الجنوبي، تبلغ مساحتها 200 ألف متر مربَّع، لبناء المعمل عليها، وذلك بدعمٍ من الـUNDP”.
يبقى هذا الخيار، برغم الحديث عن جدّيته، “كلاماً” بالنسبة إلى عدد من بلديات المنطقة، خصوصاً أنه لم يُرفق بعد بأي خطوة عملية. لذلك، تعمد بعض البلديات إلى السعي لـ “إنجاز” حلّها الخاص كبلدية الجيّة، التي تعمد حالياً إلى إعداد مناقصة لإنشاء معمل فرزٍ للنفايات خاصٍ بها، بالقرب من محطة التكرير على شاطئ الجيّة. أمّا بلدية شحيم، فتقوم حالياً بنقلِ جزءٍ من نفاياتها يومياً إلى أحد معامل معالجة النفايات في الجنوب.
تشكو حالياً الكثير من بلديات المنطقة من الكلفة التي تتكبّدها لنقل نفاياتها أو معالجتها بطريقة بدائية. وبحسب بلدية برجا، فقد بلغت الكلفة السنوية لنقل نفاياتها نحو 500 مليون ليرة، كذلك بلدية شحيم وبقية بلديات المنطقة. تُبدي هذه البلديات تخوفها من ارتفاع هذه الكلفة، جرّاء استمرار الأزمة وتفاقمها في المنطقة.
على صعيد مُتصل، من المُقرّر أن يعقد ممثلون عن الحزب التقدمي الاشتراكي اجتماعاً مع رؤساء البلديات خلال اليومين المقبلين، للبحث في المستجدات المتعلِّقة بأزمة نفايات الإقليم.
الجدير ذكره أن مناقصة أعمال جمع نفايات أقضية بعبدا والشوف وعاليه وكنسها ونقلها أُعلنت نتائجها يوم الجمعة الماضي، ومن المُقرر أن يُباشر المتعهد الأعمال الشهر المُقبل، فهل يتغيّر واقع قضاءَي الشوف وعاليه بعد المباشرة بأعمال النقل والكنس والجمع؟
بحسب مسؤول اللجنة البيئية في بلدية عاليه فادي شهيّب، فإن هذه المناقصة لن تُترجم واقعاً، إذا لم تستطع البلديات تحديد عقار تُنقَل النفايات إليه تمهيداً لمعالجتها، لافتاً إلى أن بلدية عاليه مثلاً تملك طاقماً لكنس النفايات وجمعها، “لكنها تحتاج إلى موقع لطمر العوادم أو معمل فرز يعالج جميع نفاياتها”. حالياً، لا تعاني بلدية عاليه من أزمة كغيرها من بلديات المنطقة، ذلك أن الفرز الذي تنتهجه البلدية “خفّف حجم النفايات المنتجة. أما النفايات الباقية، فيجري توضيبها في موقع تابع للبلدية إلى حين التوصل إلى حل”، وفق ما يقول شهيّب. يُشير الأخير إلى أن البلدية عمدت إلى وضع مخطط شامل لإقامة معمل فرز خاص بها، وأوشكت البلدية على إنجازه “لكن جرت عرقلته نتيجة وضع شرط عليه لاستقبال المعمل لنفايات القضاء كله، وهو أمر لا تقوى عليه بلدية عاليه”.
هذا الواقع يُشبه واقع بلدات أقضية الشوف، باستثناء الـ 15 ضيعة التي تنضوي تحت لواء اتحاد بلديات الشوف الأعلى التي قررت أن “تتفرّد” في معالجة نفاياتها عبر معمل فرز خاص بهذه البلدات، وفق ما يقول رئيس الاتحاد روجيه عشّي لـ “الأخبار”.
هذا الواقع يعني عملياً أن غالبية البلديات تُفضّل الخيارات الفردية القاضية بتحمّل معالجة نفاياتها فقط، تماماً كما الجية وعاليه واتحاد بلديات الشوف الأعلى، على الحلول المركزية التي تُصرّ عليها السلطة السياسية، مهما ادّعت بغير ذلك.